خطبة الجمعة 06-07-1431هـ بعنوان توجيهات للاختبارات وتأملات في كأس العالم
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليمُ الشكور، ونشهد أنَّ محمداً عبد الله ورسوله الشافعُ المُشَفَّعُ يومَ الجزاء و النُّشُور ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ما تعاقب ليلٌ ونَهارٌ أما بعد:
فيا مؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل في علاه فبها تحصل السعادة ويتحقق الفلاح والفوزُ والنجاة.
أيُّها الكرامُ: مما قيل من الأمثال: يوم الامتحان يُكرمُ المرءُ أو يُهان، ومن جدَّ وجد ومن زرع حصد, ومناسبة الاختبارات تتكرر كلَّ عام ،والحصيفُ العاقلُ يستلهِمُ من المناسبةِ الدروسَ والعبر ، وها هنا بعض الوقفات بهذه المناسبة. فأيامُ الاختبارات تكشف لنا المواهبَ والقُدُراتِ التي نمتلكها ولكنَّنا مع الأسفِ لا نستثمرُها، فهي تعلِّمُنا أنَّ بإمكانِ أبنائِنا الصبرَ والجَلَدَ على العلم ساعاتٍ طويلةٍ. وأنَّ بإمكانِهم التَّحكُمَ في نومهم وتنظيمِ أوقاتِهم.
عباد الله: حين تأتي الاختباراتُ تُجتنبُ في الغالب الْمُنكراتُ وتُجافى المحرماتُ، ويلجأ بعضُ الطلاب إلى ربِّ الأرض والسماوات،ويُقبلُ عددٌ منهم إلى الذكر وقراءة القرآن والصلاةِ وهذه العودة دليلُ خيريةٍ وإيمانٍ في نفوس أولئك العائدين؛ لأنَّهم علِموا أنَّ اللهَ تعالى لا تُطلب خيراتُه، ولا تنُال بركاته إلا بطاعته والتزام أوامره،
فيا معشر الشباب : حريٌّ بكم ألا تقتصرَ عودتُكم على أيام اختباراتِكم؛ بعدما ذُقتم حلاوة الإيمان ، وإيَّاي وإيَّاكم أن تشبَّهوا بمشركي أوَّلِ الزمان الذين قال الله عنهم في محكم القرآن: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)
معاشر الشباب : عليكم بالاستعانة بالله والتَّوكُّلِ عليه، وسألوه التوفيق والنجاح ، ولتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)
معاشر الطلاب احرصوا على تنظيم أوقات المذاكرة, واحذروا السَّهر, فبعضكم يسهر طويلاً ويظنُّ ذلك خيرا له وهذا خطأ كبير، فالسهر يُرهق الجسمَ والعقلَ ، ويهدمُ أكثر مما يبني ، فلنفسِكَ عليك حقَّا. والله تعالى يقول (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا )
أخي الطالب: حذارِ حذار من الغشِّ، بأيِّ حال من الأحوال , فهو حيلةُ العاجز وأسلوب الكسلان, والوقْت الَّذي تضيِّعه في التفكير والتَّحضير للغش اصْرِفه في المذاكرة الجادَّة؛ واعلم أنَّ الأمر عظيم ؛ لأنَّك تتربَّى على الغشِّ، وترتزِقُ من الغشٍّ , فستعيشُ في المجتمع خائنًا غشَّاشًا، وكم من شخصٍ الآن يعيشُ في ضيقٍ ونكدٍ ، بعدما كَبُرَ سِنُّه واستيْقَظ ضميرُه وتحرَّك إيمانه ، يستفتي عن حُكْم المال الَّذي يأخذُه هل هو حلال أم حرام ؟ وهل يبقى في وظيفته أم يتْرُكها ؟ فيا أخي جنِّب نفسك هذا الشَّقاءُ والعناءُ , وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال: (من غشَّنا فليس منا)
معاشر الطلاب اجعلوا بدايتكم ذكراً وتسبيحاً وارتباطاً بالله جلَّ في علاه، فالله تعالى يقول: [الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ]
وخذوا بدعاء رسولِ الله صلى الله عليه وسلم,): يَا حَيُّ يَا قَيُّوم ُبِرَحْمَتِك أَسْتَغِيث أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلّه وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَة عَيْن (
احذروا معاشر الطلاَّب من التجمْهر في الشَّوارع، وعند المحلاَّت، ومن تصرُّفاتٍ تُزْعِج أهلَ الحيِّ والمارَّة، واعلموا أنَّ بعض مَن يُمارسُ هذا فقد يكونُ لديه مقاصدُ منحرفةٌ وسلوكياتٌ خبيثة !
دببتُ للمجدِ والسـاعونَ قد بَلَغُوا * جُهـد النُّفوسِ وألقـوا دونه الأُزرا
وكـابدوا المجد حتى مـلَّ أكثرُهم * وعـانق المَجـدَ من أوفى ومن صَبَرا
لا تحسبنَّ المجـد تَمرًا أنـت آكلَه * لن تبلغ المَجـدَ حتَّى تعلـق الصَّبِِرا
نسأل الله لكم التوفيق والسَّداد, والهداية والرشاد,
معاشر المعلمين الأفاضل : يا من بذلتم واجتهدتم شكر الله سعيكم وجزاكم اللهُ خير الجزاء وأوفاه ,فالله الله بأبناء المسلمين أخلصوا لهم النُّصح واعدلِوا بينهم , وأعطوا كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. فأنتم بذلك حريون وله بعد توفيق الله فاعلون وتذكروا قولَ الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا )
ولتتذكَّر أنَّ الله امتدح الله العادلين أمثالَكم، فقد قال: رسولُ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم (إنَّ المقْسِطين عند الله على منابر من نور عن يَمين الرَّحْمن عزَّ وجلَّ وكِلْتا يديْه يَمين،الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا )
وأما وقفتنا الأخيرةُ فلكم معاشر الأولياء ( فكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته ) فاحفظوا أولادكم وحافظوا عليهم و تابعوهم بأنفسكم لئلا يكونوا سبباً في أذية عبادِ الله أولا سمح اللهُ فريسةً لأهل الشر والمكر الفساد . نسأل المولى لأنبائِنا وأبناءِ المسلمين التوفيقَ والنجاحَ والسدادَ, والهدايةَ والرشادَ أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين، فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، جعل كتابَه إلى كلِّ خير هاديًا، ومن كلِّ داءٍ شافيًا، وعمَّا سواه كافيًا، أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، قامَ بالحقِّ داعيًا، وللتوحيد حاميًا، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا متواليًا.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله وتذكروا نعم الله علينا ومن جملة هذه النِّعم: نعمةُ الصحة والفراغ فقد قَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ". ألا وإنّ قضيّةَ إشغالَ الفراغِ باللّهو واللّعب لهيَ قضيَّةٌ واقعيّةٌ ، لا يمكن تجاهلُها لدى مُجتمعنا، بل يشتدُّ الأمر ويزداد عند وجودِ مُوجبات الفراغ كالعُطَلِ الصيفيةِ, أو البدء بملهاةٍ كُبرَى، بما يسمى كأسُ العالمِ لكرةِ القدمِ ! ويا لله العجب !! لقد بدأت أحداثُ مباريات كأس العالم مُنذُ أسبوع !! وهذا الحدثُ يُشغلُ العالم كلَّه ؛ وتُصدَّرُ به الصحفُ والإذاعاتُ ! فالكثيرونَ يتابعون ويشجعون ويحلِّلُونَ !
أتدرون أيُّها الكرام ما الأزمة التي تواجه شبابَنا اليوم , إنِّها أزمةُ القدوات لقد استطاع الإعلامُ مع الأسف الشَّديد أن يُبرز لنا أبطالا مُفتعلين ! ذلك لأنَّ القدواتِ الْحَقِيقِيِّنَ غابوا تحت سياسة التَّعتيمِ والتَّجهيلِ والتَّدجِينِ ,
فأيُّها الكرام: قولوا لي بالله ربكم منهم قدواتُ بعضُ شبابنا هذه الأيام ؟ وإلى من ينظرون بعين التقدير والاحترام ؟ أليسوا هم اللاعبونَ والفنانون إلا من رحم ربي , وأسأل سؤلاً آخرَ ما موقف بعضُ شبابنا من مباريات كأس العالم هذه الأيام ألم تأخذ عقولَهم وأوقاتَهم؟ بل مع الأسف الشديد ليس الشبابُ فحسب بل حتى من بعض عقلائنا وصالحي قومنا ! ورحم الله الإمام المسدَّد ابنُ القيِّمِ حين تكلَّم عن بعض الألعاب والْمُلهيات أوضح لنا أن ضررها لا يقتصر على تلك الألعاب فحسب بل يتعدَّى إلى غيرها يقول ( وإذا تأملتَ أحوال هذه الْمُغالباتِ ـ يعني أنواعَ الألعاب ـ رأيتَها في ذلك كالخمر قليلُها يدعوا إلى كثيرها! وكثيرُها يصُدُّ عمَّا يحبُّه اللهُ ورسولُه ويوقعُ فيما يبغضه اللهُ ورسولهُ فلو لم يكن في تحريمها نصٌ لكانت أصولُ الشريعةِ وقواعدُها وما اشتملت عليه من الحِكَمِ والمصالح توجبُ تحريمَ ذلك والنَّهي عنه )
فيا كرام : تأملوا كلام ابنَ القيِّم وطبقوه واقعيا على المفاسد المترتبة على منافسات كأس العالم اليوم ستجدون تطابقا بيِّنا , ألم تُخلِّف كثرةُ المشاهدات لهذه المباريات تعلُّقا وإعجابا وحبَّا بالكفرة من اليهود والنصارى ؟ فلا تنسوا أنَّ ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه )
فصورُ وأسماءُ لاعبي الأندية الأوروبية تنتشرُ في بلادنا ، وعلى جدران وسيارات شبابنا ، فأين هذا من قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: ( أوثقُ عُرى الإيمانِ الحبُّ في الله والبغضُ في الله ) ؟ ألم تكن المبارياتُ سبباً لتضليل الناس وإشغالهم عن قضاياهم وأقصاهم ؟ فبينما العالمُ مشغول بالمتابعات والتَّحليلات والتَّشجيع نسوا سياسةَ الحصار والتَّجويعِ والتَّقتيلِ في فلسطينَ و العراقَ وأفغانستانَ ولسانُ حالهم ( أنَّهم في سكرتهم يعمهون ) فبينما نحن على هذه الحال يهودُ إسرائيلَ هذه الأيامُ تفتكُ في غزة وتقطِّع عنها الإمداداتِ والمساعدات الإنسانية وتتحدى أساطيلَ السَّلام والحرية ! ونحن في غفلة ساهون وعن دعاء ربِّنا لهم غافلون .! وعن دعمهم متخاذلون ! إخوتي : ألم توقع تلك المبارياتُ كثيرا من العداوات والْمُشاحنات بين الأفراد والشعوب والحكومات ؟ أنسينا ما حدث قبل أشهر قليلةٍ بين دولتين عربيَّتين مسلمتين بسبب التأهل لكأس العالم المزعوم ؟!
عباد الله : ألم تُبذَّر كثيرٌ من الأموال على تلك المباريات والمشاهدات وتُشترى من أجلها البطاقات والاشتراكات بأغلى الأثمان ؟ ألم تكن سببا لِتَجمُّعِ شبابنا في المقاهي والمطاعم والاستراحات؟ مما جرَّت على دينهم خسارا ووبالا؟ والله لقد أفسدت كثيرا من الأخلاق وصارت بعضُ الألسُنِ بذيئةً من السِّباب واللعان والفحشِ والبذاءِ المصاحب لتك المشاهدات ! فيا أيُّها المؤمنون إننا لم نخلق سدى ولن نترك هملا (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) فيا شبابنا: إننا بحاجة إليكم، وإلى بذلكم وتضحياتكم، فدينكم يناديكم و بلادكم تناديكم: هَلُمُّوا أصلحوا أنفسكم ، ونَمُّوا بلادَكم , واستثمروا أوقاتَكم ، ولا تُهدروا أعمارَكم؛ فإنكم أمامَ الله مسئولون (عَنْ شَبَابِكم فِيمَا أَبليتموه ، وَعَنْ أعمارِكم فِيمَا أَفْنَيتموهُا ). فاللهم أيقظنا جميعا من رقدات الغفلة , اللهم ردنا إليك ردا جميلا
اللهم أصلح أحوالنا وسدد أعمالنا ووفقنا لما تحب وترضى اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين ووفقهم لما تحب وترضى , اللهم خذ بنواصيهم للبر والتقوى .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين .رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون
0
0
2.8K
05-24-1433 01:14 صباحًا