• ×

07:45 صباحًا , الأربعاء 22 رجب 1446 / 22 يناير 2025

قَومُ إِرَمَ 17/7/1446هـ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
قَومُ إِرَمَ 17/7/1446هـ
الحمدُ للهِ أَحقَّ الْحَقَّ وَنَزَّلَهُ، وَأَمْهَلَ الظَّالِمَ ومَا أَهمَلَهُ،َ خَوَّفَ عِبَادَهُ بِالْآيَاتِ ، وَذَكَّرَهُمْ الْمَثُلاتِ؛ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَا نَجَاةَ إِلَّا مِنْهُ، وَلَا مَفَرَّ مِنْ نِقْمَتِهِ إِلَّا إِلَيْهِ، وأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ بَعَثَهُ اللهُ بَشيراً بِرَحْمَتِهِ؛ وَمُنذِرَاً من بَطْشِ اللهِ وَنِقْمَتِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصْحَابَتِهِ, وَمَنْ اهتَدى بِهدْيِهِ واتَّبَعَ مِلَّتَهُ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ. أمَّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ، اتَّقوا اللهَ حقَّ تُقاتِهِ، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: هَلْ وَعْظٌ أَبْلَغُ مِنْ الْفُرْقَانِ؟ فَلَقَدْ دَعَانَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ للاعْتِبَارِ فِي حَالِ أُمَمٍ وَحَضَارَاتٍ عَاشَتْ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ وَسَادَتْ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا اللَّهَ تَعَالى، فَأَصْبَحُوا أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ!.(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
عِبَادَ اللهِ: نَقِفُ اليَومَ مَعَ قِصَّةٍ مَلِيئَةٍ بِالدُّرُوسِ فِيهَا تَسْلِيَةٌ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ، وَإِنْذَارٌ لِلْمُتَجَبِّرِينَ. (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). تَأَمَّلُوا خَبَرُ أُمَّةٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا فِي الطُّغْيَانِ وَالْعِنَادِ، وَالْبَطْشِ وَالْفَسَادِ، ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَعَلَوْا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَمَا عَلِمُوا أَنَّ الطُّغْيَانَ مَهْلَكَةٌ لِلدِّيَارِ، مَفْسَدَةٌ لِلْأَمْصَارِ، مَسْخَطَةٌ لِلْجَبَّارِ، نِهَايَتُهُ:(وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا). إِنَّهُمْ قَوْمُ عَادٍ الَّذِينَ تَزَاهَوْا بِالْمَالِ، وَتَبَاهَوْا بِالْقُوَّةِ، وَسَامُوا غَيرَهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ, فَأَوْرَثَهُمْ ذَلِكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا، وَعِنَادًا وَبَطَرًا: قَالَ اللهُ عَنْهُمْ: (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ). إِرَمْ قَبَائِلُ بِالْيَمَنِ بِالْأَحْقَافِ، وَالْأَحْقَافُ جِبَالُ الرَّمْلِ، فَقَد بَسَطَ اللَّهُ لَهُمْ قُوَّةً فِي أَجْسَادِهِمْ، وَضَخَامَةً فِي أَبْدَانِهِمْ، فَكَانُوا أَقْوَى أَهْلِ زَمَانِهِمْ عَسْكَرِيًّا وَاقْتِصَادِيًّا، وَكَانَتْ لَهُمُ الْخِلَافَةُ! كَانَ قَوْمُ عَادٍ أَصْحَابَ رُقِيٍّ وَعُمْرَانٍ، وَحَضَارَةٍ فِي الْبِنَاءِ، فَمَسَاكِنُهُمْ آيَةٌ فِي الرَّوْعَةِ وَالْفَنِّ!:(ذَاتِ الْعِمَادِ) أَيْ: ذَاتِ الْبِنَاءِ الرَّفِيعِ. وَأَرَاضِيهِمْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، فَزَادَتْ مَوَاشِيهِمْ، وَفَاضَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَكَثُرَ أَبْنَاؤُهُمْ (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).
عَاشَ قَوْمُ عَادٍ حَيَاةَ التَّرَفِ والَّلهو، فَكَانَ الْوَاحِدُ منهُمْ يَرْفَعُ بُنْيَانَهُ وَيُبَاهِي بِهِ، فَتَنَافَسُوا فِي الْبُرُوجِ الشَّاهِقَةِ:(وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) فَمَا مَوقِفُ قَومٍ عَادٍ تُجَاهَ هَذِهِ النِّعَمِ؟
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ قَابَلُوها بِالْكُفْرَانِ وَالْجُحُودِ، فَعَبَدُوا الْأَوْثَانَ، وَفَشَا فِيهِمُ الظُّلْمُ والَجَبَرُوتُ كَمَا وَصَفَهُمُ اللهُ تَعالى:(وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ)! غَرَّتْهُمْ حَضَارَتُهُمْ وَقُوَّتُهُمْ فَقَالُوا:(مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً). فَسَامُوا النَّاسَ سُوءَ الْعَذَابِ! فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُمْ نَبِيَّهُ هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ, فَدَعَا وَذَكَّرَ، وَنَصَحَ وَأَشْفَقَ فَقَالَ:(يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ). ذَكَّرَهُمْ بِنِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ:(فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وَحَثَّهُمْ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَأَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى اللَّهِ يَزِيدُهُمْ خَيْرًا وَقُوَّةً, فَمَا آمَنَ مَعَهُ إلَّا قَلِيلٌ، وَأَكْثَرُ قَوْمِهِ اخْتَارُوا طَرِيقَ الْهَوَى وَالْعِنَادِ, والظُّلْمِ والتَّرَفِ والفَسَادِ! وَسَلَكُوا طَرِيقَ التَّحَدِّيَ والْعِنَادِ فَقَالُوا: (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). يا اللهُ مَا هَذا الصَّلَفُ والجُحُودُ كَيفَ يَقْوَوْنَ على تَحَدِّيِ اللهِ وَمُبَارَزَتِهِ بالْمَعَاصِيَ؟!صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حينَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ؛ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ".
عِبَادَ اللهِ: أتَدْرُوَنَ كيفَ أدَّبَهُمُ اللهُ وَأهْلَكَهُمْ؟ لَقَدْ أَمَرَ سَمَاءَهُ فَأَمْسَكَتْ، وَأَرْضَهُ فَأَجْدَبَتْ، فَعَاشَتْ عَادٌ تَتَشَوَّفُ غَيْثَ السَّمَاءِ وَتَتَحَيَّنُهُ زَمَنًا، حتى أَذِنَ اللَّهُ لِلْهَوَاءِ أَنْ يَضْطَرِبَ وَيَهِيجَ، وَيَثُورَ وَيُزَمْجِرَ، فَإِذَا هُوَ يَسُوقُ السَّحَابَ سَوْقًا، فَلَمَّا رَأَوْهُ مُسْتَقْبِلًا أَوْدِيَتَهُمُ اسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا، قَالَ اللَّهُ:(بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ). رِيحٌ بَارِدَةٌ عَاتِيَةٌ، مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَليهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ، رِيحٌ عَقِيمٌ (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).سَخَّرَهَا عَلَيْهِمُ الْجَبَّارُ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومَاً، أَفْنَتْهُمْ فَمَا أَبْقَتْ لَهُمْ شَيئًا، فَاَنْدَّقَتْ أَعْنَاقُهُمْ، وَكُسِرَتْ شَوكَتُهُمْ, وَهَذَا جَزَاءُ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي الدُّنْيَا، تَرَاهُمْ صَرْعَى (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ). يَا الَلَّهُ! تَصَوَّرْ هَذَا الْإِنْسَانَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمُنَكَّسَةِ فَقَدْ كَانَ بِالْأَمْسِ يُنَادِي: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟! فَأُفٍّ لإِنْسَانٍ يَظُنُّ أَنَّهُ خُلِقَ لِيَتَعَالَى عَلَى خَلْقِ اللَّهِ! أُفٍّ لِحَضَارَاتٍ وَدُوَلٍ تَسْتَرْخِصُ الدِّمَاءَ، وَتَتَسَلَّطُ عَلَى الضَّعَفَةِ وَالْأَبْرِيَاءِ، وَتَدُوسُ على كَرَامَاتِهِمْ! وَلِسَانُ حَالِهَا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟!
اللهُ أَكْبَرُ ولا إلهَ إلَّا اللهُ؛ هَذِهِ نِهَايَةُ الطُّغْيَانِ، وَخَاتِمَةُ التَّعَالِي والْظًّلْمِ وَالنُّكْرَانِ، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ. يَقُولُ نَبِيُّ الْمَرْحَمَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ». فاللهمَّ أرِنَا فِي الْطُّغَاةِ والْظَّلَمَةِ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ, وَسَلِّطْ عَلَيهِمْ جُنْدًا مِنْ جُنْدِكَ يَا قَويُ يَا قَادِرُ يَا عَزِيزُ يَا قَاهِرُ, وَأسْتَغْفِرُ اللهَ فاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، اَشْهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ خَالِقُ النَّاسِ أجْمَعِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ البَرُّ الأمِينُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَك عَليهِ، وَعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعدُ. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ تَقْوَاهُ, وَاحْذَرُوا الظُّلْمَ وَسُوءَ عُقْبَاهُ، فَإِنَّهُ ظُلُمَاتٌ لِمَنْ تَغَشَّاهُ! حَرَّمَهُ اللهُ على نَفْسِهِ فَقَالَ: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا). وَقَالَ اللهُ فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا». إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: مَا أَحْوَجَنَا فِي عَصْرٍ سَادَ فِيهِ الصِّرَاعُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْإِيمَانِ وَالنِّفَاقِ، وَالْإِصْلَاحِ وَالْإِفْسَادِ أَنْ نُورِدَ قُلُوبَنَا قَصَصَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَهِيَ مَنَارَاتُ هُدًى, تَزْرَعُ فِي الْقُلُوبِ الْإِيمَانَ، وَتَشْحَنُهَا بِالْيَقِينِ، وَتُعِيدُ لِلْمُؤْمِنِ تَوَازُنَهُ فِي رُؤْيَتِهِ وَتَفْكِيرِهِ، وَتَفْسِيرِهِ لِلْأَحْدَاثِ.
عِبَادَ اللَّهِ: فِي خَبَرِ قَوْمِ عَادٍ عِبَرٌ وَعِظَاتٌ، أَنَّ إِيذَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُصْلِحِينَ هِيَ سِيَاسَةُ الْمُفْسِدِينَ الْمُتَجَبِّرِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، لِذَا حَذَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ"! فَيا وَيلَ مَنْ يُؤذُونَ الأَبْرِيَاءَ!
يَا مُؤمِنُونَ: فِي خَبَرِ قَومِ عَادٍ قَانُونٌ سَمَاوِيٌّ لَا يَتَغَيَّرُ، فَكُلُّ دَوْلَةٍ سَادَتْ ثُمَّ ظَلَمَتْ وَبَطَشَتْ وَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَمَآلُهَا إِلَى زَوَالٍ، وَأَمْرُهَا إِلَى بَوَارٍ, قَالَ اللهُ تَعَالَى:﴿إِن نَّشَأ نَخسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَو نُسقِطْ عَلَيهِم كِسَفاً مِّنَ السَّمَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبدٍ مُّنِيبٍ﴾.
عِبَادَ اللهِ: الأَعَاصِيرُ والْحَرَائِقُ مِن أَمرِ اللَّهِ تَعَالَى وَجُنْدِهِ يُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ! لِحِكَمٍ بَالِغَةٍ كَمَا قَالَ رَبُّنَا: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا).
فَسُبْحَانَ مَنْ جَلَّتْ قُدْرَتَهُ بِأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ! مُدُنٌ عَامِرَةٌ نَضِرَةٌ: (أَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ). فَتَحَوَّلَتْ تِلْكَ الْمُدُنُ النَّاضِرَةُ العَامِرَةُ خَرَابًا يَبَابًا! وَتَبَدَّلَ الأَمْنُ خَوفًا! وَالحَيَاةُ مَوتًا وَبُؤسًا! أَمَّا القَتْلَى والْجَرْحَى فبالْمِئَاتِ! وَالخَسَائِرُ بِالْمِلَيَارَاتِ! وَاسْتَبَدَّ الأَلمُ بِالجَمِيعِ حتَّى خُيِّلَ إليهِمْ أَنَّ القِيَامَةَ قَامَتْ! وَأَنَّ الدُّنْيَا انْتَهَتْ! وَأَصْدَقُ الْقَائِلِينَ يَقُولُ: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).
أيُّها الْمُؤمِنُونَ: صَدَقَ اللهُ العَظِيمُ: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً). فَأَينَ التَّطوُّرُاتُ العِلْمِيُّةُ, والْصَّنَاعَاتُ الْكُبْرى عَنْ صَدِّ ذَلِكَ؟ حَقًّا إنَّها رَسَالةٌ لِمَنْ اغْتَرَّ بِعِلْمِهِ! بَأَنَّهُ ضَعِيفٌ أَمَامَ قُدرةِ اللهِ، عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِ أَمْرٍ كَتَبَهُ اللهُ: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ).
عِبَادَ اللهِ: فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَحْدَاثِ تَشْعُرُ بِجَلالِ اللهِ وعَظَمَتِهِ وسُلْطَانِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ). فَيُدْرِكُ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ أنَّهم مُلْكٌ للهِ وَعَبِيدُهُ رَاجِعُونَ إلى حُكْمِهِ وَتَدْبِيرِهِ. فَكَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ نَسْتَشْعِرَ عَظَمَةَ اللَّهِ، وَقَدْ أُمْطِرْنَا بِالشَّهَوَاتِ، وَالْتَفَّتْ حَوْلَنَا الشُّبُهَاتُ وَالْفِتَنُ والشَّهَواتِ. جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِظَةِ وَالِاعْتِبَارِ، وَأَبْعَدَ عَنَّا مُوجِبَاتِ غَضَبِهِ، وَجَمِيعَ سَخَطِهِ. فَاللهمَّ لا تَجعل الدُّنيا أَكبرَ هَمِّنا ولا مَبلَغَ عِلمِنَا، ولا تَجعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا ،اللهمَّ أَصلِح لَنا دِينَنا الذي هو عِصمَةُ أَمرِنا, وَدُنيانا التي فيها مَعَاشُنا، وَآخِرَتَنا التي إِليها مَعَادُنا، اللَّهُمَّ اعصِمْنَا من الْفِتَنِ والزَّلَلِ, اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وجَمِيعِ سَخَطِكَ. اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ أدم علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ, وَوفِّقْ وُلاتَنَا لِمَا تُحْبُّ وَتَرْضَى وَأَعِنْهُمْ عَلى الْبِرِّ والتَّقْوى. وَاجْزِهِمْ خَيرًا على خِدْمَةِ الإسْلامِ والْمُسْلِمِينَ. وَعَلى إغَاثَةِ إخْوَانِنَا فِي سُورِيَا وَفِلسْطِينَ. اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والْمُسلمينَ أجمَعينَ. واغفر لنا ولِوالدينا والْمسلمينَ أجمعينَ. ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ. (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

 0  0  90
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 07:45 صباحًا الأربعاء 22 رجب 1446 / 22 يناير 2025.