• ×

11:34 مساءً , الخميس 19 جمادي الأول 1446 / 21 نوفمبر 2024

رسالة المسجد

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 

 

الحمدُ لله عزَّ ربَّا وخالقًا، وجلَّ إلهًا ومالكًا، كتبَ السعادةَ لمن حَرِصَ على دعوتِه وطاعتِه، وجعل العزَّة لمن خضعَ لسلطانِه وعظمتِه، نشهدُ أن لا إله إلا الله ُوحده لا شريك له، ذلَّت له الرِّقابُ ، ولانت له الصِّعابُ (أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ونشهد أنَّ نبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، خير من دعا إلى ربِّه وأجاب، سلكَ طريقَ الحقِّ فأصاب ، صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى جميع الآل والأصحاب (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم المآب.

أما بعد: فيأيها النَّاسُ: اتقوا الله تعالى واعرفوا ما للمساجدِ من مكانةٍ عاليةٍ, وحُرمة عظيمةٍ فهي بيوتُ الله، رُفِعَت قواعِدُها على اسمه وحدَه ، فيها يُعبَد ويوحَّد، ويعظَّم ويُمجَّدُ، ويركَعُ له ويُسجَد هي مَهبِطُ رحمته ,وملتقى ملائكتـِه والصالحينَ من عباده، نعم يا مؤمنون إنِّه المسجد ُ: تلك البقعةُ المباركُة ، والأرضُ الطَّهور، نتحدَّثُ عن المساجدِ حين نسيَ كثيرٌ من إخواننا تأريخَ مسجدِهم ، ودورَ مسجدهم ، أيُّها المسلمون: حقٌ على الأمَّةِ الاعتناءُ بمساجدِها لأنَّها مظهرُ فلاحِها وعزِّها. فلنعتني بها أكثرَ من بُيُوتِنا ومنشئاتِنا واستراحاتِنا، فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: أمَرَ رسولُ الله ببناء المساجِدِ في الدور ـ يعني: في القبائل ـ وأن تُنَظَّف وتُطَيَّب..ولنحرص على المطالبة بالمساجدِ في كلِّ مكانٍ تدعو الحاجةُ إلى وجودِها فيه ، كطُرقِ المسافرين ومحطات الوُقُوفِ , وأماكنِ النُّزهةِ والاصطيافِ.

عباد الله: ولِعظيمِ فضلِ المساجدِ وشريفِ مكانتِها شُرِع لقاصدِها من الآدابِ والسُّنَنِ والأحكامِ ما يحسُن التَّذكير به؛ رعايةً لحرمتِها وتذكيرًا بحقِّها. فخذ أيُّها المسلمُ بعضَ أحكامِ المساجد وآدابَها ,وتعرَّفْ على ما يجبُ لها وما يحرمُ فيها , وما يُؤتى فيها وما يُترك.

أيّها المسلمون، يُستَحَبُّ لقاصِدِ المسجد أن يتجمَّل لصلاتِه بما يستطيعُ من ثيابِه وطيبِه وسِواكه، قال جلَّ في علاه: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ، وعن ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله : "إذا صلَّى أحدُكم فلْيلبَس ثَوبَيه، فإنَّ اللهَ أحقُّ مَن يُتزيَّنُ له".وعلى قاصدِ المسجدِ للصلاةِ اجتنابُ الروائحِ الكريهةِ في ملبسِه ومأكله وجسمهِ، فلا يؤذِي إخوانَه المصلين بنَتَنِ الرائِحَةِ، "فمَن أكَلَ البصلَ أو الثومَ أو الكرَّاثَ فلا يقربنَّ مسجدَنا ؛ فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم" فأكرِم بعبدٍ يأتي بيوتَ الله مُتطهِّرًا مُتنظِّفًا، تفوحُ رائحتُه طيبًا و عُودًا.

والماشي للمسجد يخرج إليها بسكينةٍ ووقارٍ، ويقول ما وردَ، ولا يشبِّكُ بينَ أصابِعِه، وإنْ سمعَ الإقامةَ لم يسرع إليها فقد قال: رسول الله : "إذا سمعتمُ الإقامةَ فامشوا إلى الصلاةِ وعليكم بالسكينةِ والوقارِ، ولا تُسرِعوا، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتَكم فأتِّموا" ومن أحكام المساجد تقديمُ الرِّجلِ اليمنى دخولا، ويصلي ويسلِّمُ على النبيِّ ، ويقول: اللّهمّ افتح لي أبوابَ رحمتك، وإذا خرَج قدَّم اليُسرى وصلى وسلَّم على النبيِّ وقال: اللّهمّ افتح لي أبواب فضلك.ولا يجلِسْ حتى يصّلِيَ ركعتينِ , قال رسولُ الله : "إذا دخلَ أحدُكم المسجدَ فليركع ركعتين قبل أن يجلِس" وإذا أقيمَت الصّلاةُ فيحرُم على المصلِّي أن يشرَعَ في نافلةٍ أو سنَّةٍ راتبةٍ ؛ لحديث أبي هريرةَ قال: قال رسول الله : "إذا أقِيمَتِ الصلاةُ فلا صلاةَ إلا المكتوبةَ" أيُّها المسلمون, المصلُّون في المسجدِ كلُّهم سواء، فمن سبَقَ إلى مكانٍ فهو أحقُّ به، وليس لأحدٍ أنْ يتحجَّر من المسجد شيئًا فيضَعُ حاجزاً قبل حضورِه، عباد الله ومن مميزاتِ الصلاةِ في المساجدِ صلاةُ الجماعةِ يقولُ عزَّ من قائلٍ (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ) وتَفْضُل الصلاةُ في المسجدِ على صلاة الفردِ في بيتِه وسوقِه بسبعٍ وعشرينَ درجةً، قال: رسولُ الله "صلاةُ الرجلِ في جماعةٍ تُضعَّف على صلاتِه في بيتِه وسوقِه خمسًا وعشرينَ ضِعفًا"، وفي الحديثِ الآخرِ قال رسولُ الله: "إذا توضأَ فأحسنَ الوُضُوءَ ثم خرجَ إلى المسجدِ لا يُخرجُه إلا الصلاةُ لم يَخْطُ خُطوةً إلا رُفعت له بِها درجةٌ، وحُط عنه بها خطيئةٌ، فإذا صلَّى لم تزلِ الملائكةُ تصلي عليه ما دام في مصلاه تقولُ: اللهم صلِّ عليه اللهم ارحمه".

عباد الله: ومن مميزاتِ الصلاةِ في المساجدِ زيادةُ الأجرِ في متابعة المؤذِّنِ وخيريةِ الصَّفِّ الأول. عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله قال: "لو يعلمُ الناسُ ما في النداء والصفِّ الأوَّلِ ثم لم يجدوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عليه لاستَهموا" وعن النُّعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله يقول: "إنَّ اللهَ وملائكَتَه يُصلُّونَ على الصفِّ الأوَّلِ".

وأمَّا تسويةُ الصُّفوفِ فلها أجرٌ عظيمٌ .ففي يومٍ من الأيامٍ خرجَ رسولُ الله على أصحابه في المسجد فوجد أنَّ الصفوفَ غيرَ مُستقيمةٍ فقال: "ألا تَصُفُّون كما تصفُّ الملائكةُ عند ربِها ؟" قالوا: يا رسولَ الله، وكيف تصفُّ الملائكةُ عند ربِها؟ قال: "يُتِمُّون الصفوفَ الأُوَلَ، ويَتَرَاصُّون في الصَّف" "ومن وصلَ صفًا وصلَه اللهُ، ومن قطعَ صفًا قطعه الله".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَىٰ ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ) جعلني الله وإيّاكم من الهداة المهتدين المتَّبعين لسنّة سيد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمينَ من كلّ ذنب وخطيئَة، فاستغفِروه إنه كان للأوّابين غفورًا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله لا خيرَ إلا مِنه، ولا فَضلَ إلا من لَدُنه،نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سميعٌ لراجِيه، قريبٌ ممن يناجيه، ونشهَد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبدُ الله ورسولُه، أتمُّ البرية خيرًا وفضلاً، وأطيبُهم فرعًا وأصلاً، وأَعلاهم منصِبًا وأجرًا، صلّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابه , ومن اهتدى بِهديهم واستنَّ بسنتهم .صلاةً وسلاماً تترى.

أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتّقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

أيّها المسلمون: ومن أحكام المساجد أنَّه يحرُمُ المرورُ بين يدَيِ المصلّين, فقد قال: رسول الله: "لو يعلم المارُّ بَين يديِ المصلّي ماذا عليه لكان أنْ يقفَ أربعين .خيرًا له مِنْ أنْ يَمُرَّ بين يديه"، قال الراوي: لا أدرِي قال: أربعين يومًا أو شهرًا أو سنةً.

وعلى قاصِد المسجد أن لاَ يؤذِيَ إخوانَه المصلّين بتخطِّي رقابِهم ومضايَقَتِهم ومزاحمَتِهم ومحاولةِ اقتحام الصُّفوفِ عليهم, فقد جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ"

عباد الله: ومن التشويشِ والإيذاء الذي عمَّ وطمَّ في كثير من مساجدِنا وقطَعَ عليهم خشوعَهم وسكونَهم ما يصدُر من أجهزةِ الجوَّال من مقاطعَ غنائِيَّةٍ ونغماتٍ موسيقيِّةٍ التي آذت المسلمين أيَّما إيذاءٍ، فعَلى كلِّ مسلم يخشى ربَّه أن لا يدنِّسَ بيوتَ الله التي بُنيَت للذكرِ والصلاة وقراءةِ القرآن بهذه النَّغَمات المحرَّمةِ والأجراس الشيطانيَّة، وعليه أن يسارعَ في محوِها والتخلُّصِ من شرِّها وإثمها. فكما قال: رسولُ الله "إنَّ هذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَقِراءةُ القُرْآنِ" فكيف بمن يؤذي المصلين بأنواعِ المقاطعِ والأجراس. واللهُ يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)

أيها الكرامُ: ويجب أن تُصانَ المساجدُ عن الأقوالِ الرذيلَةِ والأحاديثِ السيَّئةِ والأصواتِ المرتفعةِ، فلا مكانَ للغوغائيينَ والمشاغبينَ في المساجد، فنحن أمَّةُ النِّظامِ والهدوءِ والسَّكينةِ، ومن ابتلي بهذا الصِّنفِ من الناسِ فليكنْ هو العاقلُ التَّقيُّ الصابرُ, "فَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْر" فليس لأحدٍ أن يسيءَ الأدب في بيتِ الله عزَّ وجل، فبيتُ اللهِ مُحترم، له مكانةٌ رفيعةٌ وحصانةٌ شرعية.

أيّها المسلمون، وممّا تُصان عنه المساجد إنشادُ الضالة أو البيعُ والشراءُ، فقد قال: رسولُ الله "إذا رَأَيتم من يبيعُ أو يبتَاعُ في المسجد فقولوا: لا أربَحَ الله تجارتَك، وإذا رأيتم من ينشُد ضالّةً فقولوا: لا ردَّها الله عَليك".

وتأمَّل أخي إلى روعةِ الإسلام وجمالِه وكمالِه فقد جعل المساجدَ أماكنَ لتربيةِ النُّفوسِ وتَهذِيبِها، فإذا ما عصت هذه النفوسُ، فإنَّ علاجَها وتأديبَها يكونُ خارجَ المسجد. حمايةً وتعظيما لبيوت الله تعالى, عن حكيمِ بن حزامٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقامُ الحدودُ في المساجدِ ولا يستقادُ فيها".

أيُّها المؤمنون هذه هي بيوت الله وأنتم عُمَّارُها فتعاونوا جميعا ليؤديَ المسجدُ رسالتَه ودورَهُ وقوموا بحقِّ رعايتِه وصيانتِه ونظافتِه "فكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته" حَقُّ المساجدِ يا كرامُ أنْ تنظَّفَ وتطيَّبَ لا أن تكونَ فيها القاذوراتُ والأوساخُ الحسيَّةُ والمعنويةُ. قال: رسولُ الله "البصاقُ في المسجد خطيئةٌ وكفارتُها دفنُها".

أيّها المسلمون، شُرِعت الجماعةُ في المساجدِ لمقاصِدَ عُظمى، للتعارفِ والتآلفِ, والتعاوُنِ والتكاتُفِ، فتصافَحوا ليذهَبَ الغِلُّ، وتَسَامحوا لتذَهبَ الشحناءُ، وطهِّروا قلوبَكم مِن الأحقاد والضغَائِن، واستبدلوا القطيعةَ والجفاءَ بالصِّلة والمحبةِ والصَّفاءِ، وكونوا عباد الله إخوانًا. وصلّوا وسلِّموا على خيرِ البريّة وأزكى البشريّة، فقد أمركم اللهُ بذلِك فقال قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) فاللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين. اللهم طهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد يارب العالمين. اللهم اجعلنا إخوة متحابين على الخير متعاونين . اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).

اللهم ثبتنا على دينك وصراطك المستقيم ،اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا و ولاة أمورنا، اللهم خذ بنواصيهم للبر والتقوى ومن العمل ما ترضى.ياربَّ العالمين

عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العليَّ العظيمَ يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 0  0  14.2K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 11:34 مساءً الخميس 19 جمادي الأول 1446 / 21 نوفمبر 2024.