• ×

03:56 مساءً , السبت 21 جمادي الأول 1446 / 23 نوفمبر 2024

كُنْ دَائِمَ الْصِّلَةِ بِاللهِ تَعَالى 3/10/1445هــ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
كُنْ دَائِمَ الْصِّلَةِ بِاللهِ تَعَالى 3/10/1445هــ
الحمدُ للهِ ذِي الْمَنِّ وَالعَطَاءِ، أَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ على جَزِيلِ النَّعْمَاءِ, وأَشهدُ أنَّ نبينَا محمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إمَامُ الْحُنَفَاءِ, صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلِهِ، وَأَصحَابِهِ وَالتَّابعينَ لَهُمْ بِإحسانٍ إلى يَومِ الْجَزَاءِ. أمَّا بعد: فاتَّقوا اللهَ أيُّها الْمُسلمونَ، واستقيموا على الخيرِ والطَّاعةِ, فهَنِيئًا لِمَنْ وُفِّق للصِّيامِ والقِيامِ! هنيئًا للتَّائبينَ! و(إنَّما يتقبلُ اللهُ من المُتَقينَ).
أيُّها الْمؤمنونَ: يَمتَازُ دِينُنا أنَّهُ دَائِمُ الصِّلَةِ باللهِ تعالى، في رمضانَ وشوَّالَ وَكلِّ زمانٍ ومَكَانٍ، كَمَا قَالَ رَبًّنَا جَلَّ وَعَلا: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). من هنا انتَقَلَت عبودِيَّتُنا للهِ مِنَ التَّكلِيفِ إلى التَّشريفِ قَالَ اللهُ تَعالى:(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ). وَبِفَضْلِ اللهِ تَعالى لم يَقِفِ الارتباطُ بالخالقِ بالفَرَائِضِ فَحَسْبُ؛ بَلْ حتى النَّوافِلَ, فَفي الحديثِ القدسيِّ يقولُ اللهُ تَعَالى:" وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ". فاللهُ يحفظُكَ عن الحَرَامِ، ويُعِيذُكَ من الشَّيطانِ إذا ازْدَدتَ مِنهُ عِبَادَةً وَتَقَرُّبَاً. يا مسلمونَ: شَرَعَ لنا رَبُّنا أَعمَالاً بَقِيَّةَ العَامِ تُمَاثِلُ الصِّيامَ والقِيامَ: ف "مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ". وَقَالَ صلى الله عليه وَسَلَّمَ: " مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". فكانت تلكَ الأعمالُ دافعاً على الجِدِّ والاستمرارِ في العملِ ولهذا كانَ من تَوجِيهَاتِ نبيِّناَ صلى الله عليه وسلم أنْ قَالَ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ ". ولا شَكَّ أنَّ الدَّوامَ على العملِ الصَّالِحِ سِرٌّ من أَسرَارِ العُبُودِيَّةِ للهِ, وفيهِ عَدَمُ مِنَّةٍ بِالعمَلِ, فَالْمِنَّةُ للهِ تعالى أنْ وفَّقَكَ وشَرَّفكَ بِعِبَادَتِه. فيا مَن صُمتم وأحسنتُم: لازِمُوا ما اعتَدتم عليهِ من الخيرِ في رَمَضَان ولا تَنْقَطِعُوا عنه، وَخُذُوا مِن العَمَل مَا تُطِيقُون. (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ). فالقليلُ الدَّائِمُ يَنْمُو ويزكو، والكثيرُ الشَّاقُّ يَنْقَطِعُ ولا يَدُومُ. قَالَ قَتَادَةُ رَحمَهُ اللهُ: من استطاعَ منكم ألاَّ يُبطِلَ عَمَلاً صَالِحَاً عَمِلَهُ بِعَمَلٍ سَيءٍ فَلْيفْعَلْ، ولا قُوَّةَ إلا باللهِ؛ فإنَّ الخَيرَ يَنْسَخُ الشَّرَّ، وإنَّ الشَّرَ يَنْسَخُ الخَيرَ, وإنَّ مِلاكَ الأَعمَالِ خَوَاتِيمُها". بارك الله لنا في القرآنِ والسُّنَّةِ، ونفعنا بما فيهما من البَيِّنَاتِ والحكمة. أقولُ ما سمعتم وأستغفرُ اللهَ فاستغفروه؛ إنَّهُ هو الغفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله الكريمِ الْمنَّانِ، أَشهدُ ألاَّ إله إلاَّ اللهُ وحده لا شريك لهُ (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ). وأشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمْدَاً عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ. أمَّا بَعدُ: فعليكم بتقوى اللهِ سبحانه ولزومِ طاعتِه، (وَمَنْ يَتِّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسرًاْ). عِبادَ اللهِ: اللهُ جَلَّ وَعَلا يَتَحبَّبُ إلينا بمواسمِ الخير لرفعةِ درجاتِنا، وَتَهذِيبِ أَروَاحِنَا؛ نعم، ودَّعنا رمضانَ، ولكنْ لن نودِّعَ الطاعةَ والعبادةَ؛ بَلْ سَنُوَثِّقُ العهدَ مع ربِّنا، ونُقوِّيَ صِلَتِنَا بِخَالِقِنا؛ لِيبْقى نَبْعُ الخَيرِ مُستَمِرَّاً. أمَّا أولئك الذين يَنقُضونَ عهدَ اللهِ، ويَهجُرونَ الْمساجد معَ أوَّلِ أَيَّامِ العِيدِ، وَحَاشَاكَ أنْ تَكُونَ مِنْهم! فَبِئْسَ القومُ أولئكَ! فقد ارْتَدُّوا على أَدْبَارِهِم، وَنَكَصُوا على أعقَابِهم، كَمَا حَذَّرَ اللهُ مِن ذَلِكَ فَقَالَ: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا). قالَ الشَّيخُ السَّعديُّ رَحِمهُ اللهُ ما مفادُهُ: فلا تَتَّصِفوا بِأَسوأِ الأَمثَالِ وأَقبَحِها وأَدَلِّها على سَفَهِ مُتَعَاطِيها، كَمَنْ تَغزِلُ صُوفاً قَوِيَّا فَإذَا استَحكَمَ وَتَمَّ, نَقَضَتْهُ فَفَكَّكتْهُ! فَتَعِبَت في غَزْلِهِ ثُمَّ على نَقْضِهِ، ولمْ تَستَفِد سِوى الخَيبَةِ، والعَناءِ، ونَقْصِ الرَّأيِّ، والعَقلِ.
يَا مُؤمِنُونَ: أبشروا يا مَنْ صُمتُم وقَرَأتُم وَتَصَدَّقتم، فلِعَمَلِكُمُ الصَّالحُ جَزَاءٌ في الدُّنيا وَثَوَابٌ في الآخرةِ, كمَا قَالَ تَعالى:(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة). أَبْشِروا: فَثَوابُ طَاعَتكمِ ثَبَاتٌ على دِينِ اللهِ تَعَالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ).
أَبشِروا يا مَنْ صُمتُم وَتَقَرَّبْتُمْ! فَجَزاءُ عَمَلِكُمُ الصَّالِحُ مودَّةٌ في قُلُوبِ الْمُؤمِنِينَ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا). قالَ الشيخُ السَّعدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وهذا مِن نِعمَةِ اللهِ على عباده، الذين جَمَعوا بينَ الإِيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ، أنْ وَعدَهم مَحبَّةً و وِدَاداً في قُلوبِ أَوليائِه، وأهلِ السَّماءِ والأَرضِ، وإذا كانَ لَهم ذَلِكَ تَيَسَّرَتْ لهم أمورُهم، وحصلَ لهم من الخيراتِ ما حَصَلَ. أبشروا فجزاءُ عَمَلِكُم الصَّالِحُ تَفريجُ كُرُوبِكم، وَتَيسِيرُ أُمُورِكم، والرِّزقُ الواسعُ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
عباد اللهِ: لا قِيمَةَ لِطَاعةٍ دُونَ أن يكونَ لها أثرٌ مِنْ خَشيَةٍ أو تَقْوى، وما شُرعَ الصِّيامُ إلاَّ لِتَحقِيقِ التَّقوى؛ فَأينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا هُجرَ القُرآنُ، وضُيِّعَتِ الصَّلاةُ، وانتُهكت الْمُحَرَّمَاتُ؟ أَينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا أُكِلَ الرِّبَا، وأُخِذَت أَموالُ النَّاسِ بِالبَاطِلِ؟! أَينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا عَقَّ الولَدُ والِدَيهِ, وأَسَاءَ الزَّوجُ لِزَوجَتِهِ وأَولاَدِهِ؟! فَيَا أَهْلَ الصِّيامِ اللهُ تعالى لا يُرِيدُ منَّا عِبَادَاتٍ جَوفاءَ, وجهداً ومَشَقَّةً وعَنَتاً. فاللهم إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ من كلِّ خَلَلٍ وَزَلَلٍ وتقصير. فاللهم تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ, وتب علينا إنَّك أنت التَّوابُ الرحيمُ. اللهم اجعل مستقبلنا خيراً من ماضينا. اللهم إنَّا نسألكَ الثَّباتَ على الأمرِ، والعزيمةَ على الرُّشدِ، والغنيمةَ من كلِّ بِرٍ، والسلامةَ مِن كلِّ إثم، والفوزَ بالجنة، والنجاةَ من النَّار. اللهم ارزقنا الاستقامة على دِينِكَ، اللهم زدنا هدىً وصلاحاً وتوفيقَاً. اللهم اغفر لنا ولوالدينا والمُسلِمينَ يا ربَّ العالمين. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الكفر والكافرينَ، ودَمِّر أعداء الدِّينِ, وانصر إخواننا المجاهدينَ في سبيلكَ في كلِّ مكانٍ, اللهم انصُرْ جُنُودَنا واحفظ حُدُودَنا. ووفَّقْ ولاةَ أُمُورِنا, وَاجْزِهِمْ خَيرًا عَلى خِدْمَةِ الإسْلامِ والْمُسْلِمِينَ. واغفر لنا ولوالدِينا وللمسلمينَ أجمعينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 0  0  225
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 03:56 مساءً السبت 21 جمادي الأول 1446 / 23 نوفمبر 2024.