• ×

02:40 صباحًا , الخميس 10 جمادي الثاني 1446 / 12 ديسمبر 2024

لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ 5/6/1446هـ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ 5/6/1446هـ
الحمدُ لله أنعَمَ علينا بالأموالِ، وفَّق من شاءَ لِكَسْبِها بالحلالِ، وحذَّرَنا من الفَسَادِ والحَرَامِ, وجَعَلَ عاقِبَتَهُ الْمَحقَ والنَّكالَ, أَشهدُ ألا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له ذو العظمةِ والجلالِ, وَأَشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه الْمبعوثُ بأكملِ الشَّرائعِ وأعدَلِ الْخِصَالِ, صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يومٍ الْمآل. أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ في أنفسِكم وأعمالِكم وأموالِكم: يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأرْضِ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ .
عبادَ اللهِ: الْمَالُ زينةُ الحَيَاةِ الدُّنيا، والإسلامُ لا يمنعُ طَلَبَهُ بِطريقِ طِيبِهِ وحِلِّهِ، والْمَالُ لا يطلبُ لذاتِهِ، لأنَّهُ وَسِيلَةٌ لا غَايَةٌ، قَالَ اللهُ سُبحانهُ: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون .فَمَا أَسْعَدَ مَنْ عَمِلَ طيِّباً وَكَسَبَ طيِّباً! وَمَا أَتْعَسَ وأَشقَى مَنْ كَسَبَهُ مِن الحَرامِ! فإنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ .صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليكَ وَسَلَّمَ حِينَ قُلْتَ:(يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلالِ أَمْ مِنْ الحَرامِ).فَكَيفَ سَيُواجِهُونَ اللهَ تَعَالىَ مَنْ يَستَدِينُونَ ولا يُوفُونَ! ويَسْرِقُونَ ويَغُشُّونَ! مَنْ يَستَعمِلُونَ الأَيمَانَ الفَاجِرَةَ! ليُنَفِّقُوا السِّلَعَ وَيُغَرِّروا بالْمُشتَرِينَ! كَيفَ سَيُواجِهُونَ اللهَ مَنْ يَتَخَوَّضُونَ بِالحَرَامِ, وَيُزَوِّرُونَ فِي العُقُودِ. وَرَسُولُنا قَالَ:(يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتِ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ).
عبادَ اللهِ: رَسُولُ اللهِ قالَ:(وَاللهِ مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ). فَمَنْ يتَأمَّلُ الحديثَ يَرَى بأُمِّ عَينِهِ كَيفَ تَهَافَتَ كَثِيرٌ مِن إخوانِنَا على الدُّنْيا, وَتَقَحَّمُوا الحَرَامَ, وَاجْتَرَؤُا على الأَمْوالِ العَامَّةِ! فَتُدْرِكُ يَقِينَاً أنَّ رَسُولَنا لا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى! حينَ قَالَ :(وتُهلِكَكُم كَمَا أهْلَكَتْهُمْ).كَفَاهُم خِزْيَاً وَعَارَاً, أنَّهُمْ اُتِّهِمُوا على رُؤوسِ الأشْهَادِ! حَالُ الفَاسِدِينَ بِالأمْوالِ كَحَالِ الْمُرَابِينَ, الذينَ أَعْلَنُوا حَرْبَهم على اللهِ! فَهُم كالْمَجَانِينَ بِجَمْعِ الْمَالِ مِن غيرِ حِلِّهِ فَكَانَ جَزَاؤُهُمْ أنَّهم يَقُومُونَ يومَ القِيامَةِ كالْمَصرُوعِ الذي بِه مَسٌّ مِن الجنِّ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا). ألَمْ يَسْتَمِعَ هؤلاءِ لِقَولِهِ تَعَالَى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ . فَلَقَدْ تَوَعَّدَهُمُ اللهُ بِذَهابِ بَرَكَةِ أَموالِهم ذَاتَاً وَوصفْا، إنْ أَنفَقُوا مِنْهَا لَمْ يُؤجَروا عليهِ وإنْ ادَّخَرُوهَا صارَتْ حَسْرَةً عليهم بَلْ زَادًا لهم إلى النَّارِ وَبِئسَ القَرارِ! وتأمَّلوا يا رعاكُمُ الله: كيف ختمَ اللهُ الآيةَ بقولِهِ: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ؟.فالْمُرابُونَ, والفَاسِدُونَ الْمُفْسِدُونَ, لا يُحِبُّهمُ اللهُ ولا يُوَفِّقُهم لأنَّهم فَجَرُوا بِأَكلِ الْمَالِ واستِحلالِهِ, وتَسوِيغِهِ لِمَنْ حَولَهُمْ. قَالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ), لِنِعَمِ اللهِ عليهِ ،لا يُؤدِيَ مَا أَوْجَبَ اللهُ عَليهِ مِن الصَّدَقَاتِ، وَلا يَسْلَمُ مِنْ شَرِّهِ عِبَادُ اللهِ, فَهُوَ أَثِيمٌ: قَدْ فَعَلَ مَا هُوَ سَبَبٌ لِإثْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ!. فاللهمَّ أرنا الحقَّ حَقَّا وارزقنا اتِّباعَهُ وأرنا البَاطِلَ باطِلا وارزقنا اجتنابهُ. وأغننا بحلالكَ عن حرامِكَ وبفضلِكَ عمَّن سواكَ واستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِسائِر المُسلمين من كلِّ ذنَّبٍ فاستغفروهُ وتُوبوا إليهِ إنَّ ربَّي غفورٌ رحيمٌ.
الخطبةُ الثانية/
الحمدُ لله الذي أغنانا بِحلالهِ عن حرامِهِ، وبِفضلِهِ عمَّن سِواهُ, أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهَ لا رَبَّ لنا إلاَّ إيَّاهُ، وَأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه ومُصطَفَاهُ, الَّلهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِهِ ومَنْ اهتدى بِهداهُ. أمَّا بعد: فأوصيكم عبادَ الله: ونفسي بتقوى اللهِ, ثُمَّ اعلموا أنَّ قيمةَ الْمُسلمِ ليست بِكثرةِ أموالِهِ وأرزاقِهِ! (فإِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ).وليسَ للإنْسَانِ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا أَكَلَ فَأَفنَى، أو لَبِسَ فَأبلَى، أو تَصَدَّقَ فأمضى وأبقى! حَقَّاً لقد جَعَلَ اللهُ الْمالَ فتنةً لنا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ .والْمَالُ النَّافِعُ ما نُقَدِّمُهُ لأنفسِنا ذُخْرًا عِندَ ربِّنا، وفي الحديث قَالَ رسولُ اللهِ :(أيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أحبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟). قالوا: يَا رسولَ اللهِ، مَا مِنَّا أحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أحَبُّ إِلَيْهِ. قَالَ:(فإنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أخَّرَ).
أيُّها الْمُؤمنونَ: وممَّا خَطَبَهُ شيخُنا بنُ العُثيمينَ رحمهُ اللهُ قَولُهُ:(عبادَ اللهِ: الأموالُ فِتنَةٌ في تَحصِيلِها، فِتنَةٌ في تَصرِيفِها، وأَسعَدُ النَّاسِ مَنْ اكتَسَبَها مِن طُرُقِها الْمَشرُوعَةِ، وأَشقَاهم مَن اكتَسَبَها على غَيرِ الوَجهِ الشَّرعِيِّ, فصاروا يجتَرِئُونَ على الحَرَامِ ويَأكُلُونَه, لا يُبَالُونَ مِن أينَ أَخَذُوهُ أَمِنَ حَلالٍ أمْ مِن حَرَامٍ؟ فالحَلالُ مَا حَلَّ بِأيديهم والطَّريقَةُ الْمُبَاحَةُ لِلكسبِ مَا أمْلتُه عليه أهواؤهُم وَشَهَواتُهُم! فاتَّقوا اللهَ يا مُسلِمونَ وَحَلِّلُوا مَكَاسِبَكُم واجعَلُوها غَنِيمَةً لَكم تُعِينُكُم على طَاعَةِ اللهِ ولا تَجعلوها غُرْمَاً عَليكم فَتَفقِدوا بَرَكَتَها وتَستَحِقُّوا عُقُوبَةَ اللهِ عليها).
اللهُ أكْبَرُ عبادَ اللهِ: ألَمْ تَرَوا مَا أَحَلَّ اللهُ بِأهْلِ الفَسَادِ مِنَ الفَضِيحَةِ والعَارِ, وَمَا يَنْتَظِرُهُمُ إنْ لَمْ يَتُوبُوا لِرَبِّهِمْ وَيَرُدُّوا الحُقُوقَ لِأَهْلِهَا, عِنْدَ اللهِ أشَدُّ وَأنْكَى! فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ».
أيُّها الكِرَامُ: في ظِلِّ مَسرَحِيَّاتِ التَّلاعُبِ والتَّحَايُلِ والفَسَادِ التي تَتَكَشَّفُ كُلَّ حِينٍ, نُبصِرُ بجلاءٍ أَنَّ هُنَاكَ مَسلَكًا وَاضِحًا, وَطَرِيقًا آمِنًا, بِأنَّ تَتَّبِعَ قَولَ الرَسولِ الأكْرَمِ : (إنَّ الحلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَينَهُما أُمُورٌ مُشتَبِهَاتٌ لا يَعلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ استَبرَأ لِدِينِهِ وعِرضِهِ، وَمَن وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، كالرَّاعِي يَرعَى حَولَ الحِمَى يُوشِكُ أَن يَرتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ محارِمُهُ). ألا فاتَّقوا اللهَ يا أهلَ الإسلامِ، فَلن تزولَ قَدَمَا عبدٍ يومَ القِيامةِ حتى يُسألَ عن مالِهِ من أينَ اكتَسَبَهُ وفِيمَ أنْفَقَهُ. فَأَكْلُ الحرامِ يُعمي البَصِيرَةَ، ويوقعُ في حبائِلِ الدُّنيا وغَوَائِلِها، و(قَدْ أفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وقَنَّعَهُ الله بِمَا آتَاهُ). اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ .فاللهم لا تجعل الدُّنيا أكبرَ هَمِّنا، ولا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، ولا إلى النَّار مَصِيرَنَا، وَقَنِّعنا بما آتيتناَ, وبارك لنا فيما رَزَقْتَنَا, اللَّهُمَّ اكْفِنَا شَرَّ الفَوَاحِشِ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوفِّق وُلاةَ أُمُورِنَا لِمَا تُحبُّ وَتَرْضَى وَأَعِنْهُمْ على البرِّ والتَّقْوَى. وَاجْزِهِمْ خيرًا على خِدْمَةِ الإسلامِ والْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ انصُرْ جُنُودَنا واحفظ حُدُودَنا والْمُسلِمِينَ أجمَعينَ. (رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

 0  0  110
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 02:40 صباحًا الخميس 10 جمادي الثاني 1446 / 12 ديسمبر 2024.