الحمد لله خشعت له القلوبُ وخَضَعت، ودانت له النفوسُ ورَقَّت، وعَنَت له الوجوهُ وذلَّت، ذو الفضل العَميمِ، والمَنِّ الجسيم , نشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وفَّق عبادَه المؤمنين للطاعات ، ويسَّر لهم الخيرات ِوالحسناتِ, ونشهدُ أنَّ سيَّدنا ونبينا محمداً عبدُ الله ورسولُه ، اللهم صل وسلم وبارك على إمام المتقين وسيِّدِ الخلق أجمعينَ وعلى آله وأصحابهِ ومن تبعهم بإحسان ٍإلى يوم الدِّين أما بعد: فيأيها المؤمنون، اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى، فمن خاف الوعيدَ قَصُر عليه البعيد، الإيمانُ خيرُ قائدٍ، والعملُ الصالحُ خيرُ رائدٍ, سُئلِ رَسُولُ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ :« مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ » حدَّث أحدُ الخطباء وقال : أبي شيخٌ بلغَ من العُمُرِ عِتيَّا وَهَنَ عَظمُهُ , واشتعل رأسُه شيباً, رقَّ عظمهُ , واحدودبَ ظهرهُ ! ولكنَّه حيُّ القلبِ دائمُ الذِّكر والفكر , سأل ابنَه قبلَ أربعِ ليالٍ أو خمس ! كم تاريخُ يوم غدٍ ؟ فقال ابنُه : الأوَّلُ من شعبان . فقال الأبُ : الحمد لله غدا أبدأُ بصيام شعبان ! فدعا الابنُ له بالإعانةِ والقبول والتوفيق! عباد الله : بحقٍّ هذا السؤالُ وتلك الهمَّةُ استوقفتني وجعلتني أبحثُ وأتأمَّل . فتيقَّنتُ أنَّ الحياةَ هي حياةُ القلب ! وأنَّ القوةَ والنَّشاطَ هو نشاطُ القلبِ ,وأنَّ في ذلكَ عبرةٌ لكل من كان نشيطا معافى فما عذرنا ونحن ننعم بوافر الصحةِ والعافية والفراغ ؟ فقولولي بالله مالذي جعلَ الأبُ المباركُ يفرحُ إلى هذا الحدِّ بدخول شعبان ؟ قطعاً إنَّه حبُّ الخير والمسارعةُ إلى الطاعة , حينها عزمتُ على الكتابةِ والخطابة بِهذا الشأن . حقاً عباد الله شهرُ شعبانَ كما وصفه رسولُ الله : (شهرٌ يغفُلُ الناسُ عنه ) وهنا لفتةٌ يذكرها العلماءُ وهي استحبابُ عمارةِ أوقاتِ غفلةِ الناسِ بالطَّاعاتِ ، وأنَّ ذلك محبوبٌ عند الله عزَّ وجلَّ، وسببُ ذلك أنَّ الطاعاتِ في وقتِ غفلةِ الناسِ شاقةٌ وشديدةٌ على النُّفوسِ إلا من أعانه الله ووفقه فكان أجرُها أعظمُ عند الله, جعلنا الله جميعا ممن يُوفَّقُ للهدى والتُّقى والصَّلاح، ونحن يا كرام بين يدي شهر شعبان فلنتعرف على هدي رسولِنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم مع شهرِ شعبانَ وما هي مراسمُ استقبالِه وبماذا كان يحثُّ المسلمين ويوجِّهُهُم إليه . قالت: عائشةَ رضي الله عنها كانَ رسولُ الله يصومُ حتى نقولَ: لا يُفطِر، ويفطرُ حتى نقولَ: لا يصوم، وما رأيتُ رسولَ الله استكملَ صيامَ شهرٍ قطُ إلا شهرَ رمضانَ، وما رأيتُه في شهرٍ أكثرَ صياما منه في شعبانَ. وفي روايةٍ كان يصومُ شعبانَ كُلَّه. وكانَ يصومُ شعبانَ إلا قليلاً. وهذا يدل على شِدَّةِ محافظته على الصوم في شعبان. وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لَم أرك تصوم شهرًا من الشُّهور ما تصوم من شعبان؟! فقال : ((ذاك شهر يغفَلُ الناس عنه، بين رجَبٍ ورمضان، وهو شهرٌ ترفعُ فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين، فأُحِبُّ أن يُرفَع عَملي وأنا صائم)). فذكر سببين: أنَّ شهرَ شعبانَ شهرٌ يغفل الناس عنه ، والسببُ الثاني أنَّ شعبانَ شهرٌ ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى, فأراد أن يُرفعَ عَملُه وهو صائم، إذا عباد الله القضيةُ قضيةُ اغتنامٍ لأوقات شهرِ شعبانَ حتى لا يأتيَ رمضانُ المباركُ إلا وقد ارتقى الإنسانُ منازلَ عاليةٍ من الطاعةِ والعبادةِ! وتتهيأ له بكثرة الأعمال الصالحة . مضى رجبٌ ومـا أحسنتَ فيـه وهـذا شهرُ شـعبانَ المبـارَك فيا من ضيَّـع الأوقـاتَ جهـلاً بِحُرمتهـا أفِق واحـذَر بَوارَك تدارَك ما استطعتَ مـن الخطايـا بتوبةِ مُخلـصٍ واجعل مـدارَك على طلبِ السلامـةِ من جحيـمٍ فخَيرُ ذوي الجـرائمِ من تدارَك عباد الله ومن فضيلة الصيام في شهر شعبانَ وكثرتِه واستحبابِه أنَّ بعضَ العلماءِ قالوا : أنَّ أفضل التطوع بالصيام ما كان قريبا من صيامِ فرضِ رمضانَ ، لأنه يلتحقُ بصيام رمضانَ لِقُربِهِ منهُ، فيكونُ بمنزلةِ السُّنَنِ الرواتبِ مع الفرائضِ قَبلَها وبعدها، فصومُ شعبانَ كالسُّنَّةِ القبليةِ لرمضان، وصيامُ السِّتِ من شوالٍ كالبعديةِ لرمضانَ، فيا أخي الكريم ألزم نفسك في شهر شعبانَ ولو بصيام أيام الاثنين والخميسِ وأيام البيضِ . قال ابنُ رجبٍ رحمه الله: " صومُ شعبانَ كالتمرينِ على صيامِ رمضانَ ؛ لئلا يَدخُلَ في صومِ رمضانَ على مشقةٍ وَكَلَفَةٍ، بل يكونُ قد تَمرَّنَ على الصيام واعتادَه، وَوَجَدَ بصيام شعبانَ قَبلَهُ حلاوةَ الصيامِ ولذتَهُ، فَيدخُلُ في صيامِ رمضانَ بقوةٍ ونشاطٍ". ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) فاللهم أعنا جميعا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتكِ يارب العالمين. اللهم اجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبانٍ يارب العالمين . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم الخطبة الثانية: الحمد لله ذي العظمة والجلال، نحمده سبحانه ونشكره على نعمِه المُسْداةِ في الحال والمآل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له الكبيرُ المتعَال، ونشهَدُ أنّ سيِّدَنا ونبيِّنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه, دلَّنا على طريقِ الخير والظِّلال, وحذَّرنا من الغوايَة والضَّلال, اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار , أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ثم اعلموا أنَّ كلَّ يوم لك في الدُّنيا غنيمةٌ. فتزود من الصالحات وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا أيُّها الكريم : تصوَّر أنَّه قيل لك سَيحِلُّ بك قريباً أحدُ الرؤساءِ أو الأمراءِ ضيفاً لثلاثةِ أيام سيأكلُ ويشربُ وينامُ عندك فكيفَ ستكونُ مَراسِمُ الاستقبال له ؟ وما هي الاستعداداتُ والاحتياطاتُ والتجهيزاتُ له ؟ قطعا سيكونُ عليكَ حِملاً ثقِيلاً وهَمَّا وعِبئاً كبيراً لأجلِ أن تَظهرَ بما يُناسِبُ ويَلِيقُ !! فكيفَ بك أيُّها المباركُ ,والضيفُ العزيزُ والغائبُ الحبيبُ والرفيقُ المنتظرُ رمضانُ,نعم سَيحِلُّ بك بعد أقلَّ من شهرٍ ألا يَحسُنُ بك أن تَستعدَّ له وتتهئَ له وأن تُحسِنَ وفادَتَهُ؟ بلى والله فيا أيُّها الكرام : قد سمعتم آنفا كيف كان رسولُنا يبادرُ ويكثرُ في شعبانَ من الصيام ؟ ألا وإنَّ مما يُسنُّ عَمَلُه في شهر شعبانَ أيضا الإكثارُ من قراءةِ القرآنِ ، قال أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه: كان المسلمون إذا دخلَ شعبانُ أكبوا على المصاحفِ فقرؤوها وأخرجوا زكاةَ أموالِهم تقويةً لضعِفِيهم على الصوم. وقال سلمةُ بنُ كُهَيلٍ رحمه الله : كان يقالُ شهرُ شعبانَ شهرُ القرآنِ. وكان حبيبُ بنُ أبي ثابتٍ إذا دخل شعبانُ قال: هذا شهرُ القراءِ. فيا أيُّها المباركُ استقبل رمضانَ ولو بختمةٍ واحدةٍ لكتاب الله تعالى فقد أمدَّك الله بالصحةِ والفراغِ !! قال أبو بكر البَلخِي رحمه الله : "شهرُ رجبٍ شهرُ الزرع، وشهرُ شعبانَ شهرُ سقي الزرعِ، وشهرُ رمضانَ شهرُ حصادِ الزرع . أيُّها المؤمنون : ومما يُسنُّ كذلك صلةُ الأرحامِ وسائرُ أنواعِ الإحسان، كا الإكثارِ من ذكر الله تعالى. وتعويدِ النَّفسِ على قيامِ الَّليل.والإكثارِ من الإنفاقِ والصَّدقَةِ. ومما يُسنُّ في شعبانَ تركُ التشاحنِ والبغضاءِ والتَّقَاطُعِ والتَّدَابُرِ. وفي الحديث عن معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنه عن النبيِّ قال: ((يَطَّلِعُ اللهُ إلى جميع خلقِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ فيغفرُ لجميعِ خلقِه إلا لمشركٍ أو مُشاحنٍ )) وعن أبي ثعلبةَ الخُشَنِي عن النبيِّ قال: ((إنَّ الله لَيطِّلِعُ على عبادِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ، فيغفرُ للمؤمنينَ، ويُملِي للكافرين، ويَدعُ أهلَ الحِقدِ بحقدِهم حتى يَدَعُوه)) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين امنوا ربنا إنك رءوف رحيم) فيا أيُّها الأبرارُ والأخيارُ: عليكم في هذا الشهر بالتوبةِ الصادقةِ النَّصوح ، واستقبلوا رمضانَ بالاستغفارِ والتوبةِ من جميع المعاصي والآثامِ ، فرمضانُ سَيَحِلُّ بنا قريباً ،إن كَتَبَ الله لنا الحياةَ فهيئ نَفسَكَ ، وقدِّر نعمة الله عليك، واسأله أن يُبَلِّغكَ رمضانَ، وأن يُعينكَ على ذكره وشكره وحسن عبادته . إذا أنتَ لم تزرع وأبصرتَ حاصداً نَدمتَ على التفريط ِفي زمن ِالبذرِ عباد الله ومن كان عليه أيامٌ من رمضانَ الماضي فليبادر بقضائِها من الآن, وليذكِّر أهل بيته بذلك. ومن كانت لأخيه مظلمةٌ أو حقٌ فليؤدِّها قبل ألاّ َيكونَ دِرهمٌ ولا دِينار ٌ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) إخواني وردنا تعميمٌ لحثِّ الناسِ على التعاون مع لجان خرص زكاة المزارع والتعاونِ معهم فنأمل منكم التعاونُ معهم وتسهيلُ مَهَمَّتِهم اللهم اجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا اللهم وفقنا لاغتنامِ الأوقاتِ بفعلِ الصالحات اللهم أهدنا وأهدِ بنا يارب العالمين اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا... رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )