• ×

04:21 مساءً , الأحد 22 جمادي الأول 1446 / 24 نوفمبر 2024

خطبة الجمعة 10-04-1431هـ بعنوان آداب القيادة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله الذي تفضَّل علينا بالجود والإحسان, نشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريمُ المنان, ونشهدُ أنَّ محمدا عبد الله ورسولُه بعثه الله رحمة وأمانا للإنس والجان , صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى جميع الآل والصَّحب الأعوان ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل , أما بعد
فاتقوا الله عباد الله واشكروه على ما هيئ لكم من المراكبِ الفارهة المريحة , والنِّعم الوفيرة, وصدق الله تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((مِن سعادة المرء المسكنُ الواسع والجارُ الصالح والمركبُ الهنيء))
فيا أيُّها الكرام هل كان الآباءُ والأجداد يظنون أن تكونَ السياراتُ بتلك الأشكال والمواصفات والسرعات؟ ومع ذلك فقد أضحتِ السياراتُ في كثيرٍ من الأحيان وبالا ودمارا على كثيرٍٍٍٍ من الأسر والبيوت , فلا تكاد تُمضي يوما إلا وتسمع أو تقرأ عن أخبارٍ مفجعةٍ وحوادثَ مؤلمةٍ جراءَ حوادِثِ السيارات ,
إننا يا كرام أمامَ حربٍ شرسةٍ مع هذه السيارات، وتعدُّ بلادُنا مع الأسف الشديد من أكثر دول العالم في حصدا للأرواح بسبب حوادث السيارات، فكيف يُتخيَّلُ أن يموتَ عندنا في العام الماضي فقط أكثرُ ستةِ آلاف وخمسُمِائةِ إنسانٍ في بلادنا كلُّهم بسبب حوادث السيارات؟! وثلثُ أسرَّةِ المستشفيات يرقدُ عليها ضحايا حوادثِ السيارات فيا لَهول المصيبةِ وضخامتها، ولو أقسمتُ لم أ حنثً أنَّه ما من أحدٍ مِنِّا إلا وله قريبٌ أو صديق , كان أحدَ ضحيا حوادثِ السيارات إما بموتٍ أو إعاقةٍ , أو خسارةٍ في النفس أو المال، فهلا كان ذلك باعثا لنا على التأمل والاعتبار؟ إلى هذا الحدِّ تساهلنا بأرواحنا في هذا المضمار!؟ فمن يرضى أن يجعل وسيلةَ النقل وسيلةَ قَتْلٍ ودمار؟!.

فلا إله إلا الله! ولا حول ولا قوّة إلا بالله من هذا الداء والوبال الذي دهانا في هذا الزمان، مما فاق آثارَ الحروب والكوارث والخطوبِ. يوميا في بلادنا ثمانيَ عشرةَ حالة وفاةٍ من جرَّاء حوادثِ السياراتِ
ألم يُرشدنا ديننا الحنيفُ إلى آداب القيادة ؟ وعلَّمنا آدابَ الطريق ؟ وإعطاءَ كُل َّ ذي حقٍّ حقَّه ؟ نعم واللهِ لقد حرَّم علينا التهوُّرَ والسَّفه ,والعبث والطيش فقال عزّ
من قائل (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وقال تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)
ولعمرُ الحقّ هل حوادثُ القتل والإصاباتُ الخطيرة والخسائرُ الفادحة إلا من جراء التهوُّرِ والسرعةِ المفرطة والتجاوزاتِ الخاطئة وقطعِ الإشارات ظلما وعدوانا, والتفلُّتِ واللامبالاةَ في الأنظمة والضوابط ! وهل باعِثُ ذلك إلا ثورةُ الشبابِ المراهقِ والثقةُ المزعومةُ في القيادةِ، وصدق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (وَالشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ)
وإنَّ الإحصاءات الرسمية تفيدُ أنَّ ثلاثةَ عشرَ مليارٍ ريال سنويا تذهب هدرا ! هذا في حدود المملكة العربية السعودية . حقا إنِّه تهوُّرٌ وجنونٌ لا مُبرر له , إنِّه انتحارٌ متعمـَّـد لمن تجاوز الأنظمة ظلما وعدوانا واعتداءٌ سافرٌ على أرواح وممتلكات الآخرين , فأين نحنُ من قول رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناسَ يومَ النَّحر ويقول إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام كحرمةِ يومِكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ) . فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال ( اللهم هل بلغت اللهم اشهد ) ألا يخشى هؤلاء المتهورون من عقوبة مَن قتل نفسَه !! فقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم« مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا »
أيُّها الكرام , إنَّ هناك صورا تدلُّ على عدم احترام الغير وهي تدلُّ كذلك على العبث بأمن البلد ومقدَّراتِه وخيراتِه وهي دليلٌ على امتهان أنظمتِه وإجراءاتِه فالسرعةُ المفرطة داخل الشوارع والأحياء بات مقلقا للجميع , وقطعُ الإشارات أمامَ الملأ بات واضحا للعيان ,
والعبثُ و التفحيطُ أصبح منظرا مألوفا عند الكثيرين منَّا, والوقوفُ الخاطئُ, وإطفاءُ الأنوار ليلا, والتضييقُ على المارَّة منظرا مألوفا وقيادةُ سفهاءِ الأحلام وصغارِ السِّن أصبحتَ تشاهدُه كلَّ وقت وحين , والبعض يُغالطُ الأمورَ، فتراه مثلاً مُصاباً بنقصٍ في بصرِه أو ضعفٍ في قُواه، لكبر سنٍّ أوعدم قدرةٍ، ومع ذلك لا يبالي فيقودُ سيارتَهُ ،فيا أخي إذا ضَعُفَتِ القوةُ، وقلَّ البصرُ وضَعُفَ السَّمعُ، فإيِّاك أن تغامرَ بالقيادة ، فلربما تُحدِثُ ضرراً على نفسِك و إخوانِك.
كلُّ تلك المخالفاتِ وغيرِِها تحتاجُ منَّا إلى وقفةٍ حازمة وتعاونٍ على القضاء عليها (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) فعلى الخطباءِ والوعَّاظ دورٌ عظيم وعلى المربِّينَ والمعلمينَ مسؤولية ٌكبرى وعلى رجالِ الأمنِ حِمل ثقيلٌ وأمانة ٌعظمى وعلى المسئولين في البلد أنْ يتقوا الله تعالى وأنْ يحرصوا على تخفيفِ تلكَ الظواهرِ والقضاءِ عليها , لا أنْ يُقيموا لها المسابقاتِ والمهرجاناتِ و الميادينِ والجوائزِ التي تضرُّ ولا تنفع وتهدمُ ولا تبني , ألم يقل رسولنا صلى الله عليه وسلم (( كلكم رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : وَالأمِيرُ رَاعٍ ، والرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أهْلِ بَيتِهِ ، وَالمَرْأةُ رَاعِيةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجها وَوَلَدهِ ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ))
فأين حقُّ الرعاية والحفاظ على ممتلكات الناس وأموالِهم؟ ( فلا ضرر ولا ضرار ) أيُّها الأولياءُ الكرام : أنتم مسئولونَ مسئولية ًتامة ًعن أولادكم فلا تؤتوا السفهاءَ أموالَكم , أحفظوهم ووجِّهوهم لما فيه صلاحُ وحفظ ُ دينهم ودنياهم ,
يا رجال الأمن كان الله في عونِكم وسدَّد أعمالَكم وأرائـَكم , خذوا الأمر بحزمٍ وقوُّةٍ لا تأخذكم في الله لومة ُلائم كثـِّفوا الجهود وخذوا على يد السَّفيه وأطروه على الحقِّ طرا بارك الله في جهودِكم وأعانكم على أداءِ أمانتكم وحمل رسالتكم,
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم وسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروا إنِّه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله منَّ علينا بنعمِ الأموالِ والأولاد, وفتح لنا من خزائِنه كلَّ باب ,نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الوهَّاب ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُه أكرمُ الخلق خَلقا وخُلُقا بلا ارتياب صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى جميع الآل والأصحاب ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب , أما بعد
معاشر الشباب احمدوا الله على ما حباكم به من نعمة الصِّحة والمال والعافية فكونوا رحمةً على أهليكم وذويكم ,احذروا الأذية بشتى أشكالها (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) أتعلمون يا شباب كم خسرنا في العام المنصرم من جراء الحوادثِ ؟! أكثرُ ستةِ آلاف وخمسُمِائةِ إنسانٍ كلُّهم بسبب حوادث السيارات؟!
فيا ليتكم تعقلون! أسألك بالله أخي الشاب , بأيِّ ذنبٍ قُتِلوا ؟!
أخي الشاب وأنت تقودُ سيارتَك تصوَّر الخطرَ مُحدِقٌ بك في كلِّ لحظة فإيَّاي وإيِّاكَ والعجلةَ والتهوُر , إيِّاي وإيِّاك أن تمشيَ على الأرض مَرحا إنَّ الله لا يحبُ كلَّ مُختالٍ فخور , قال نبيك صلى الله عليه وسلم (الأناةُ من الله والعجلةُ من الشيطان) كن من َعِبَادِ الرَّحْمَنِ (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )
قد يُدركُ المتأنِّي بعضَ حاجتِه وقد يكونُ مع المستعجلِ الزَّللُ

معاشر الشباب ( َأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ ) . قال الصحابةُ : وما حَقُّ الطَّريقِ يَا رسولَ الله ؟ قَالَ : صلى الله عليه وسلم (( غَضُّ البَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلامِ ، وَالأمْرُ بِالمَعْرُوفِ ، والنَّهيُ عن المُنْكَرِ ))
وقديما قالوا عبارةً جميلة: القيادةُ فنٌّ وذوقٌ وأخلاق، وهي مقولةٌ صحيحةٌ .فحسنُ القيادَةِ يكونُ في حسن التصَرُّفِ والهدوءِ وتجنُّبِ المهالك والضَّرر.
والذَّوقُ الرفيعُ يتجلّى في إكرامِ المارَّةِ والعابرين.
والأخلاقُ في القيادة تتجلى في الوقوفِ الصحيح، وتركِ الشِّجار والتلاسُنِ والبُصاق عند أدنى الأخطأ،
أخي الشاب السَّعيدُ من وُعظَ بغيره فاحذر أنْ تكونَ عبرة ًلغيرك فلآت ساعة مَندمٍ .
لا تكن سببا في شقاء وتعاسةِ أسرٍ كاملة فلا يَستهْوِينـَّك شياطينُ الإنسِّ والجنِّ ,
فتبدِّلَ نعمةَ اللهِ كُفْرًَا، وتُروِّيعَ الآمنين، وفي الحديث قال النبيُّ : ((لا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يُروِّع مسلمًا)).
أخي الشاب كلَّما ركبتَ سيارتَك وخرجت من بيتك قل : بسم الله توكلتُ على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله , فإنَّ ملائكةَ الرحمن تقولُ لك : هُديتَ وكُفيتَ ووقيتَ، ويتنحَّى عنك الشيطانُ ويقول: ما لي برجلٍ قد هُدِيَ وكُفيَ ووقِي؟!
قل (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ)
عليك بوجهِ القَصدِ فاسلك سبيـلَه ففي الجور إهلاكٌ وفي القصد مَسلَك
إذا أنتَ لَم تعرفْ لنفسـِك قدرَها تُحمِّلُهـا مـا لا تطيـقُ فَتَهلِـكُ
جعلك الله قرّة عين لوالديك وحفظك الله من كلِّ شر ومكروه
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهديَ شباب الإسلام والمسلمين إلى طريق الرشاد وأن يجنِّبهم أسبابَ الشر والفساد وأن يجعلهم رحمة ًعلى أهليهم وذويهم إنِّه مجيب الدعاء
اللهم أعنَّا جميعا على أداء الأمانة ووفقنا لما تحب وترضى
فا للهم اجعلنا لك من الشاكرين لك الذاكرين .
اللهم ادم علينا نعمة الأمن والأمان ,
اللهم أحفظنا وذرا رينا وجميع المسلمين .
اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان ووفقنا لما تحبُّ وترضى يا رحمان
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى واجعلهم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ياربَّ العالمين
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
بواسطة : admincp
 0  0  6.4K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 04:21 مساءً الأحد 22 جمادي الأول 1446 / 24 نوفمبر 2024.