• ×

11:43 صباحًا , الأربعاء 2 جمادي الثاني 1446 / 4 ديسمبر 2024

خطبة الجمعة 24-09-1431هـ بعنوان في وداع رمضان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 

الحمد لله على جزيل عطائه, وسوابغِ آلائه ,نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها النجاةَ يوم لقائه, ونشهد أنَّ محمدا عبدُ الله ورسوله الداعي إلى جنته ومرضاته, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه , ومن اهتدى بهديه وسار على دربه إلى يوم الدِّين .أمَّا بعد , عباد الله اتقوا الله؛ فإنَّ تقواه أفضل مكتسَب، وطاعته أعلى نسب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) اللهُ أكبر يا مؤمنون: صدق اللهُ: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) بالأمس أقبلَ مُشرقَ الميلاد شهرُ التُّقاةِ وموسمُ العباد واليومَ شدَّ إلى الرَّحيلِ متاعَه قد زوَّد الدنيا بخيرِ الزَّاد هذا رمضانُ دنا رحيلُه وأزِف تحويلُه؛ فهنيئًا لمن زَكت فيه نفسُه، ورقَّ فيه قلبُه، وتهذَّبت فيه أخلاقُه، وعظُمَت فيه للخير رغبتُه، هنيئًا لمن كان رمضانُ عنوانَ توبتِه وساعةَ عودتِه واستقامتِه، هنيئًا لمن عفا عنه العفوُّ الكريم، وصفَحَ عنه الغفورُ الرحيم، هنيئًا لمن أُعتِقت رقبتُه وفُكَّ أَسره، وفاز بالجنة وزُحزِح عن النَّار، جعلَنا الله جميعاً منهم. أيُّها الصائمون : في استقبال رمضانَ وتودِيعه فرصةٌ للتَّأمُّل ! عسى أن نُصلح الخلل ونقوِّم المُعوَّج , عسى أن نزدادَ من كلِّ خير ونسعى لكلِّ تقوىً و برٍّ , فلقد عشنا مع القرآنِ الكريمِ تلاوةً وتدبُّرا فخشعتِ القلوبُ واطمأنَّتِ النفوسُ فآمنَّا وأيقنَّا أنَّ القرآنَ الكريمَ هو الحبلُ والحياةُ والنَّجاةُ والنُّورُ, وهو الصِّراطُ المستقيمُ كما قال ربُّنا جلَّ في علاه: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) فهل يسوغُ لنا شرعا أو عقلا أن نبتعدَ عن كتابِ ربِّنا و نتخذَه وراءَنا ظهريا .إخوة أمَّة الصيام والقرآنِ: ما أجدر الأمَّة الإسلاميةَ وهي تودِّع موسمها الأغرَّ، أن تودِّع أيضاً أوضاعَها المأساويةَ، وجِراحَاتَها الدَّمَويَّةَ، التي أصابت جَسَدَها الطَّاهرَ المُثخن بالجراحِ والماسي, مُنذُ تسلَّطَ عليها الظَّلمةُ الأفَّاكونَ، ما أحراها أنْ تَتَّخِذَ خُطُواتٍ جادَّةٍ لوقف نزيفِ الدَّم المُتَدَفِّقِ على ثرى أرضينا العربيَّةِ والإسلاميَّةِ في فلسطينَ المجاهدةَ، وفي سوريا الجريحةِ،وعلى أراضي ليبيا الغاليةِ,وعلى أرض اليمنِ الحزينِ, فهل يعجزُ المسلمونَ أن يتَّخِذوا حلاًّ عادلاً يحقن دماء إخوانهم، ويعيدوا لهم أمنَهُم ومَجدَهم ؟! فيا يا أهل الحلِّ والعقدِ, والرأي والمشورةِ! وأنتم تودِّعون موسمَنَا الأغرَّ! ودِّعوا التَّخاذلَ والمهانةَ والذِّلَّةَ !فمن لم يتعظ بالوقائِع فهو غافلٌ، ومن لم تقرعه الحوادث فهو خامل.أما لنا في الرَّافدينِ من عبر !! قولوا بيِّنوا للزعماء والرؤساء والحكَّام أنهُ لا صلاح لأحوالِهم ولا استقرار لشعوبهم إلا بالتَّمسُّكِ بالعقيدةِ الإسلامية واتخاذِ القرآنِ الكريمِ منهجا ودستوراً مُهيمناً (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) هذا هو الأمل، وعلينا الصدقُ والعملُ،وقى اللهُ المسلمين الفتنَ ما ظهر منها وما بطن ! أيُّها الصائمون: لقد باتت مساجدُنا بحمد الله لها دويٌّ كدويِّ النَّحل صلاةٌ ودعاءٌ ,وقراءةٌ وذِكرٌ, ففرحنا بإخوانٍ لنا كانوا يتخلَّفون عن جماعتنا بِتْنَا بحمد الله نراهم معنا في رمضانَ رُكعاً سُجَّدا فما أكرمَك يا رمضانُ! وما أعظمَ فضائِلَكَ! فأنت مدرسةٌ عظيمةٌ ربطت الصائمَ بصلاته ودينه ,وهذا يدلُّ على أنَّ فيهم خيراً كثيراً! فيا أيُّها الصائم (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) واعلم أنَّ (أَثْقَلُ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ ، وَصَلاةُ الْفَجْرِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا مِنَ الرَّغَائِبِ لأَتَُوهُمَا ، وَلَوْ حَبْوًا ) أيُّها الصائمون: شهرنا علَّمنا الجودَ والبِرَّ والإحسانَ فهذا مُتَصَدِّقٌ , وآخرُ مُفَطِّرٌ, فهل سنغفل عن تلك الصِّفاتِ العاليةِ والأخلاقِ الحميدة ؟ونحن نرى حال إخواننا المحتاجين والمعوزين في الصومال ؟ (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) جزى اللهُ كلَّ من قدَّم وأنفق وأعانَ أيُّها المؤمنون الصائمون: من اجتهدَ بالطَّاعاتِ وعملَ الصالحاتِ فليحمدِ الله على ذلك وليزددْ منها وليسألْ ربَّه القبولَ فإنِّما (يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ولَمَّا نزلَ قولُ الله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) قالت عائشةُ رضي الله عنها يا رسول الله أهم الذين يشربون الخمرَ ويسرقونَ ؟ قال : لا يا ابنةَ الصديقِ ولكنَّهم الذين يصومون ويصلون ويتصدَّقونَ ويخافون ألا يقبلَ منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات . قالَ عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وأرضاه: " كونوا لقبول العلم أشدَّ اهتماماً منكم بالعمل،" أيُّها الصائمُ المقصِّرُ: وكلُّنا ذاك الرَّجُلَ أمَامَنَا بابُ أملٍ كبيرٍ فنحن في عشرٍ فاضلاتٍ وأيامٍ مباركاتٍ فلنتدارك ما فات ولنبكِ على الخطيئةِ ولنعقدِ العزمَ على الطاعة فربُّنا غفورٌ رحيم يبسط يده بالليل ليتوبَ مسيءُ النَّهار ويبسط يده بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل وذلك كلَّ ليلة . فاللهم أمنن علينا بتوبةٍ صادقةٍ نصوح يارب العالمين اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المستغفرين يارب العالمين أقول ما تسمعون وأستغفر اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبًًًًًًٍّ فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية: الحمدُ لله بنعمته تتم الصالحات , نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له واسعُ العطايا وجزيلُ الهبات ,ونشهد أنَّ محمدا عبد الله ورسوله نبيُّ الفضائل والمكرمات, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الممات , أما بعد :فيا عباد الله اتقوا الله وأطيعوه وراقبوا ربَّكم ولا تعصوه فهو عليكم رقيب وبكم عالمٌ ومحيط , أيُّها الصائمون ليلتُنَا هذه عظيمةُ القدر , شريفةُ الفضل ,كثيرةُ الخيرات والأجر ,هي أرجى ليالِ العشرِ على الإطلاق ! كان أبيُّ بنُ كعب رضي الله عنه يُقسم على أنَّ ليلةَ القدرِ هي ليلةُ سبعٍ وعشرين ويقول ( والله إنِّي لأعلم أيُّ ليلةٍ هي الليلةُ التي أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلةُ سبع وعشرين ) رواه مسلم . قال ابن حجر رحمه الله: والقول أنَّها ليلةُ سبعٍ وعشرين هو الجادَّةُ من مذهب الإمامِ أحمدَ فيا أيها الصائم :أقبل على ربِّك وتضرع إليه وتقرَّب منه فربُّنا قريبٌ مجيبٌ لدعوة الداعي إذا دعاه أكثر من قول اللهم إنِّك عفوٌ تحب العفو فاعف عني أيُّها المؤمن الصائم: من أعظم ما تُودِّعُ به شهرك وتختم به صيامك، الإكثارُ من كلمة التوحيد والاستغفار، فقد جمع الله بينهما فقال : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).والاستغفار ختام أعمالٍ صالحةٍ من صلاةٍ وحجٍ وقيامِ ليلٍ (وإِنَمَّا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ) أيُّها الصائمون :وبعد إتمام الصِّيامِ يقول الملكُ العلاَّمُ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فشرعَ لنا ربُّنا زكاةَ الفطر على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد صاعا من تمرٍ أو صاعا من شعير وأفضلُ وقتٍ لإخراجها صباحُ العيد وتجوز قبله بيومٍ أو يومين وجزى الله القائمين على المستودعات الخيرية والهيئات الإغاثية فهم يستقبلون زكاة الفطر ويقومون بإيصالها لمستحقها فطيبوا بها نفسا فهي طُهرةٌ للصائم من اللغو والرَّفث وفي إخراجها شكرٌ لله على ما أنعم وأتمَّ من الصيام وهي إحسانٌ للفقراء والمساكين . أيُّها المؤمنون الصائمون : اسعدوا بالعيد السَّعيدِ فعيدنا عيدٌ شرعيٌّ عيدنا شكرٌ لله تعالى وفرحٌ بفضلهِ فيسنُّ لك أن تفرحَ به وتوسِّعَ على أهلك وأولادك وأن تتجمَّل وتلبس أحسنَ لباسَكَ بل سُنَّ له الاغتسالُ والتَّطيُّبُ وأكلُ تمرات وترا قبل خروجك للصلاة شكرا لله وامتثالا لأمره. يا صائمون في يوم العيد ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) واحذروا من أذيةِ العبادِ والبلاد في أحيائِهم وطرقِهم سواءٌ بالسياراتِ أو المفرقعات, معاشر الشباب أعطوا الطريقَ حقَّه وكفُّوا الأذى . أُحضروا صلاة العيد رجالا ونساءً حتى النِّساءَ الحُيَّض أمرهنَّ صلى الله عليه وسلم بالخروج للصلاة ليشهدن الخير ودعوةَ المسلمين ويعتزلن المصلى! أيّها المسلمون: أكثروا من التكبير ليلةَ العيد وصباحَ العيد تعظيمًا لله وشكرًا له على هدايتِه وتوفيقه، فإنَّ الله تعالى يقول: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) قال ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما-: "حقٌّ على المسلمين إذا رأوا هلالَ شوالٍ أن يُكبِّروا". اجهروا بالتكبير في مساجِدكم وأسواقكم ومنازلكم وطرقكم، مسافرين كنتم أم مُقيمين، وأظهروا هذه الشعيرةَ العظيمة، ولتكبِّرَ النساءُ سرًّا، وليقصُر أهلُ الغفلةِ عن آلاتِ الطَّربِ والأغاني الماجنة، ولا يُكدِّروا الأوقاتَ الشَّريفَةَ بِمَزامِر الشياطينِ وكلامِ الفاسقينَ. عباد الله : ومن بركاتِ توسعةِ جامعنا بحمد الله وتَهيئةِ مواقِفِهِ فقد تقرَّر إقامةُ صلاة العيد هنا مع عددٍ من المصليات والجوامع كما هو معلن وستكون الصلاةُ في تمام الساعةِ السادسةِ. يا من قُمتم وصمتم، بُشراكم رَحمةٌ ورِضوانٌ وعتقٌ وغُفران؛ فربُّكم رحيم كَريم، جوادٌ عظيم، لا يضيع أجرَ من أحسنَ عملاً، فأحسِنوا بالله الظنَّ، واحمدوه على بلوغ الختام، وسلوه قبولَ الصيام والقيام، وراقبوه بأداءِ حقوقه، واستقيموا على عبادتِه، واستمرُّوا على طاعتِه، فشهركم حان فراقه. ويا من قطَعه غافلاً ، وطواه عاصيًا ، وبدَّده متكاسِلاً. يا مَن أغوَته نفسه وألهاه شيطانه وضيَّعه قرناؤه، استدرِك ما بقي منه قبل تمامِه، وتيقَّظ بالإنابةِ قبل خِتامه، وبادِر بالتوبة قبلَ انصرامه، فكم مُتأهِّبٍ لعيده صار مرتهنًا في قبرِه، وكم من أعدَّ طِيابًا لعيده جُعِل في تَلحِيده، وكَم من خاطَ ثيابًا لتزيينه صارت لتكفينه,( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) فاللهم تقبَّل الله منا صالح القول والعمل. اللهم اختم لنا شهرنا بغفرانك والعتقِ من نيرانك . اللهم اجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا اللهم اجعلنا ممن يوقف لقيام ليلة القدر فيكتب له الثواب والأجر . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }

 0  2  44.0K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 11:43 صباحًا الأربعاء 2 جمادي الثاني 1446 / 4 ديسمبر 2024.