• ×

11:31 صباحًا , الأربعاء 2 جمادي الثاني 1446 / 4 ديسمبر 2024

خطبة الجمعة 27-07-1431هـ بعنوان أين السعادة؟

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمد لله لا عزَّ إلا بطاعته , ولا سعادة إلا بتقواه , نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له لا ربَّ لنا سواه , ونشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله ومصطفا , وخليله ومجتباه , اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم أنْ نلقاه . أمَّا بعد:
عباد الله، أوصيكم ونفسِي بِتقوى الله عزَّ وجلّ، فلا سعادةَ إلاّ بتَقواه، ولا فَوز ولا نجاةَ إلاّ بإتباع هداه. قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
ذكر المفسرون في معنى الحياةِ الطيبةِ أقوالاً عِدَّةً ، ولكنَّ ابنَ القيِّمِ رحمه الله تعالى وجَّه الأنظارَ إلى معنًى أعمقَ فقال: "الصواب أنَّها حياةُ القلبِ ونعيمُه وبهجتُه وسروره بالإيمانِ بالله ومعرفةِ الله ومحبَّته والإنابة إليه والتوكّل عليه، فإنَّه لا حياةَ أطيبُ من حياة صاحبها، ولا نعيمَ فوق نعيمِه إلا نعيم الجنة، وإذا كانت حياةُ القلب حياةً طيبةً تبِعته الجوارح، فإنه مَلِكُها" انتهى كلامه رحمه الله.
أيُّها المسلمون، لا يُعرفُ مفقودٌ، تواطأ الناسُ على البحثِ عنه، مثلُ السعادة والطمأنينةِ وراحةِ البال ،
والحديثُ عن السعادة ، سيظلُّ باقيا ما دام في الدنيا بشرٌ، فكلٌّ يبحثُ عنها ، من المثقَّفِ المتعلِّمِ ، إلى العامي البسيطِ، إلى السلطان في قصره المشيد، والفقير في كوخه المتهالك.
ولكن لِنعلمَ يا مؤمنون أنَّ العبد بغير إيمانٍ فهو مخلوقٌ ضعيف،إنْ أصابَه شرٌّ جَزِعَ، وإنْ أصابه خيرٌ مَنِعَ، وهو في كلتا الحالين قلقٌ هلع
(إِنَّ الإِنسَـانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلاَّ الْمُصَلّينَ).
عباد الله: إنَّ فقدان السعادةِ من قلب العبد، يعني بداهةًً، حُلولَ القلقِ والاضطرابِ ، فيجتمعُ عليه الهمُّ والحزنُ , والأرق والسَّهر . دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسجدَ ذاتَ يوم فإذا هو بأبي أمامةََ رضي الله عنه فقال: " يا أبا أمامةَ، مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ " قال: يا رسول الله همومٌ لزمتني وديونٌ أرهقتني. فقال صلى الله عليه وسلم : " أفلا أعلِّمُك كلاما إذا قلتَه أذهبَ الله همَّك وقضى عنك دينك" قال: بلى يا رسول الله، قال: " قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: الله إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال" وقال أبو أمامة: "ففعلت ذلك، فأذهب الله همِّي وقضى عني ديني".
فالسعادةُ الحقَّةُ ـ يا رعاكم الله ـ، ليست وفرةََ المال ولا سطوةَ الجاه، ولا كثرةَ الولد، السعادة لا تتمثل في بناء الدُّور وتشيدِ القصور،وامتلاك المزارع والبساتين ، السعادةُ أمر لا يقاس بالكمِّ ولا يشترى بالدنانير، لا يملكُ بشرٌ أنْ يُعطِيَها، كما أنَّه لا يملك أحدٌ أن ينتزعَها ممن أُوتِيَها.( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ )
السعادةُ دينٌ يتبعه عمل ، السعادة هي الرضا بالله والقناعةِ بما قسم , واستمدادِ العون من الله وحده ، من ذاق طعمَ الإيمان ذاق طعم السعادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ".
ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث يقول: " مِن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله، ومن شقاوةِ ابنِ آدمَ سخطُه بما قضى الله ".
فيا من يرومُ الحياةَ الطيبةَ , والنَّفسَ المطمئنَّةِ ! دونَك قولَ الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
لقد اشترط سبحانه الإيمانَ بهِ حتى ينفعَ العملُ الصالحُ الذي يُثمر طيبَ العيش، وقُرَّةَ العين، وهناء النفس، وراحة البال .
نعم إنَّه مؤمنٌ بأنَّ اللهَ، خالقُ كلِّ شيء، وربُّ كلِّ شيء، مدبِّرُ الأمر ، الخافضُ الرافع، الضارُّ النافع، الذي بيده ملكوتُ كلِّ شيء، وهو على كلِّ شيء قدير، فإذا علم العبدُ ذلك ! حينئذ تطمئنُّ نفسُه، ويقوى قلبُه؛ لأنَّه يعلم أنَّه يأوي إلى ركن شديد, فيتحقَّقُ له الأمن والأمان، وطمأنينةُ النَّفسِ؛ وراحةُ البال.
إخوة الإسلام، ومِن أسباب الحياةِ الطيِّبة تقوى الله بأداءِ الفرائض واجتناب المعاصي، فإذا كنتَ في ضيقٍ وشدَّة فاتَّق الله في أمرك وتفكَّر في حالك ،
قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ).
فالمؤمنُ التَّقيُّ من أطيب الناس عيشاً، وأنعمهم بالاً، وأشرحهم صدراً، وهذه جنَّة عاجلةٌ قبل الجنّة الآجلة،
والصلاةُ عبادَ الله من أعظم أسباب تحقيق الحياة الطيِّبةِ، وانشراحِ الصَّدرَ، ، فالعبدُ كأنَّه في سجنٍ وضيق حتى يَدْخُلَ فيها، فيستريحُ بِها لا منها !
وكان صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَهُ أمرٌ وأهمَّه شيءٌ فَزِعَ إلى الصلاة.وكان يقول: " وجعلت قرةُ عيني في الصلاة "
فاللهم أعنا جميعا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .
اللهم واشرح صدورنا بالإيمان, وحبِّب إلينا القرآن , واجعلنا في سعادة وهناء, وفي أعلي الجِنان,
أقول هذا القول وأستغفرُ اللهَ لي ولكم , ولسائر أهلِ والتُّقى والإيمان, فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه غفورٌ رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وفَّق من شاء لعبادتِه، نحمده سبحانه ونشكره على تيسيرِ طاعتِه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعدَ المؤمنين بلوغِ جنّتِه، وحذَّر العُصاةَ أليمَ عقوبتِه، ونشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، إماماً في دعوتِه، وقدوة في منهجه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته، صلاةً دائمة حتى نبلغ دار كرامتِه , ومن اهتدى بهديه واستنَّ بسنَّته . أما بعد:
فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى في السِّر والعلن. ثم اعلموا أنَّ العلم الشرعي مفتاحُ السعادة والفلاح والهناء، في الصّحيحين عن أنسِ بن مالك رضي الله عنهما قال: جاءَ رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ الله، متى الساعة؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " ما أعددتَ لها؟" فكأنّ الرجلَ استكانَ وانتظر، ثمّ قال: يا رسولَ الله، ما أعددتُ لها مِن كثيرِ صلاةٍ ولا صَوم ولا صدَقة، ولكنّي أحبُّ اللهَ ورسولَه، فقال صلى الله عليه وسلم: " فأنتَ مَع من أَحببت" ، قال أنس: فما فرِحنا بعدَ الإسلام فرحًا أشدَّ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " فأنتَ مع من أحببتَ" فأنا أحبُّ اللهَ ورسولَه وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكونَ معهم وإن لم أعمل بأعمالهم.
بمثلِ هذه المحبةِ يحصلُ الأنس والسعادة ُوالاقتداءُ ,
يا مؤمنون ومن أهمِّ أسباب الحياة الطيبة دوامُ ذكر الله تعالى ، فالذكر طمأنينة للقلب، وأمانٌ للنفس، وحفظٌ لها من الشرور. والقلبُ الممتلئ بذكر الله قلبٌ قويٌّ، لأنه يستشعر دائماً معيةَ الله ونصرتَه، فهو سبحانه القائل في الحديث القدسي: ((أنا مع عبدي ما ذكرني وتحرّكت بي شفتاه)) وربّنا جلّ وعلا يقول: (فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُم)
وأعظم الذِّكر ملازمة الاستغفار فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم يقولُ : ( وَاللهِ إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأتُوبُ إلَيْهِ فِي اليَومِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) ويقول : (( مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً ، وَرَزَقهُ مِنْ حَيثُ لاَ يَحْتَسِبُ ))
عباد الله سرُّ الحياةِ الطَّيبةِ الهانئةِ القناعةُ بالرزق والرضا بما قَسَمَ اللهُ لك، يُجلّي هذا المعنى حديثُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سربِهِ ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ،فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا )، فالتطلّع لما في أيدي الناس يُورثُك همًّا ينغّصُ عيشَك، وغمًّا يكدِّر عليكَ حياتَك. ( فانْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛ فَهُوَ أجْدَرُ أنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ).
فمهما قلَّ مالُك وساءت حالُك فأنت أحسنُ من آلاف البشر ممن لا يقلِّون عنك فهماً وعلماً وحسباً ونسباً. فيا مؤمن أدم التأمُّل والتفكر في برِّ الله جلَّ وعلا عليك وإحسانِه إليك, وتعرَّف على آلائه ونعَمِه الظاهرةِ والباطِنة عليك, فإنِّها داعيةٌ إلى محبَّتِه والأنس به (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) فيا من تشتكي الهمومَ والأحزان , يا من تريدُ السُّرورَ والحبورَ ( فِرُّوا إِلَى اللَّهِ ) لا منجا ولا ملجأ من الله إلا إليه , إذا أظلمت الدنيا في وجهك فِرَّ إلى الله تعالى, إذا تعاظمت المشكلات والصعوبات فِرَّ إلى الله إذا ضاق صدرك وقسا قلبك فِرَّ إلى الله تعالى تجدوا عند الله كلَّ ما يملأُ قلوبَكم ونفوسَكم أنسا وسعادة, وهناءً وسروراً ، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ () قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )
فاللهم اجعل القرآن العظيم ربيعَ قلوبنا , ونور صدورِنا وجلاء أحزانِنا وهمومِنا .
اللهم إنا نعوذ بك من الهمِّ والحزن, ونعوذ بك من العجز والكسل , ونعوذ بك من الجبن والبخل , ونعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلحْ لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر . اللهم اهدنا لما تحب وترضى و زيِّنا بزينة الإيمان و التقوى .
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
بواسطة : admincp
 0  0  25.9K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 11:31 صباحًا الأربعاء 2 جمادي الثاني 1446 / 4 ديسمبر 2024.