وَاكتَمَلَ رَمضَانُ 1/10/1445هــ
الحمدُ لله ذي الْمنِّ والعطاءِ، أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ تَفَضَّل علينَا بِحُسْنِ الثَّوَابِ وَالجَزَاءِ، وَأشهدُ أنَّ نبينَا محمداً عبدُ الله ورسولُهُ، إمامُ الحُنَفَاءِ، حَرِصَ علينا فَعَلَّمَنا، ونَصَحَ فَجَعَلَ شَفَاعَتَهُ لنا: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ). صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ؛ والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّينِ. أمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ يَا مُسلِمُونَ، طَرِيقُ التَقوَى مَن سَلَكَهُ رَشَدَ، وَمَن جَانَبَهُ ضَلَّ وابتعد. واسْتَقِيمُوا على الطَّاعةِ، إلى أنْ تَقومَ السَّاعةُ. (واعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ). هنيئًا لِمَنْ وُفِّق للصِّيامِ والقِيامِ، هنيئًا للتَّائبينَ، هَنِيئاً لَنَا جَمِيعَا بِقَولِ نَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنبِّهِ). قُلُوبُنا يَا مُؤمِنُونَ بَينَ خَوفٍ وَرَجَاءٍ، وَأَلْسِنَتُنَا تَلْهَجُ للهِ بالدُّعاءِ أنْ يَتَقَبَّلَ منَّا، و: (إنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَقينَ).اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ. أيُّها الْمُسلِمُونَ: العيدُ جُزءٌ من شَرِيعَتِنَا الإسلامِيَّةِ، أعيادُنا رَبَّانِيَّةٌ ليست كأعيادِ البَشرِ، لَيسَت لِمَولِدِ عَظِيمٍ، وَلا لِتَوَلِّي مَلِكٍ، وَلا هِيَ تَحَلُّلٌ مِن قُيُودِ الشَّرعِ, فَلَقَدْ أَظهَرَ نَبِّيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الفَرَحَ والسُّرُورَ بِأَعيَادِنَا في شَرعِهِ وفِعْلِهِ، فَلَبِسَ أحسنَ ثِيابهِ, وأَذِنَ لِلمُسلِمِينَ بَأَنْ يَفرَحُوا، وأقرَّ الفَرَحَينَ على فَرَحِهم، وخيرُ الهَديُ هديُ مُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. أعيادُنا فَرَحٌ بِإِكمَالِ العِبَادَاتِ، ودُعَاءٌ بقَبُولِها: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). وللصائمِ فَرحَتَانِ: إذا أَفطرَ فَرِحَ بِفِطرِه، وإذا لَقِيَ ربَّه فَرِحَ بصومِهِ. والحمدُ اللهِ على تَمَامِ رَمَضَانَ، واكتمالِهِ؛ فقد أمَّدَ في أعمارِنا وَوَسَّعَ أرزَاقَنا، وأمَّنَنَا في أوطَانِنِا، وَصُمْنَا شَهْرَنَا بِأمْطَارٍ وَجَوٍّ بَاردٍ فَلا نُحْصِي ثَنَاءً عَليكَ يَا رَبَّنَا. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمْدُ. أيُّها الْمسلمونَ: حُقَّ لنا أنْ نَفرحَ بعيدِنا, فَنَحنُ في يوم الجَوائِزِ، فيا من أدَّيتم فرضَكُمْ أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكم, وثِقوا بحسنِ جَزَائِهِ, انْشُروا الْمَحبَّةَ بينَكُم, وتزاورُوا وتَبَادَلُوا التَّهاني والدَّعواتِ بِعُمُرٍ مَدِيدٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ سَدِيدٍ. اليومَ فرحٌ وسرورٌ, نريدُكَ أنْ تعيشَ مُبتَهِجًا مُتفائِلاً, بتلك بِإنجازاتِكَ في رَمضانَ! أمَّا مَا فِينا من مُشكِلاتٍ وأحزانٍ, وتَقصِيرٍ وخَطَايَا, فَلا يَنْبَغِي أنْ تَمْنَعَنا فَرَحنَا الْمَشرُوعَ. فالابتِلاءَاتُ والهُمُومُ مِن سُنَنِ اللهِ فِي خَلِيقَتِهِ! والأَيَّامُ أيَّامُ اللهِ. وَالأَمْرُ أَمْرُهُ: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ).
عِبَادَ اللهِ عِيدُنَا: ثَبَاتٌ على الحَقِّ فَلَقَدْ رَدَّدْنَا فِي سُجُودِنَا اقْتَدَاءً بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِنَا: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قَلْبِي عَلَى طَاعَتِكَ). فَمَا أَحْوَجَنَا لِلحَدِيثِ عَنِ الثَّبَاتِ فِي زَمَنِ جُنُونِ الْأَفْكَارِ، وَتَزْوِيرِ الْهُوِيَّاتِ, فِتَنٌ خَطَّافَةٌ تَمُوجُ بِأَهْلِهَا مَوْجًا، وَتَرْمِيهِمْ فِي دَرَكَاتِ التَّقَلُّبَاتِ فَوْجًا فَوْجًا! فَلَا يَسَعُكَ يا مُسْلِمُ وَأَنْتَ تَرَى مَا تَرَى إِلَّا أَنْ تُنَاجِيَ رَبَّكَ: (يَا مُقَلِّبَ الْقَلْبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ). كَلِماتُ الثَّباتِ يَا عَبْدَ اللهِ تُخاطَبُ بِهَا أَنتَ، فإيمَانُكَ وَمُعْتقَدُكَ وَأَخْلاقُكَ أَعْظَمُ مِنَّةٍ تَنْعَمُ بِهَا، فلَا أَمَانَ لَكَ إِلَّا بِتَثْبِيتِ اللَّهِ لَكَ، فَالثَّبَاتُ عَلى الحَقِّ لَا يَحُوزُهُ الْمَرْءُ بِمَالِهِ وَذَكَائِهِ، بَلْ مِنْحَةُ الْكَرِيمِ الرَّحْمَنِ .(وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ). وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دَائِمَا يُرَدِّدُونَ: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا). نَتَحَدَّثُ عَنِ الثَّبَاتِ عَلى الحَقِّ؛ لِأَنَّنَا فِي وَاقِعٍ مُنْفَتِحٍ وَمَفْتُوحٍ، غَزَتْ الِانْحِرَافَاتُ فِيهِ الْبُيُوتَ, وَلِأَنَّ الْمُنْتَكِسِينَ والْسُّفَهَاءَ يُصَدَّرُونَ وَيَتَصَدَّرُونَ عَبْرَ وَسَائِلِ الإعْلامِ! نَتَواصَى بالثَّبَاتِ؛ لِأَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَبْنَائِنَا وَفَتَيَاتِنَا يَبْحَثُونَ عَنِ التَّغْيِيرِ أَيًّا كَانَ نَوعُهُ، وَلَو لَمْ يَعْرِفُوا عَوَاقِبَهُ وَشُئمَهُ! وَاللَّهُ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ. وَاعْلَمُوا يَا رَعَاكُمُ اللهُ: أنَّ الْحَقَّ لَا يَضْعُفُ، إِلَّا إِذَا ضَعُفَ الثَّبَاتُ، وَاهْتَزَّ التَّدَيُّنُ فِي الْقُلُوبِ. فَالثَّابِتُونَ لَا تُغَيِّرُهُمُ الْأَحْدَاثُ، وَلَا يَسْتَخِفَّنَّهُمُ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا). وَتَيَقَّنْ يَا عَبْدَ اللهِ وَيَا أَمَةَ اللهِ أَنَّ فَلَاحَنَا وَنَجَاحَنَا بِثَبَاتِنَا عَلى الْحَقِّ. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمْدُ.
عبادَ اللهِ: تَودِيعُنَا لِرَمَضَانَ: يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ حَازِمَاً وَحاسِمَاً لِشَبَابِنَا وَفَتَيَاتِنَا بِأنْ يَنتَهُوا عَنْ كُلِّ أنواعِ الفِسقِ والتَّبَرُّجِ والْمُجُونِ والتَّهَاوُنِ في شَرْعِ اللهِ تَعالى وأنْ يَأخُذُوا أَمْرَ رَبِّهِم بِجِدٍّ وَتَقْوى! كَفى تَهَاوُناً في الصَّلواتِ, كفى تَشْكِيكَاً في شَرْعِ اللهِ الْمُطَهَّرِ, وانسِيَاقَاً خَلْفَ مَلاحِدَةٍ لا يَقْدُرُونَ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ. ألم يَقُلِ الرَّبُّ الكَرِيمُ: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ). كَمَا يَنبَغِي أنْ يَكُونَ تَودِيعُ رَمَضَانَ حَازِمَاً وَحَاسِمَاً كَذَلِكَ لِكُلِّ فِكْرٍ مُتَطَرِّفٍ ضَالٍّ مَشِينٍ: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمْدُ.
أيُّها الْمُسلِمونَ: لقد كشفَ لنا رمضانُ، أنَّ في نُفُوسِنَا خَيراً كَثِيراً، وأنَّنا قادِرُونَ على فِعْلِ الخَيرِ لأَنْفُسِنَا وَلِدِينِنَا, فلقد عِشْنَا مع القرآنِ فَأَدْرَكنا أَنَّهُ النَّجاةُ والنُّورُ, وصَدَقَ اللهُ: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ). فلا يَسُوغُ لَنا أَنْ نَتَّخِذَهُ وَرَاءَنا ظِهريَّا. لقد علَّمنا رَمَضَانُ مَعنى الجُودِ والبِرِّ والإحسانِ, فلا تَغفُلُوا عن تلك الصِّفاتِ العاليةِ والأخلاقِ الحميدَةِ طِيلةَ العَامِ؟ واللهُ يَعِدِكُم ويقولُ: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ). لقد كَشَفَ لَنَا رَمَضَانُ عن قُوَّةِ صَبْرِنا على شَهَواتِنا! فَهَجَرنا القَنَواتِ والْمُسَلسَلاتِ والشَّبكاتِ وانْقَطَعْنا عن استِرَاحَاتِ الَّلهو التي تضرُّ ولا تنفع! فَأدركنَا أنَّا قادرون على التَّغلُّبِ على أنفسنا وعلى الشَّيطانِ الرَّجيم.
أيُّها الْمؤمنون: يَومُنا عَظِيمٌ وَعِيدُنا سَعيدٌ فاعفُوا وَاصفَحُوا: (أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم). فَقَبْلَ حُسْنِ مَلْبَسِنا دَعوةٌ أنْ نُنَظِّفَ قُلوبَنا، اتْرُكُوا مَا مَضى أنْتُم قُلْتُم ونحن قُلْنَا، وأَنْتُم فَعَلْتُمْ وفَعَلْتُمْ! ردِّدُوا: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ). وَتَذَكَّرُوا قَولَ الله تَعَالَى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). وَرسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَا تَقَاطَعُوا، وَلا تَدابروا، وَلا تباغَضُوا، وَلا تحاسَدُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوقَ ثَلاثٍ) متفقٌ عَلَيْهِ. وعَنْ جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: سمِعْتُ رسُولَ اللَّه ﷺ يقُولُ: (إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ الْمُصلُّون فِي جَزيرةِ العربِ، ولكِن في التَّحْرِيشِ بَيْنهمْ). رواه مسلم. كُنْ مُبَادِرًا بِالسَّلامِ فإنَّ رسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أنْ يهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلاثٍ، فَإنْ مرَّتْ بِهِ ثَلاثٌ فَلْيَلْقَهُ ولْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإن رَدَّ عليهِ السَّلام فقَدِ اشْتَرَكَا في الأَجْرِ، وإنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ باءَ بالإثمِ، وخَرَجَ الْمُسَلِّمُ مِن الهِجْرةِ). فَكَمْ سَمِعْنا والعِياذُ باللهِ! عَن أناسٍ امتلأت قَلوبُهُم حِقدًا عَلَى أَقَارِبِهِم، قَاطَعُوهُم وخَاصَمُوهُم في الْمَحَاكِمِ، لأجلِ أَمرٍ تَافِهٍ, قَليلٍ مِن حُطَامٍ أَو وِشَايَةِ لِئَامٍ، أَو زَلَّةِ لِسَانٍ، فَتَمُرُّ الأَشهُرُ وَالقُلُوبُ تَغلِي، وَتِلكَ وَاللهِ مِن دَلائِلِ الخسرانِ وضعفِ الإيمانِ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)
أيُّها الأَبْنَـاءُ والْبَنَاتُ: أخاطبكم بكلِّ قَلْبي وَكَيَانِي، اتَّقوا اللهَ فِي الوالدين واقدُروا لهذه النِّعمَةِ قَدْرَها، واغتنموا خَيرَهُمَا وَقُرْبَهُمَا فَدُونَكُمْ أَبْوَابُ الجِنانِ ؟!رَدِّدُوا: (رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا). وَأَعْظَمُ العُقُوقِ مَا كَانَ مِنْ وَلَدٍ لِوَالِدِهِ! فَواللهِ لَنْ يُرْفَعَ لَكَ عَمَلٌ! وَلَنْ تُوفَّقَ لأَيِّ خَيرٍ! لأَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثلاثةٌ لا يَقْبلُ اللهُ مِنْهُم صَرْفًا ولا عَدْلاً وَمِنْهُمْ: العَاقُّ لِوَالِدَيهِ). اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ.
مَعَاشِرَ الأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ: صلاتُكم عزِّكُم ونورُكم، وصِلَتُكم بربِّكم وسَبَبٌ لانشِرَاحِ صُدورِكُم، وَتَيسيرِ أُمورِكم وبالْمُقَابِلِ: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى). أُخْتِي الْكَرِيمَةَ: تَيقَّظِي لِدينِكِ ومُستَقْبلِ حَيَاتَكِ وَعِرْضِكِ، فهُناكَ مُتَغَيِّرَاتٌ خَطِيرَةٌ تَحْدُثُ في مُجْتَمَعِنَا! فَكُونِي على حَذَرٍ, فَكَثْرَةُ التِّجْوَالِ في الأسْواقِ وَمَوَاقِعِ الْمَشْرُوبَاتِ والجَلَسَاتِ رُبَّمَا صَارَتْ مَكَانَ فِتْنَةٍ لَكُنَّ وَبِكِنَّ, فَتَذَكَّرِي نِدَاءَ اللهِ لَكِ:(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ(.فَابْتَعِدِي عَنْ مُخَالَطَةِ الرِّجالِ وإبْدَاءِ الزِّينةِ أَمَامَهُمْ، وَتَجَمَّلي بِالحَيَاءِ وَتزَيَّنِي بِالسِّترِ والْحِجَابِ، وَاحذَرِي الْمَلابِسَ الفَاتِنَةَ، وَالأَمَاكِنَ الْمَوبُوءَةَ فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. وَاللهِ يَا كِرَامُ: إنَّنَا بِحاجَةٍ إلى مَنْ وَصَفَهُمُ اللهُ بِقَولِهِ: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَىَ النِّسَاءِ). فَلَا يَغَارُ أَحَدٌ عَلَى مَحَارِمِهِ وَمَحَارِمِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا وَهُوَ غَيُورٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ حَقَّاً. والْغَيْرَةُ مِنْ مَظَاهِرِ الشَّهَامَةِ وَالرُّجُولَةِ، فَأَنتَ أَيُّهَا الرَّجُلُ مَسؤولٌ عَن بَنَاتِكِ وَأَهْلِ بِيتِكَ أَولاً وَأَخِيراً، فَلا أَحَدَ يُجْبِرُكَ عَلى إهْمَالِهِنَّ، فَقَرَارُكَ بِيَدِكَ. أَنتَ أُمِرْتَ مِنَ اللهِ بَأَنْ تَقِيَ نَفْسَكَ وَأَهْلَ بَيتِكَ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ! فَكَيفَ تَرْضَى بِتَبَرُّجِ مَحَارِمِكِ؟ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ». وَلا تُحْبِطْكَ بَعْضُ الْمَظَاهِرِ وَلا تَيأَسْ مِنْهَا فَدِينُ اللهِ غَالِبٌ وَمَنْصُورٌ: فَاللهُ تَعَالى يَقُولُ: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ). أَيُّهَا الْوَلِيُّ: تَفَكَّرْ في مُسْتَقْبَلِ بِيتِكَ وَبَنَاتِكَ. فَأَمَامَهُنَّ مَشْرُوعُ زِوُاجٍ, وَمُسْتَقْبَلٌ بَهِيجٌ, فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمْدُ. عِبَادَ اللهِ: حَافِظُوا على صِيَامِ سِتٍّ من شَوَّالٍ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رَواهُ مُسلِمٌ. واتْرُكُوا الْمُشَكِّكِينَ وَالْمُخَذِّلِينَ فَقَولُ الرَّسُولِ الكَرِيمِ أَتَمُّ وَأَحْكَمُ! ثُمَّ استَقِيموا على العَمَلِ الصَّالحِ وَاثْبُتُوا على الطَّاعَةِ، وانْطَلِقُوا بِعِيدِكُمْ مُبْتَهِجِينَ مُسْتَبشِرِينَ وَقَابِلوا أَهلِيكُم وأَصْحَابِكُمْ وَجِيرَانِكُم وَالعَمَالَةِ الوَافِدَةِ بِالبِشْرِ والتِّرْحَابِ، ولا يعكِّرْ عليكَ الشَّيطانُ عيدَك! وكان من هدي النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُخَالَفةُ الطَّريقِ في العيدِ، عِبَادَ اللهِ: مِنْ مِنْبِرِ الْعِيدِ نُوَجِّهُ بُشْرَى لِمَنْ كَانَ مُرَابِطًا بِخِدْمَةِ إخْوانِهِ مِن رِجَالِ الأَمْنِ, أَو بالْمُستَشفَيَاتِ بِأَنَّكُمْ عَلى خَيرٍ وَعِبَادَةٍ وَبِرٍّ فَمَا حَبَسَكُمْ إلَّا الْعُذْرُ, فَأَنْتُمْ شُرَكَاءٌ لِلْمُتَعَبِّدِينَ! فَحِينَ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ تَخَلَّفَ أُنَاسٌ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عُذْرٍ فَقَالَ عَنْهُمْ مُعْتَذِرًا لَهُمْ وَمُبَشِّرًا لَهُمْ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً, إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا، إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْرِ, حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ, حَبَسَهُمْ الْمرَضُ).
أيُّها الْمُسلِمونَ: مَن كانَ يَعبدُ رَمضانَ فإنَّهُ قد فَاتَ, ومَن كانَ يَعبُدُ ربَّ رَمضَانَ، فإنَّهُ حيٌّ لا يموتُ. فيا مَنْ عَهدناكَ في رمضانَ مُنيباً تَائِباً, مُحافِظاً على صَلواتِكَ, باذِلاً سَخِيَّاً! أَتُرَاكَ بَعْدَ مَا ذُقْتَ حَلاوةَ الإيمانِ تعودُ إلى مَرارةِ العِصيانِ! فاستعذْ باللهِ مِن الحَورِ بعدَ الكَوْرِ, ومن الضلالةِ بعدَ الهدايةِ, ردِّدْ: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوهَّابُ). فاللهم إنَّا نسألكَ بركاتِ هذا العيدِ وجوائزِهِ. وَاجعل عيدَنا فوزاً برضاكَ والجنَّةَ. اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامَه وقيامَه وأعمالَه فأعتقت رقابَهم من النَّار. اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان, اللهم اغفر لنا ولِولِدِينا وجمع المسلمينَ, الأحياءَ منهم والميتينَ, ووفِّق ولاة أمورِنا لِما تُحبُّ وترضى. وَاجْزِهِمْ خَيرًا على خِدْمَةِ الإسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ. وأصلح أحوال المسلمين, وهيئ لهم قادَةً صالِحينَ مُصلِحينَ, اللهم احفظ حُدُودَنا وجُنودَنا. اللهُمَّ مَنْ أَرَدَ دِينَنَا وَبِلادَنَا وَأمْنَنَا وَأخْلاقَنَا بِسُوءٍ فَأشْغِلْهُ فِي نَفْسِهِ وَاجْعَلْ كَيدَهُ في نحْرِهِ يَارَبَّ الْعَالَمِينَ. اللهم وانصر إخواننا الْمُستضعفينَ في كُلِّ مكانٍ ياربَّ العالَمينَ, اللهمَّ وعليكَ بالطُّغاةِ الظَّالِمِينَ, اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمينَ والمسلماتِ الأحياء منهم والأمواتِ. اللهم واجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا وتوفَّنا وأنت راضٍ عنا يا كريمُ: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار (. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).