الحمدُ لله شرحَ صدورَنا بالإسلامِ، وهدى بصائِرَنا بالقرآن. خشعتْ له القلوبُ وخضعت، وعنت له الوجوهُ وذلَّت , جعلَ الصلاةَ راحةَ قلوبِ الأخيار، و طريقَ سعادةِ الدنيا و دارِ القرار, نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو العزَّةِ والاقتدارِ، ونشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا محمدًا عبدُ الله ورسولُه،المصطفى المختار, يقفُ بين يدي ربِّه بمحبةٍ وخضوعٍ وانكسار، صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأطهارِ ما تعاقبَ ليلٌ ونهار. أما بعد: أيُّها الناس،اتقوا الله حقَّ تقاته , وأدُّوا ما افترض عليكم تفوزوا بمغفرته ومرضاته. ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ . الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ . وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ .) أيُّها المؤمنون، مرافقةُ الحبيبِ في الجنَّة أعظمُ منزلة، وهي وغايةُ كلِّ محبٍ ، فيا لها من مكانةٍ عاليةٍ، أنْ يكونَ رفيقُكَ فيها صفيُّ الله وحبيبُه عليه الصلاة والسلام .ولهذا كان الصحابةُ الكرام يتسابقون لذلك ويتنافسون عليه فهذا رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِىُّ رضي الله عنه يقَولَ كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لي « سَلْ ».فتغانمَ الفرصةَ مباشرةً وقال : أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الْجَنَّةِ. قَالَ « أَوَغَيْرَ ذَلِكَ ». قال هُوَ ذَاكَ يا رسول الله. قَالَ « فَأَعِنِّى عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ».رواه مسلم . الله أكبر عباد الله: إنِّها الهممُ العاليةُ, والنُّفوسُ الكبيرةُ. وإذا كانتِ النُّفوسُ كِبارا تعبت في مُرادِها الأجسامُ فيا مؤمنون : لِمَ خصَّ النبيُّ السجودَ من بين العباداتِ ؟ وما الحكمةُ من السُّجود ؟ وكيف تسجدُ الكائناتُ والمخلوقاتُ كلُّها للهِ تعالى ؟ قال اللهُ في محكمِ التنزيل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ . قال ابنُ كثيٍر رحمهُ الله أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ أيْ: من الملائكةِ في أقطارِ السماواتِ , والحيواناتِ في جميعِ الجهات من الإنسِ والجنِّ والدوابِّ والطير. وإنِّما خصَّ الشمسَ والقمرَ والنجومَ بالذِّكر لأنَّها عُبدتْ من دونِ الله، فبيَّن أنَّها هيَ تسجدُ لخالقِها وأنَّها مربوبةٌ مسخَّرةٌ ". وما في السماءِ نجمٌ ولا شمسٌ ولا قمرٌ إلا يقعُ للهِ ساجدًا حيَن يغيب، ثمَّ لا ينصرفُ حتى يؤذنَ له، وأما الجبالُ والشَّجرُ فسجودُهما بفيءِ ظلالِهما عن اليمينِ والشمائل. عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: جاءَ رجلٌ فقال: يا رسولَ الله، إنِّي رأيتُني الليلةَ وأنا نائم كأنِّي أُصَلِّي خلفَ شجرةٍ فسجدتُ فسجدتِ الشجرةُ لسجودي، فسمعْتُها وهيَ تقول: اللهمَّ اكتبْ لي بِها عندكَ أجرًا، وضعْ عنِّي بِها وزرًا، واجعلْها لي عندَك ذُخْرًا، وتقبَّلْهَا منِّي كما تقبَّلتَهَا منْ عبدِك داود، قال ابنُ عباس: فقرأَ رسولُ الله آيةَ سَجْدَةٍ فسمعتُه يقولُ مثلَ ما أخبَرهُ الرجلُ عنْ قولِ الشجرة. رواهُ الترمذيُّ . وقولُهُ: وَالدَّوُابُّ أيْ: الحيواناتُ كلُّها. وقولُهُ: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أيْ: كثيٌر منَ الناسِ يسجدُ للهِ طائعًا مختارًا متعبِّدًا للهِ بذلك. وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ أيْ: كثيرٌ ممنْ امتنعَ وأبى واستكبرَ على السجودِ لله حقَّ عليهِ العذاب. عن أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ اللهِ : ((إذا قرأَ ابنُ آدمَ السجدةَ اعتزلَ الشيطانُ يبكي يقول: يا ويلَه, أُمِرَ ابنُ آدمَ بالسُّجودِ فسجدَ فلهُ الجنة، وأمرتُ بالسجودِ فأبيتُ فليَ النَّار)) رواه مسلم إخوةَ الإيمان، قال اللهُ جلَّ وعزّ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود والسِّيما تحملُ معانيَ كثيرةً،قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ يَعْنِي: السَّمتُ الحسن، وقالَ مجاهدٌ وغيُره: يعني الخشوعُ والتواضعُ. ولذلك قال: بعضُ السَّلف مَنْ كَثُرَتْ صلاتُه باللَّيْل حسُنَ وجهُهُ بالنَّهَار. والسُّجودُ من أفضلِ الحسنات وأجلِّ القُرُبَات.قال عمرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه (مَنْ أَصْلَحَ سريرتَه أصلحَ اللهُ تعالى علانيتَه). واختار الباري جلَّ وعلا لفظَ السُّجود؛ لأنَّهُ يمثِّلُ حالةَ الخشوعِ والخضوع والعبوديةِ لله في أكملِ صورِهَا. فلنأخذ يا عباد الله: منْ سنَّةِ المصطَفَى ما يُعِيْدُ لنا تعظيمَ السُّجُودِ في قلوبنا، فتأمَّل يا رعَاكَ الله، وتفكَّرْ في عظمةِ الله؛ حتى تُكثرَ السجودَ على عتباتِ الكريمِ سبحانَه. عن أبي ذرٍّ رضيَ اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللهِ : ((إنِّي أرى ما لا ترون، وأسمعُ ما لا تسمعون، إنَّ السماءَ أطَّتْ ـ أي: ثَقُلَتْ مِنْ كَثْرَةِ الملائكة ـ وحُقَّ لها أنْ تئِطَّ ؛ ما فِيها موضعُ أربعِ أصابعَ إلا وملكٌ واضعٌ جبهتَهُ ساجدًا لله. والله، لو تعلمون ما أعْلمُ لضحِكْتُم قليلا ولبكَيْتُمْ كثيرًا، وما تلذذتُم بالنِّسَاءِ على الفُرُشاتِ)) رواه أحمدُ فيا أيُّها: المؤمن إذا أثقلتْكَ الذُّنُوب وأحاطت بك الخطايا والهمومُ فعليك بكثرةِ السُّجود، أخرجَ مسلمٌ في صحيحه عَنْ معْدَانَ بنِ أبِي طلحةَ اليَعْمُرِيّ قال: لقيت ثوبانَ مولى رسولِ الله فقلت له: أخبرني بعملٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بهِ الجنَّةَ . فسكت، ثم سألتُه الثالثةَ فقال: سألتُ عن ذلك رسولَ الله فقالَ: ((عليكَ بكثْرَةِ السُّجودِ لله؛ فإنك لا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إلا رفعَكَ اللهُ بها درجةً وحطَّ عنكَ بها خطيئة ً)). ليس ذلك فحسب بل إنَّ أهلَ السجودِ وإنْ أُدخلوا النارَ فلا تمسُّ منهم مواضعَ السُّجود ويُعرفون بآثار سجودهم وهم في النَّار في صحيح البخاري أنَّ رسول الله قال : { حتى إذا فرغَ اللهُ من القضاءِ بين العبادِ وأرادَ أن يُخرج برحمتِه من أرادَ من أهل النَّار أمرَ الملائكةَ أنْ يُخرِجوا من النَّارِ من كان لا يشركُ بالله شيئا ممن أراد الله أنْ يرحمَه ممن يَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ فيعرفونَهم في النَّار بأثر السجودِ. تأكلُ النَّارُ ابنَ آدمَ إلا أثرَ السُّجودِ حَرَّمَ اللهُ على النَّار أنْ تأكلَ أثَرَ السُّجود فَيُخرَجُون من النَّار قد امتحشوا فَيُصَبُّ عليهم ماءُ الحياة فينبُتُونَ تَحته كما تنبتُ الحبَّةُ في حميل السيل } وفي آخر أيامِ النبيِّ يوصي أصحابَه ويبيِّن لهم أهميةَ الدعاء في السجود فقد كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِى بَكْرٍ وَرَأْسُهُ مَعصُوبٌ في مَرَضِهِ الذي مات فيه وهو يقولُ:« أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ أَلاَ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ». قال ابنُ القيِّم رحمه الله والسُّجودُ سِرُّ الصلاة ورُكنُها الأعظمُ وخاتمةُ الركعةِ . وما قبلَه من الأركان كالمقدِّمات له عن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال :{أقربُ ما يكونُ العبد من ربِّه وهو ساجد فأكثروا الدعاء } وشُرع فيه من الثَّناء على الله ما يناسبه وهو قولُ العبد سبحان ربِّي الأعلى فهذا أفضل ما يقال فيه وحين أنزل اللهُ : سَبِّح اسمَ رَبِّكَ الأعلى قال : اجعلوها في سُجُودِكم». فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده:سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات في كلِّ سجدة .ويزيد معها سبحانك اللهم ربَّنا وبحمدك اللهم اغفر لي. أو سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الملائكةِ والرُّوح. فيا مشتاقًا لمرافقة الحبيب في الجنَّة، اصبر وصابر ورابط على السجود. {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} أقول قَولي هَذَا، وأَستَغفِر اللهَ لي ولَكم ولسائرِ المسلِمين مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هوَ الغَفور الرَّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله المطَّلعِ على أسرار الغيوبِ ، الرقيبِ على بواطن القلوب , نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادةَ صدقٍ ويقينٍ وإيمان ، ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُه المجتبى جعلت قُرَّةُ عينه في الصلاة.صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه مصابيحِ الدُّجى ، و مفاتيحِ الهدى ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنَّ سُجودَنا للهِ عنوانُ الرفعة والعزة والإباء. فالساجدُ يضعُ أشرفَ شيءٍ منه وأعلاه وهو الوجهُ حتى صار أعلاه أسفله خضوعا بين يدي ربِّه الأعلى, وخشوعا له وتذللا لعظمته واستكانةًً لعزتِه وهذا غاية خشوعِ الظاهر فإنَّ الله سبحانه خلقه من الأرض التي هي مُذَلَّلةٌ للوطءِ بالأقدام واستعملَه فيها وردَّه إليها ووعدَه بالإخراج منها فهي أمُّهُ وأبوه وأصلُه وفصلُه فضمَّته حيَّاً على ظهرها وميتا في بطنها وجُعلت له طُهْرا ومسجدا فأُمِرَ بالسُّجود إذْ هو غايةُ خشوعِ الظاهر وأجمعُ العبودية لسائر الأعضاء فيُعَفِّر وجهَه في التُّراب استكانةً وتواضعاً وخضوعاً وإلقاءً باليدين بين يدي الله تعالى. ولهذا صار العبدُ أقربَ ما يكونُ من رَبِّه وهو ساجد. هذه هي الحكمةُ والسِّرُّ في السجودِ ، لذا ينبغي أنْ تسجٌدَ قلوبُنا قبل جوارِحنا؛حتى نطعَمَ لذَّةَ السُّجود وحلاوتَه.فالساجدُ يقول سبحان ربي الأعلى فذِكْرُ علوِّ الله هنا أنسبُ ، لأنَّ الساجدَ لله أنزلَ ما يكون، فكان المناسبُ أن يُثنيَ على الله بعلوِّ القهر وعلوِّ القدر , وعلوِّ المكانٍ وعلوِّ الذاتِ والصفات، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} فهنيئاً لك أيُّها المؤمنُ يومَ سجدتَّ لله وحده. بينما النَّصارى يسجدون للصلبان , وآخرون للنِّيران , وبعضهم للأبقار والأحجارِ والأشجار، وأنت أكرمَك مولاك بأنْ سجدتَّ للرحيم الرحمن. فتعرَّف يا مؤمن على حِكم وأحكام السُّجودِ وحاسب نفسك حتى يكونَ سجودُك عبادةََ روحٍ وقلب، لا عملَ عادة، فمن الأحكام أنْ تسجُدَ على الأعضاءِ السَّبعة كما أُمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك حين قال : « أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَلاَ نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَلاَ الشَّعْرَ ». ومن كمال السُّجودِ وواجباتِه أنْ يأخذَ فيها كلُّ عضوٍ من البدن حظَّه من الخضوع فيرفعُ بطنَه عن فخذيه وفخِذيه عن ساقيه ويجافي ويبعدُ عَضُدَيه عن جنبيه ولا يَفْرِشْهُمَا على الأرض.ويجعلُ أصابعَ اليدينِ والقدمينِ نحو القبلةِ, ليستقلَّ كلُّ عضوٍ منه بالعبودية فلا يجوز أنْ يرفعَ عُضواً من أعضائِه حالَ سجوده، لا يداً، ولا رِجْلاً، ولا أنفاً، ولا جبهة،كمن يضعُ جبهَتَه على كفَّيه ، أو يضعُ رجليه بعضِهما على بعض، فلا يجزئُ السُّجودُ فإن فَعَلَ ذلك في جميع حال السُّجُودِ فلا شَكَّ أنَّ سجودَه لا يصحُّ؛ لأنَّه نقصَ عضوٌ من الأعضاء التي يجب أنْ يسجُد عليها. ومن الأحكام تحريمُ قراءةِ القرآنِ حالَ الركوعِ أو السجودِ لقولِ النبي {َإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا} فلمَّا كان القرآنُ أشرفَ الذِّكْرِ؛ لم يُناسبْ أنْ يقرَأَه وهو في هذا الانحناء، بل يُقرأ حال القيام. ومن الأحكام تحريمُ بسطِ وفرشِ الذِّراعينِ على الأرض كما يفعله بعض الكسالى وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اعْتَدِلُوا في السُّجُودِ وَلاَ يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ » وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ ». وتأمَّلوا يا مؤمنون حالَ رسولِ صلى الله عليه وسلم وسلفِ الأمة معَ السجود، أولئك العبَّادِ الأمجاد، فعن عبد الله بن الشِّخِّير - رضي الله عنه - ، قَالَ : أتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي ولِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المِرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ . وهذا الربيعُ بنُ خيثم، رحمَهُ الله إذا سجد كأنَّه ثوبٌ مطروح، تقعُ العصافيرُ عليه. أيٌّها المؤمن ُ إذا كنت تعاني من الإرهاقِ أو توترِ الأعصاب فعليك بالسجودِ لله تعالى . كثرةُ السجود لله مفتاحُ كنزٍ عظيم،ومرافقةٌ للحبيب في الجنة، فلا تُحْرَمُوه ولا تضيِّعوه . كثرةُ السجودِ لله سلاحٌ في الدنيا والآخرة ، وإذا حلَّت بك المنيةُ وكنت من الساجدين اطمأن قلبُك وعلاك السرورُ. لما حضرتِ ابنُ المباركِ الوفاةُ تبسَّم وتلا قولَه تعالى: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ وتضحكُ للمنايا وهي تبكي لأنَّك قد حملت لها سلاحا يا ربِّ أعضاءَ السُّجودِ أعتقتَها مِن فَضْلِكَ الوافي وأنت الباقي والعتقُ يسري في الغِني يا ذا الغنى فامْنُنْ على الفاني بعتق الباقي فاللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء اللهم أصلح القلوبَ والأعمال وأصلح ما ظهر منا وما بطن، واجعلنا من عبادك المخلَصين. اللهم ثبتنا على دينك وصراطك المستقيم ، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا و ولاة أمورنا، اللهم خذ بنواصيهم للبر والتقوى ومن العمل ما ترضى.اللهم أصلح حالنا وأحسن مآلنا، اللهم ارزقنا قلوباً خاشعة، وعلماً نافعاً، وعملاً صالحا خالصاً مُتقبّلا ، اللهم إنِّا نعوذ بك من الرياء والنفاق. عباد الله { إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العلي العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون }.