خطبة الجمعة 21-06-1431هـ بعنوان فك الحصار عن غزَّة
الحمد لله الذي أعزَّنا بالإسلام ورضيَه لنا دينا, وهدانا إليه صراطا مستقيما , جعل قوَّتنا في إيماننا والتمكينَ لنا في صدق تمسّكنا بديننا, نشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الوليُّ الحميدُ , يحكمُ ما يشاء ويفعلُ ما يريد , ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُه ,إمامُ المتقين وقائدُ الغُرِّ المُحجَّلينَ ورافعُ لواء الحقِّ والجهادِ والدِّينِ , صلى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابِِه الميامين الذين آمنوا به وعزَّروه ونصرُوه واتَّبعوا النُّورَ الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون, ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
عباد الله : تمرُّ أمتُنا الإسلاميةُ في هذا الزَّمن بساعاتٍ عصيبةٍ، ونوازلَ شديدةٍ، ونكَباتٍ متلاحقةٍ. لقد تغيَّر حالُها ، وتبدَّل واقِعُها، فغَدَت أمةُ الأمجادِ فِرقاً مُبعثرةً ، وأُمَمَاً متناحرةً , فلا تكادُ تخرج من نكبةٍ إلا وتُصعَق بأخرى، وما أعظمُ من اغتصابِ الأرضي وسلبِ الحقوق , وإراقةِ الدِّماء في العراقِ وأفغانستانَ وفلسطينَ، إلا أكبرُ شاهدٍ وأبرزُ عنوان. ومع هذا وذاك فقد كَتَبَ اللهُ لأمَّةِ محمدٍ أن تكونَ أمَّةَ الجسد الواحد, إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسَّهر والحمى, وأنَّهم كالبنيان يشدُّ بعضُهم بعضا, ولقد تجلَّى هذا المفهومُ هذه الأيامِ حيث أصبحت قضيةُ فلسطينَ شُغلَنا الشاغلَ وحديثَ مجالِسنا ! فقد بِتنا نتابعُ أخبارَ قافلةِ الحريَّةِ وأحداثِها ونفكِّرُ كيفُ نساهمُ في حلِّ أزمتها! وهذا لعمرُ الله مكسبٌ من مكاسب المِحن والأزمات أن يعيش المؤمنُ همَّ إخوانِه في العقيدة والدِّين, خاصةً وأنَّ القافلة انطلقت من بلادٍ إسلاميةٍ غيرِ عربيةٍ ! وحشدت معها دولاً أجنبيةً! دفعتهم الغيرةُ الإنسانيةُ !
وساقتهم حميةُ الرحمةِ والشفقةِ الغريزيةِ , فحشدوا أُسطولاً بحريَّا متكاملا مملوءا بعشرة الآف طنٍّ , طعاما وكساءً , ومؤنا ودواءً ,
نعم يا مؤمنون انطلقوا من تركيا أرضِ الخلافةِ العثمانية الإسلامية سابقا , انطلقوا نحوَ غزَّةَ الجريحة َ, غزَّةَ المحاصرة ! غزَّةَ التي شنُّوا عليها الغارات, واستهدفوا فيها القيادات , غزَّةَ التي أوثقوا عليها الحصار وقطَّعوا عنها كافة الإمدادات فلا دخول ولا خروج ,
إنَّهم يُحاصرونَ مليوناً ونصفَ المليونِ مسلمٍ في أرضٍ صغيرة مكتظَّةٍ بالسُّكان أكثرَ من ألفِ يومٍ وليلةٍ ؟ نعم لقد حاصروهم بجدار عازل ,وأغلقوا عنهم جميع المعابر , حتى صاروا في ظلام دامسٍ لا كهرباء ! لا دواء ! لا أمن ولا استقرار ! والله إنَّ اللسان ليعجز عن البيان ,وإنَّ القلم ليقفُ حائرا ,والقلبُ يرجُفُ فَرَقَا عن تصوِّر الهول والفاجعة ! ولكن ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) ألا وإنَّ الاعتداءَ السافرَ الذي قامت به أمَّةُ الغضب واللعنة على الأسطول البحريِّ المسالمَ! جريمةٌ كبرى وتحدٍّ عَلَني, لكلِّ الأعرافِ والمواثيقِ الدولية, لذا قوبل جرمُهم بالشَّجبِ, والاستنكار, والتَّهديدِ والوعيد , إلا أنَّ أمَّهُمُ الرءومُ , وقلبَهُمُ النابضُ , ينتظرونَ نتائجَ التَّحرياتِ والتَّحقيقات ! فانتظري يا أمريكا إنَّ البعضَ معكم ينتظرون ! (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )
عباد الله: لقد أبرز الاعتداءُ اليهوديُّ السافرُ على الأسطول البحريِّ الْمُسالمَ , ثباتَ المسلمينَ على مبادئِهم وزادهم قوةً وتمسُّكا بدينهم , لقد أبرز الاعتداءُ اليهوديُّ أنَّ صراعنا مع اليهود والنصارى صراعٌ دينيٌّ عقديٌّ كما قال المولى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) لقد علَّمتنا الأحداثُ أنَّ كلَّ بلاءٍ وشرٍّ , سببُه يهودُ إسرائيل , ومن أمامِهم ومن بين أيديهم ومن خلفهم أمريكا! خائنةُ السَّلام والإسلام, وراعيةُ مجالسِ الخوفِ والدَّمار، فهم يحرِّكون الفتنَ بأصابِِعِهِمُ الدنيئةِ، ونفوسِهِمُ الحقيرةِ، ونواياهم الخبيثةِ، كما قال تعالى عنهم : كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ إي والله لقد تجاوز الاستكبارُ اليهوديُّ حدودَه، وبلغتِ الغطرسةُ الأمريكيةُ مداها، فأُولِعوا بالدِّماءِ الطاهرةِ البريئةِ وسفحِها وسفكِها دون اعتبارٍ لأيِّ قيمةٍ إنسانيةٍ ، ولا مواثيق دوليَّةٍ ,
لقد ضربَ لنا الشعبُ الفلسطينيُ المسلمُ أروعَ الأمثلةِ والبُطولاتِ، فمعَ دماءِ الشهداءِ , ومئاتِ الأسرى , ومع الحصار الشامل للمدن والقرى, والآن تختلطُ الدِّماءُ بالماء , ويحاصرُ رفقاءُ السَّلام , مع هذا كلِّه يؤكِّد الشعبُ الفلسطينيُ أنَّه لا استسلامَ ولا ذُلَّ ولا هوان، وأنَّ الجهاد ماضٍ حتى النصرَ قال تعالى: لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِمْ مّنَ ٱللَّهِ . فما نسمعه ونراه اليومَ فصلٌ من جهادٍ عظيم وصبرٍ طويل ,والأمةُ التي تُحسنُ صناعةَ َالموتِ الشريف , يَهَبُ اللهُ لها حياةَ عزيزةً في الدُّنيا ونعيماً خالدا في الآخرة. فيا حماةَ الأقصى، اصبروا وصابروا ورابطوا، فإنَّ نصر الله قريب، فكلَّما اشتدَّ الظلام قرُبَ بزوغُ الفجر، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيِّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه إنِّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله من تمسَّك بشرعِه كفاه، لا يَذِلُّ من والاه, ولا يعِزُّ من عصاه ، نشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له لا ربَّ لنا سواه ، ونشهدُ أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبدُ الله ورسولُه اجتباه ربُّه واصطفاه، صلى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصاحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فإنَّ التقوى تفرِّجُ الكُرباتِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ
أيُّها المسلمون: للمسجد الأقصى شأن عظيمٌ, وسورةٌ تتلى, قالَ سُبحانه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
المسجِدُ الأقصى هو ثاني مسجِدٍ بُنِيَ في الأرض، سُئل رسولُ الله أيُّ مسجِدٍ وضِع في الأرض أوَّل؟ قال: ((المسجدُ الحرام))، قيل: ثمّ أيٌّ؟ قال: ((المسجدُ الأقصى))، قيل: كم كان بينهما؟ قال: ((أربعونَ سَنةً ً، ثمّ أينما أدرَكتكَ الصلاةُ بعدُ فصلِّهِ فإنّ الفضلَ فيه))
أيُّها المؤمنون : شأنُ القدسِِ شأنُ المسلمين كُلِّهمم , فلِكلِّ مسلمٍ حقٌّ في الأرضِ المباركة، يقابِلُه واجِبُ النُّصرةِ بكلِّ صوَرِه وأشكاله ,
وإنَّ كثرةَ الاعتداءاتِ السافرةِ على فلسطينَ وأهلِها وأنصارِها , بدايةُ نصر قريبٍ بإذنِ الله , وتحقيقٌ للنصر الموعود على لسان الصادق المصدوق فعن أبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسْلِمُونَ اليَهُودَ ، حَتَّى يَخْتَبِئَ اليَهُودِيُّ مِنْ وَرَاء الحَجَرِ وَالشَّجَرِ . فَيَقُولُ الحَجَرُ وَالشَّجَرُ:يَا مُسْلِمُ هذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي تَعَالَ فَاقْتُلْهُ ؛ إلاَّ الغَرْقَدَ فإنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليَهُودِ )) فالقرصنةُ اليهوديةُ على أسطولِ فكِّ الحصار والحرية عن غزَّةَ مع أنَّه مؤلمٌ وموجعٌ للدول العربية والإسلامية إلا أنَّنا نأمل أنْ يكونَ فيه خيرا كثيرا
لأنَّ الله يقول: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) فمن يدري لعلَّ ذلك الحدثَ يُحرِّكُ ضميرَ العالم كلِّه ! حين يرى إنسانا مظلوماً مُحاصرا؟ لعلَّ ذلك الحدثَ يُوقظُ ضميرَ كبارِ السَّاسةِ وقادةِ دولٍ يدَّعون التسامحَ ,وينادون بالسَّلام, ويسعون إلى التَّطبيعِ والتَّرقيع فيُدركوا قولَ اللهِ: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)
مَنْ يدري؟ لعلَّ حادثَ القرصنة يكونُ دافعا للشَّهامةِ العربية ,والغيرة الإسلامية فَيُقطِّعُوا مع إسرائيلَ العلاقات, ويُلغوا السفارات, ويكُفُّوا الأيدي عن مهانات الاستسلام, لعلَّ هذا الحدثَ يجمعُ الكلمةَ ويوحِّدُ الصفَّ فقد استبشرنا باجتماع الوزراء العرب حين أعلنوا وجوبَ فكِّ الحصار عن غزَّة بشتى الوسائل والطرق
فلعلَّهم يُدركوا أنَّ الذي يتعاملُ مع القرآن فلن يَضلَّ أبدًا فيتنبَّهوا لقول اللهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
اعلموا يا مؤمنون :أنَّ النصرَ قادمٌ لا محالة َ, بكم أو بغيركم, وأنَّ الحقَّ سيعلو على أيديكم أو غيرِكم , وأنَّ الباطل سيزهقُ بجهودكم أو بغيركم .
والمسلمُ الحقُّ يكونُ لبنةً في طريق النَّصر وسهمًا من سهامِ الحقِّ وأداةً لإزهاق الباطل.
فيا كرام تبرعوا لإخوانكم المستضعفينَ والمنكوبينَ فهذا أقلُّ واجبِ النُّصرةِ والأخوةِ, ثمَّ اعلموا أنَّ قادةَ بلادِنا وفـَّقهم الله ُ وتجارَها وأخيارَها أمثالُكم لازالوا يُبادرون بمدِّ يدِ العون والمساعدةِ فمن أرضنا المباركةِ , تخرجُ الإعاناتُ والمساعداتُ عبر الهيئاتِ الإغاثيةِ والندوةِ العالمية والجمعياتِ الرسمية . فلما التخوُّفُ والركونُ إلى الأوهامِ والظنونِ ؟! فيا مؤمنون هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ
فاتقوا الله عباد الله، وانتصروا لدِينكُم ومقدَّساتِكم، وأنفقوا خيرا لأنفسِكم، ومن يوق شُحَّ نفسِه فأولئك هم المفلحون.
أيها الكرامُ: ومن أوجه الإنفاق والإحسانِ ما تقومُ به جمعيةُ الأمير فهدِ بنِ سلمانَ من رعاية مرضى الفشل الكلوي , فلها نشاطٌ ملموسٌ ,وجهدٌ مباركٌ وفقهم الله لكل خير ,
فاللهم يا كاشفَ الهمِّ ويا منفِّسَ الكرب، ويا رافع الضُّر، يا رحمنَ الدنيا والآخرة ورحيمَهما، اكشف الضُّرَ عن إخواننا المستضعفين في كلِّ مكان ،
اللهم ارحم ضعفَهم واجبر كسرَهم وتولَّ أمرهم واحفظهم واحقن دماءَهم يا ربَّ العالمين.
اللّهمّ إنّا نسألك أن تؤلِّفَ بين قلوب إخواننا المسلمين في كلِّ مكان ،
اللّهمّ اجمع كلمتَهم على الحقِّ والهدى والدين ،
اللّهمّ قوِّ شوكتَهم،وسدِّد رأيَهم ، وثبّت أقدامَهم وانصرهم على عدوِّهم يا ربّ العالمين.
اللّهمّ انصر دينَك وكتابَك وسنّةَ نبيّك وعبادَك المؤمنين،
اللّهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّرك والمشركين، ودمّر أعداءَك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى ياربَّ العالمين. عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
0
0
2.7K
05-24-1433 01:11 صباحًا