خطبة الجمعة 16-10-1431هـ بعنوان مَرحباً بعامٍ دراسيٍّ جديدٍ
الحمدُ لله أجادَ علينا آلاءً ونِعَمًا،وأبعدَ عنَّا فِتنًا ونِقَمًا،نشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له،رفعَ أهلَ العلم فكانوا قِمَمًا,ونشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه,بُعِثَ للنَّاسِ عَرَبًا وعَجمًا،صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آله وأصحابِه الذين بذَلوا للدِّينِ مُهجًا وهِممًا،والتابعينَ لهم بإحسانٍ وإيمانٍ أبداً .
أمَّا بعدُ:فالسَّعيدُ من اتقى اللهَ،وأَخَذَ من دُنياهُ لأُخَراهُ,فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ,غدًا بإذنِ اللهِ تنطلقُ مسيرةُ العلمِ والتَّعليمِ،ويبرقُ فجرٌ بَهيجٌ،والمستقبلونَ له بين مُحبٍّ وكارهٍ،ومُتفائِلٍ ومُتشَائِمٍ، فَنَسأَلُ المولى أن يجعلَه عاماً دِراسِيَّاً مُباركاً،مَلِيئاً بالعلمِ والعَمَلِ والهدى,
وأوَّلُ الوَصَايَا وأنفعُها أنِ استقبلوا دِراسَتَكُمْ بفألٍ حَسَنٍ ونَظْرَةٍ مُشرقَةٍ فقد كَانَ رَسُولُنا يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ . أيُّها المؤمنونَ:رَسَائِلُنا من قَلبٍ مُحِبٍّ علَّ اللهَ أنْ ينفعَ القائلَ والْمُستَمِعَ لتكونَ طريقاً للإصلاحِ ولَبِنَةً للسَّبِيلِ الأَقوَمِِ .
فرسالَتُنا الأولى: إلى أُمَنَاءِ التَّربيةِ والتَّعلِيمِ، إلى مَشَاعِلِ النُّورِ والرَّحْمَةِ,إلى النُّجومِ السَّاطِعَةِ والكواكبِ اللامِعَةِ, أنتم أيُّها المعلِّمونَ الكرامُ،يا من تَشَرَّفتُم بِأعظَمِ مَهمَّةِ وأشرفِ رسالةٍ،فأنتم الْمَنْهَلُ العَذبُ تَسقُونَ أجيالَنا النُّورَ والهدايةَ,وتَصِلُونَ بهم إلى مواطنِ العزِّ والفَخارِ ! هاهم أبناءُ المسلمينَ أقبلوا عليكم ينتَظِرُونَ منكم عُلوماً نافعةً، ووصاياً جامعةً،فخذوا بِمَجَامِعِ قُلُوبِهم،ودُلُّوها على مَحَبَّةِ اللهِ ومَرْضَاتِهِ،واغرِسُوا فيها الإيمانَ والإحسانَ: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَأَخلِصُوا للهِ في القولِ والعملِ, فما كانَ للهِ دامَ، وما كان لغيرِ الله انقطع.
أيُّها المعلمونَ الأفاضلَ:كُلٌّ مِنَّا ساعٍ إلى مصدرِ رِزْقِهِ وعمَلِهِ،فإمَّا أنْ يَخرُجَ بِنِيَّةٍ صالِحةٍ تَعودُ عليهِ بالأجرِ والثَّواب،وإمِّا أن يرجعَ بِنَصَبِ الدُّنيا وحِرمَانِ الآخِرةِ,والنِّيةُ الصالحةُ تعينُ العاملَ على ضبطِ سُلُوكِهِ,وإتقانِ عملِهِ وحفظِ أمانتِه.أيُّها الأفاضلَ:رسالةُ التَّعليم إتِّساءٌ واقتداءٌ,بِأَشْرَفِ الرُّسلِ والأنبياءِ،فقد كان حَلِيمَاً رَحِيمَاً رَفِيقاً،فييسِّروا ولا تعسروا،وبشِّروا ولا تنفروا: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ لِتَكُنْ أيُّها المُعلِّمُ طلْقَ الوَجْهِ دائمَ البِشْرِ ، كما كان فإنَّهُ ما لَقِيَ أحَداً إلا تبسَّم في وجهه .
أيُّها المعلمونَ الأفاضلَ:أبناؤنا أمانةٌ في أعناقِكم،فاقْدُرُوا للكلمةِ قدرَها، وزِنُوا لِلحرَكَةِ وزنَها فطلابُنا يَعقِلُون بأعينِهم أكثرَ من آذانِهم،فمن مُشكِلاتِنا ضَعفُ القُدُواتِ,فَشَتَّانَ في كثيرٍ من الأحيانِ بينَ من يَسمَعُهُ من مُعلِّمِهِ وبينَ ما يراهُ,فاللهُ تعالى يُحَذِّرُ من ذلكَ ويقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ .
فنحنُ بِحاجةٍ إلى مُعلِّمٍ تَصِلُ رسالَتُهُ إلى القُلُوبِ,بالأفعالِ قبلَ الأقوالِ مُحَقِّقاً قولَ النَّبِيِّ: (فو اللهِ، لأن يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدَاً خَيرٌ لَكَ من حُمُرِ النَّعَمِ)
يا رجالَ التَّربِيَةِ والتَّعلِيمِ، مَنَاهِجُنا سَتَظَلُّ حِبْرًا على وَرَقٍ ما لم نُترجمْها بِسُلُوكِنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا ، فينشأُ الطَّالبُ على الصَّدقِ إذا لَمْ تَقَعْ عينُهُ مِنَّا على غشٍ أو تَسمَعُ أذنُه مِنَّا كَذِبًا، يتعلَّمُ الطَّالِبُ مِنَّا الرَّحْمَةَ إذا لَم يُعاملْ بِغلظَةٍ وقَسْوَةٍ. يَتَرَبَّى على الأمانةِ إذا قَطَعْنَا دَابِرَ الْخِيَانَةِ،قال ابنُ المبارك رحمه الله: "نَحنُ إلى قليلٍ من الأدبِ أَحوَجُ مِنَّا إلى كثيرٍِِ من العلم" يا حُمَاةَ التَّربِيَةِ والتَّعلِيمِ:غداً يَتَوَافَدُ عليكم طلابٌ مُتَبايِنُونَ فيهم الجاهلُ والْمَتَعلِّم ,والسَّفيهُ والمتَّزن, فعامِلُوا كلاًّ بحسْبِ حالِهِ,واصبروا رحمكم اللهُ على تعليمِ الجاهلِ وتربيةِ السَّفِيهِ, فالْمُعَلِّمُ النَّاجحُ مَنْ يَتَوَاضَعُ لِطُلاَّبِهِ ويُحسِنُ إليهم، فلا يتكبَّرُ ولا يَحتَقِرُ,مُتَمَثِّلاً قولَ النَّبِيِّ: (إنَّ الله أوحى إليَّ أنْ تَوَاضَعُوا)
الْمُعَلِّمُ النَّاجِحُ هو الذي يكشفُ المواهبَ ويصنعُ العزائِمَ،كما كان مع أصحابه،فقد قال لعبدِ الله بنِ مسعودٍ : (إنَّك شابٌ معلَّم) فصارَ من القرَّاءِ والفقهاءِ ، وصَنَعَ مِن أُسامةَ بنَ زيدٍ قائِدَاً مَيدَانِيَّاً على صِغَرِ سِنِّهِ حين قال له: (وَأيْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ) الْمُعَلِّمُ النَّاجِحُ حَسَنُ الأَلفَاظِ، دَقِيقُ المُلاحَظَةِ،إيْجَابِيٌّ في طَرْحِهِ، مُتجدِّدٌ في أسلوب عرضِه.
الْمُعَلِّمُ النَّاجِحُ من يَصِلُ إلى قُلوبِ طُلاَّبِهِ وَيُقِيمُ معهم جُسُورَ الْمَحَبَّةِ والإخاءِ،طَيِّبُ الذِّكْرِ نَقِيُّ الفِكْرِ حَسَنُ القُدوَةِ.
كفاكَ شَرفاً أيُّها الْمُعَلِّمُ أنَّكَ تَقِفُ مَقَامِ الرَّسُولِ الأعظمِ فقد بَعَثَهُ اللهُ للنَّاسِ(يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) بَعَثَهُ اللهُ لِيُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ومَكارِمَهَا ,هنيئاً لك فقد رَفَعَ اللهُ قَدْرَكَ: (فإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ) (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )
إنَّ المعلمَ في الوجودِ كنخلةٍ تؤتِي مع الثَّمرِ الرَّطِيبِ ظَلِيلاً
يكفيه فَخْرًا أنْ يقالَ: مُعلِّمٌ فَمُعلِّمُ الأجيـالِ كان رسولاً
أعان الله الجميع على أداء الأمانة , وجعلنا الله جميعا مفاتيحَ خيرٍ ومَغَالِيقَ شَرٍّ. أقول قولي هذا،وأستغفِر اللهَ لي ولكم ، فاستغفروه إنِّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله الوليِّ الحميدِ، نشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريك له يهدي من يشاءُ ويحكمُ ما يريد،ونشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صاحبُ الخلق الكريمِ والأَدَبِ الحَمِيدِ،اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه،وعلى آلهِ وأصحابِه ذوي العقلِ الرَّشيدِ والرأي السَّديدِ.ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم المزيدِ.
أمَّا بعدُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
أبنَائَنا الطُّلابُ: هاهي أيامُ العِلمِ أقبلت فَأَقْبِلُوا عليها بجدٍّ وإخلاصٍ.يا طُلَّابَ المدارسِ،إنَّ جهودًا كبيرةً تُعمَلُ من أجلِكم،فكونوا عند حُسْنِ الظَّنِ بكم . وأنتم تسيرونَ للمدرسة تَذكَّروا قولَ رسولِ الله: (من سَلَكَ طريقاً يلتمسُ فيه علماً سهَّلَ اللهُ له به طريقاً إلى الجنةِ).
أبنائي الطُّلاب: المعلمونَ بمنزلةِ آبائِكم فلا تظنُّوا بِهم سُوءاً,ولا تنطِّقوا أمامَهم بِسُوءٍ أو تصرُّفٍ مَشِينٍ!أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يَبني ويُنشئُ أنفُسَناً وعُقُولا أبنائَنَا الطُّلابِ:تَحلَّوا بالصَّبِر الجميلِ،واحذروا الإهمالَ والكَسَلَ فلا ينالُ العلمَ كسولٌ ولا عاجز,وقد كان النَّبيُّ يستعيذُ باللهِ مِنَ العَجْزِِ والكَسَلِ.
أبنائَنا الطُّلابِ :احذروا رفقةَ السُّوءِ فالقَرِينُ بالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي,واحترموا العلمَ وكُتُبَهُ, وأتقِنُوا ما تَتَعلَّمون,وطبِّقوا ما تأخذون,فقد قَالَ الإمامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رحمهُ اللهُ:«الْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا ارْتَحَلَ»اسْعَوا إلى معالي الأمور،واجتنبوا سَفَا سِفَها.فالأمَّةُ تنتظرُ منكم علماءَ يَنشُرُونَ الدِّينَ وأطباءَ ومُهندسينَ,وجنوداً مُخلصِينَ .
أيُّها الطلاب:جدِّوا واجتهدوا,فلا عُذرَ لكم اليومَ فوسائِلُ التَّعَلُّمِ مُتاحةٌ لكم,فمن الغبنِ أن يكونَ فينا مَنْ لا يُحسنُ القراءةَ والكتابةَ والإملاءَ!وفُنُونَ العلمِ الأُخرى! إنِّها فُرَصٌ عظيمةٌ، حَرِيٌّ بالشَّبابِ اغتِنَامُها فما تَستطيعُهُ اليومَ في شَبَابِكَ قد تَعجزُ عنهُ غداً !كانَ الله في عونِكُم و وفَّقَكُم صِرَاطَه المستقيمَ .
معاشرَ الأولياءِ , نَحنُ شركاءُ المدرسة في رسالَتِها،والبيتُ هو المدرسةُ الأولى, وأكثرُ ما يُعاني منه الْمُرَبُّونَ قلةُ التَّواصُلِ بالمدرسة،فبعضُنا يظنُّ أنَّه بتوفير لوازمِ المدرسة وحاجِيَّاتِها قد انتهى دورُه وقامَ بواجِبِهِ دونَ مُتابعةٍ أو سُؤَالٍ.
علينا معاشرَ الأولياءِ أنْ نَزْرَعَ قي قلوبِ أبنائِنا حُبَّ العلمِ والتَّعلُّمِ والمعلِّمينَ واحترامَهم, فالأدبُ مِفتاحُ العلمِ وأساسُ الطَّلبِ
إنَّ المعلمَ والطَّبِيبَ كِلَيهِما لا ينفعانِ إذا لم يُكرَمَا
معاشرَ الأولياءِ : عظِّموا أمرَ الله في نفوسِ النَّاشِئَةِ، (مُروهم بالصَّلاةِ لِسَبعٍ، واضربوهم عليها لعشر، وفرِّقوا بينهم في الْمَضَاجِعِ ).
احذروا الإسرافَ في شِراءِ الأدواتِ فاللهُ تعالى يقول: وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
أيُّها الكرامُ:حقٌّ لِمن اشتدَّت عليهم ظُرُوفُ الْحَيَاةِ فقد تكالبَ على بعضِ الأُسَرِ عِدَّةُ مُناسباتٍ يَشُقُّ معَهَا تَوفِيرُ مَا يحتاجهُ أبنَاؤُهم، فهل يَجِدُوا من الْمَدَارسِ والْمُحسنينَ أمثَالِكم رعايةً خاصَّةً وبطريقةٍ مُناسِبَةٍ فجزى اللهُ كلَّ من ساهم وأعانَ. وكان الله في عونِ الجميع , وهدانا سواءَ السَّبيل .اللهم أعنِّا على أداءِ الأمانةِ , اللهم إنَّا نعوذ بك من السُّوء والخيانةِ .
اللهم اجعل عامَنَا الدِّراسيَّ عامَ خيرٍ وهدىً ,وفلاحٍ وتُقى, ياربَّ العلمين .
اللهم أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا إتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ياربَّ العالمين
اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنا لما تُحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى واجعلهم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ياربَّ العالمين .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
0
0
1.7K
05-24-1433 01:38 صباحًا