لا للإسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ 20/10/1446هـ
الحَمدُ للهِ خَلَقَنا على أَحسَنِ الصُّورِ، أَشهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ يُجْزِلُ لِمَنْ شَكَرَ, وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ خَيْرُ البَشَرِ, صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه, وعلى آلِهِ وَصَحبِهِ خَيرِ صَحْبٍ ومَعشَرٍ, وَمَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الْمُسْتَقَرِّ. أمَّا بعدُ: عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ رَبَّكم, واشكُروهُ على ما أَمَدَّكُم بِهِ من النِّعَمِ وَأَغْدَقْ. إنَّنَا واللهِ عَن النَّعِيمِ لَمَسْئُولُونَ كَمَا تَوَعَّدَ رَبُّنَا بِقَولِهِ: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ.(
أتَدْرُونَ يا مُؤمِنُونَ: أَنَّ طَاعَةَ الْشَّيْطَانِ هِيَ أَصْلُ الْخُسْرَانِ وَأَسَاسُ الْإِفْلَاسِ حَقًّا: (وَمَنْ يَتَّخِذِ الْشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا). لأنَّهُ يُزَيِّنُ الْقَبِيحَ وَالْمُحَرَّمَ! خُذوا على سَبِيلِ الْمِثَالِ قَولَ اللهِ تَعَالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ). فَالْمُسْرِفُ والْمُبَذِّرُ لَيسَ مُتَّبِعَاً للشَّيطانِ فَقطْ بَلْ مِنْ سُوءِ عَمَلِهِ صَارَ للشَّيطانِ أَخَاً وَصَاحِبَاً! سُبْحَانَ اللهِ أَلِهَذَا الحَدِّ تَكُونُ عَاقِبَةُ الإسرَافِ والتَّبذِيرِ؟ نَعمْ بَلْ أَشَدُّ! لأنَّ الإسْرَافَ فِعْلٌ يُبغِضُهُ اللهُ وَيَأْبَاهُ: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). وَلأَنَّهُ سَبَبٌ للضَّلالِ وَطَرِيقٌ لِلخَسَارِ، قَالَ اللهُ تَعَالى: (إِنَّ اللهَ لا يَهدِي مَن هُوَ مُسرِفٌ كَذَّابٌ).
عِبَادَ اللهِ: لَقَد اتَّصَفَ بِالإِسرَافِ شَرُّ خَلقِ اللهِ، كَمَا وَصَفَ اللهُ فِرعَونَ بِقَولِهِ: (وَإِنَّ فِرعَونَ لَعَالٍ في الأَرضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسرِفِينَ).
إِخْوَةَ الإِسْلامِ: دِينُنَا دِينُ القِسْطِ والعَدْلِ والْمِيزَانِ! فِي كُلِّ مَجَالاتِهِ، عَقِيدَةً وَعِبَادَةً وَمُعَامَلَةً وَعَادَةً وَخُلُقَاً: كَمَا وَصَفَنَا رَبُّنَا بِقَولِهِ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً). وَجَاءتْ شَرِيعَتُنَا لِتَحْفَظَ الدِّينَ، والنَّفْسَ، والْمَالَ، والعِرْضَ، والعَقْلَ، مِنْ هَذا الْمُنطَلَقِ حَذَّرَ الرَّبُّ جَلَّ وعَلا مِنَ الإسْرَافِ والتَّبذِيرِ، وَنَهَى عَنْ البُخْلِ والتَّقْتِيرِ.
وإليكُمْ يا كِرامُ: بَعضَ الْمَفَاهِيمِ الْمُهِمَّةِ حتى نَعرِفَ مَا هو مُباحٌ لَنا وَمَا هُوَ مُحَرَّمٌ علينَا؟!
فالأصلُ أنَّ اللهَ أَحَلَّ لَنا كُلَّ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَينَا الخَبائِثَ. فَالتَّحْذِيرُ مِن الإسْرَافِ، لا يَعْنِي تَرْكَنا لِلْمُبَاحِ؛ ألِمْ يَقُلِ اللهُ تِعَالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ).
وَفي الحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ إِنَّ الله تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ) .هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ. وَمِنْ قَبْلُ وَصَفَ اللهُ الأَتْقِيَاءِ أَنَّهُمْ: (إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا).
هَلْ تَأَمَّلْتُمْ يا مُؤمِنُونَ: إنَّهُ الاعتِدَالُ في كُلِّ شَيءٍ في الْمَلبَسِ والْمَأكَلِ والْمَشْرَبِ والْمَركَبِ وَالْمَسْكَنِ. فَإذا أعطَاكَ اللهُ وَأَمَدَّكَ فاجْعَلِ مَالَكَ خَادِمَاً لَكَ, لا أَنْ تَخْدِمَهُ! اجْعَلِ مَالَكَ حَارِسَاً لَكَ لا أَنْ تَحْرِسَهُ! اجْعَلِ مَالَكَ مُنْفَقَاً فِي وَجْهِهِ وَحِلِّهِ لا أَنْ تُمْسِكَهُ!
إذَاً ما الإِسْرَافُ؟ الإِسْرَافُ: هُوَ مُجَاوَزَةُ الحَدِّ وَتَعَدِّي الْمَشْرُوعِ، وزِيَادَةُ الصَّرْفِ عَلى مِقْدَارِ الحَاجَةِ. والتَّبْذِيرُ: هُوَ صَرْفُ الْمَالِ فِي غَيرِ وَجْهِهِ وَحِلِّهِ. وَفِي الحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إنَّ اللهَ كَرِه لَكُمُ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرةَ السُّؤَالِ، وإِضَاعَةَ الْمَالِ). قَالَ الإمَامُ النَّوويُّ رَحِمَهُ اللهُ: إِضَاعَةُ المَالِ تَبْدِيدُهُ وَصَرْفُهُ فِي غَيرِ الوُجُوهِ الْمَأْذُونِ فِيها مِنْ مَقَاصِدِ الآخِرَةِ والدُّنيا. أيُّها الأخُ الْمُؤمِنُ: لَكَ أنْ تَلْبَسَ مَا تَشَاءُ مِمَّا أَبَاحَهُ اللهُ وَأحَلَّهُ لَكْنْ بِدُونِ سَرَفٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ: (فَمَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ).قَالَ تَعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ). فَعِنَّدَ كُلِّ صَلاةٍ نَحنُ مَأمُورُونَ بِلُبْسِ أَحْسَنِ مَا نَجِدُ ولا يُعَدُّ ذلِكَ إسرَافَاً. فَحُسْنُ الْمَلْبَسِ وَجَمَالُهُ مَطْلُوبٌ قَدْرِ الاستِطَاعَةِ وَالوُجْدِ. عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ الْجُشَمِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَعَلَىَّ أَطْمَارٌ أَيْ ثِيَابٌ بَالِيَةٌ فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟». قُلْتُ: نَعَمْ. قَدْ آتَانِيَ الله عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الشَّاءِ وَالإِبِلِ. قَالَ: «فَلْتُرَ نِعْمَةُ اللهِ وَكَرَامَتُهُ عَلَيْكَ, فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ ظُهُورَ أَثَرِ نِعْمَتِهِ عَلى عَبْدِهِ» صححه الألباني.
أيُّها الأخُ الْمُؤمِنُ: تَخَيَّرْ مِنْ الطِّيبِ مَا تَشَاءُ. وَمِنْ الطِّيِّبِ مَا تَشَاءُ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ الهُدى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ». وَقَالَ: «إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ».
أَيُّها الْمُسلِمُونَ: آفَةُ الإسْرَافِ أَنَّهُ يَزْرَعُ العَدَاوَةَ في قُلُوبِ الفُقَرَاءِ !وَيَكْسِرُ قُلُوبَهُمْ, فَليسَ مِن الأُخُوَّةِ الإيمَانِيَّةِ أنْ تَكُونَ شَبْعَانًا مُتْرَفَاً وَجَارُكَ فَقِيراً جَائِعَاً. وَمِنْ آفَاتِ الإسْرَافِ أنْهُ جَعَلَ أُنَاسَاً مِنْ ذَوي الدَّخْلِ الْمَحدُودِ يَسْتَدِينُونَ لا لِسَدِّ الحَاجَةِ وإنَّمَا لِلْكَمَالِيَّاتِ وَمُجَارَاةِ الأَغْنِيَاءِ. فَذَاكَ لِتَرْمِيمِ مَنْزِلِهِ, وآخَرُ لِتَغْيِيرِ أثَاثِهِ, أو لأجْلِ سَفَرِهِ وَهكَذا وَصَدقَ اللهُ: (وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ). قَالَ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهِ رَحِمَهُ اللهُ: "مِنْ التَّرَفِ أنْ يَلْبَسَ الإنْسَانُ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ مِمَّا لَيسَ عِنْدَهُ، وَمَا جَاوَزَ الكَفَافَ فَهُوَ تَبْذِيرٌ". وَصَدَقُ اللهُ: (كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). وَفِي الصَّحِيحِ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ). فاللهُمَّ أَغْنِنَا بِحَلالِكَ عنْ حَرَامِكَ وَبِفَضْلِكَ عمَّنْ سِواكَ. أقُولُ ما سَمعتُم وأسْتَغفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وَلِسَائِر الْمُسلِمينَ مِن كُلِّ ذَنْبٍّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ العَليمِ الخَبيرِ، أَشْهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ العَليُّ الكَبِيرُ، وَأَشهَدُ أنَّ نبيَّنا مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ البَشِيرُ النَّذِيرُ والسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، اللَّهمَّ صَلِّ وسلِّم وبَارِك عليهِ، وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ على نَهجِهم إلى يَومِ الْمَصيرِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ. (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالْرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
عِبَادَ اللهِ: تَنْتَشِرُ بَعْضُ مَقَاطِعِ الإسْرَافِ والتَّبْذِيرِ التي تَدُلُّ على السَّفَهِ وَحُبِّ الشًّهْرَةِ والظُّهُورِ! مَمَّا يَقَعُ فِي بَعْضِ حَفَلاتِ الزِّوَاجَاتِ, وَمُنَاسَبَاتِ الأعْيَادِ والإهْدَاءَاتِ، مِنْ تَنَافُسٍ وَبَذْخٍ وإِنْفَاقٍ فِي غَيرِ مَحَلِّهِ, إلَّا مُجَارَةَ الآخَرِينَ! أَوْ بِاسْمِ التَّجدِيدِ والتَّنْويعِ! وَذَلِكُمْ واللهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ على مُستَقْبَلِ الزَّوْجَينِ؛ وَعَلى الْمُجتَمَعِ كلِّهِ. ألا فَاتَّقُوا اللهَ يا أهْلَ البَطَرِ والتَّرَفِ, واحذَروا سُوءَ فِعْلِكُمُ الْمَشينَ.
وَتَأَمَّلُوا قَولَ اللهِ تَعَالَى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ). واللهُ سَائِلُنا عَنْ مَالِنا فِيمَا أَنْفَقْنَاهُ! وَيَبْلُغُ الخَطَرُ مُنتَهاهُ حينَ تُرْمى بَقَايَا الأطْعِمَةِ في النِّفَايَاتِ فَهذا واللهِ كُفرٌ بِالنِّعَمِ، وَسَبَبٌ فِي تَحَوُّلِهَا وَزَوَالِها: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً). عَلى الرَّجُلِ العَاقِلِ أنْ لا يَنْهَزِمَ أَمَامَ رَغَبَاتِ ضِعَافِ الدِّينِ وَالعُقُولِ, فاللهُ تَعَالى يَقُولُ: (وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوَهُمْ فِيهَا وَاكْسُوَهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً).
أيُّها الْمُؤمِنُ: وَمِنْ أَخْطَرِ أَنْوَاعِ الإسْرَافِ إِنْفَاقُ الأَمْوَالِ بِالْمُحَرَّمَاتِ! فَهَلْ يُعَدُّ مُقْتَصِدَاً مَنْ أَنفَقَ أمْوَالَهُ فِي سَفَرِيَّاتٍ مُحَرَّمَةٍ أو حَفَلاتٍ مَاجِنَةٍ؟ هَلْ يُعَدُّ مُقْتَصِدَاً مَنْ اشتَرى مُسْكِرَاً أو مُخَدِّراً؟ أو عِلَبَ دُخَانٍ مُفْسِدِاً؟!أتُرَونَ مَنْ أنفَقَ أَمْوَالَهُ على الأشرِطَةِ الغِنائيَّةِ والْمُسلْسلاتِ الخَبِيثَةِ أنَّهُ سَيَسْلَمُ مِنْ عَذَابِ اللهِ وَمُحاسَبَتِهِ؟(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ).قَالَ الإمامُ الزُّهْرِيُّ: "الإسْرَافُ إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي المَعَاصِي".
أيُّها الأخُ الْمُؤمِنُ: الْمَاءُ نِعْمَةٌ عُظْمَى، والكَهْرَبَاءُ مِنْحَةٌ كُبْرَى، والوَقُودُ بِأَنْوَاعِهِ هِبَةٌ مِن اللهِ لَنا. فَهَلْ يَقَعُ فِيها إسْرَافَاً؟ نَعَم يَقَعُ فِيها إسرَافَاً وَهَدْرَاً كَبيراً! تَأَمَّلوا حَالَ بَعضِنَا عِندَ الوُضُوءِ أو الاغْتِسَالِ وعِندَ غَسْلِ الأَحْواشِ والسَّيَّاراتِ! كَمْ يُهدَرُ مِن كَمِّيَّاتِ مِياهٍ نَحنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إليها اليومَ ومُستَقْبَلاً! وَفِي حَدِيثٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ؛ فَقَالَ لَهُ: " مَا هَذا السَّرَفُ؟! فَقَالَ: أَفِي الوُضُوءِ إِسْرَافٌ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَلو كُنْتَ عَلى نَهْرٍ جَارٍ". رواه ابن ماجةَ بإسناد ضعيف. كَيفَ حالُ بَعضِنا مع الكَهْرَبَاءِ؟ كَثيرٌ مِنْ الشَّبَابِ لا يَعرِفُونَ قَدْرَهُ ولا تَكَالِيفَهُ! تَجِدُ أَحَدَهُم يَخْرُجُ مِنْ غُرفَتِهِ أو مَكانِ جُلُوسِهِ وَكُلُّ شيءٍ مَفتُوحٌ ولا يُبالي! بل إنْ بَعضَ الشَّبابِ يَقِفُ السَّاعَاتِ الطِّوالِ تَارِكاً سَيَّارَتَهُ تَصْرِفُ وَقُودَاً وهو يَتَحَدَّثُ مَعَ صَاحِبِهِ! أو يَأخُذُ الْمَدينَةَ طُولاً وَعَرْضَاً, دَوَرانٌ بِلا هَدَفِ ولا عَمَلٍ! ألا يُعَدُّ ذلِكَ إسْرَافَاً؟ بلى واللهِ.
أيُّها الكِرَامُ: وَفْرَةُ الْمَالِ والْمَاءِ والْكَهْرَباءِ وَغَيرِهَا من النِّعَمِ لَيست مُبَرِّراً لِلإسْرَافِ بِهَا, فَإنَّ اللهَ تَعَالى يَقُولُ: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ). وَيَقُولُ رَبُّنُّا تَبَارَكَ وَتَعالى: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً). إنَّهَا لَيستَ دَعْوَةً لِلبُخْلِ والتَّقْتِيرِ عَلى الأَهْلِ والأولادِ, وَلَكِنَّها دَعْوَةٌ لإعَادَةِ النَّظَرِ فِي كَثِيرٍ مِنْ عَادَاتِنا وَتَصَرُّفَاتِنا وَنَفَقَاتِنا، عَلَى ضَوْءِ وَصْفِ اللهِ لَنا: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً). إنَّهُ القَصْدُ والعَدْلُ لا غَيرَ، والتَّوَازُنُ وحُسْنُ التَّدْبِيرِ لا شَكَّ، وَقَدْ قِيلَ: "لا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرَ".
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ رَحِمَكُمُ اللهُ والزَمُوا هَدْيَ دِينِكُم واسْلُكُوا مَسْلَكَ العَدْلِ وَالوَسَطِ. فاللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّنا لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنا وَنَحنُ عَبِيدُكَ وَنَحنُ عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْنا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْنا نَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَينا وَنَبُوءُ بِذنُوبِنَا فاغْفِرْ لنا فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ, اللَّهُمَّ اكْفِنَا وَأغْنِنا بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَبِفَضْلِكَ عَمَّن سِواكَ، اللهمَّ لا تُؤَاخِذْنَا بِمَا كَسَبْنَا وَلا بِمَا فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا. لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ, أَنْتَ مَولانَا نِعَمَ الْمَولَى ونِعمَ النَّصِيرُ. اللهم اجعل مستقبلنا خيراً من ماضينا. اللهم ارزقنا الاستقامة على دِينِكَ، اللهم زدنا هدىً وصلاحاً وتوفيقَاً. اللهم اغفر لنا ولوالدينا والمُسلِمينَ يا ربَّ العالمين. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الكفر والكافرينَ، ودَمِّر أعداء الدِّينِ, وانصر إخواننا المجاهدينَ في سبيلكَ في كلِّ مكانٍ, اللهم انصُرْ جُنُودَنا واحفظ حُدُودَنا. ووفَّقْ ولاةَ أُمُورِنا, وَاجْزِهِمْ خَيرًا عَلى خِدْمَةِ الإسْلامِ والْمُسْلِمِينَ. واغفر لنا ولوالدِينا وللمسلمينَ أجمعينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.