وَدَاعًا شَهْرَنَا الْمُبَارَك 26/9/1445هـ
الحمدُ لله على جزيلِ عطائِهِ, وسَوابغِ آلائِهِ, أشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحده لا شريك له شهادةً نَرجو بها النَّجاةَ يومَ لقائِهِ, وأَشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُهُ الدَّاعي إلى جَنَّتِهِ ومَرضَاتِهِ, صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه وأَتبَاعِهِ, ودُعاتِهِ وهُداتِهِ, أمَّا بعد. فاتَّقوا الله عبادَ الله: فإنَّ تقوى اللهِ أَفضَلُ مُكتسَبٍ، وطاعتُه أعلى نسبٍ. صَدَقَ اللهُ: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ
بِالأَمسِ أَقبَلَ مُشرقَ الْمِيلادِ شَهْرُ التُّقاةِ ومَوسِمُ العُبَّادِ. واليومَ شدَّ إلى الرَّحيلِ مَتَاعَهُ قد زوَّد الدُّنيا بخيرِ الزَّادِ.
عبادَ اللهِ: ها هو رَمضانُنَا دَنا رحيلُهُ وأزِفَ تحويلُه؛ فَهنيئًا لِمَن زَكت فيه نفسُه، ورقَّ فيه قلبُهُ، وتهذَّبت فيه أخلاقُه، وعظُمَت لِلخيرِ رَغبتُهُ، هنيئًا لِمَنْ عَفَا عنه الكَرِيمُ، وأعتَقَ رَقَبَتَهُ, وصفَحَ عنه رَبُهُ. أيُّها الْمُؤمِنونَ الصَّائِمُونَ: في تَودِيعِ رَمَضَانَ فُرصَةٌ للتَّأمُّل! فلقد عشنا مع القرآنِ الكريمِ تلاوةً وتَدَبُّراً حتى خَشَعَتْ لَهُ القُلوبُ واطمأنَّتِ به النُّفوسُ فآمنَّا وأيقنَّا أنَّ القرآنَ الكريمَ هو الحبلُ والحياةُ, والنُّورُ والنَّجاةُ, وهو الصِّراطُ الْمُستقيمُ: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.فهل يسوغُ لنا أن نبتعدَ عن كتابِ ربِّنا ونَتَّخِذَهُ وَرَاءَنَا ظِهرِيَّا!
أمَّة الصِّيامِ والقُرآنِ: وفي تَودِيعِ رمضانَ فرصةٌ لِأَنْ نُصلحَ الخَللَ, وَنَزْدَادَ من كلِّ وبِرٍّ وعملٍ. فما أجدَرَ أُمَّتَنَا الإسلامِيَّةَ وهي تُودِّعُ مَوسِمَها الأغرَّ، أن تودِّع أوضاعَها الْمَأسَاوِيَّةَ، وجِراحَاتَها الدَّمَويَّةَ، وأنْ تُوقِفَ نَزيفَ الدَّمِ على ثَرَى فِلَسطِينَ الْمُجاهِدَةَ، وَسُوريا الجَرِيحَةِ، فهل عَجَزَ الْمسلمونَ أن يتَّخِذوا حَلاًّ عادلاً يَحقِنُ دماءَ إخوانِهم، ويُعيدُوا لهم حَقَّهم، وَأَمْنَهُم، ومَجدَهُمْ؟
يا مُسلِمُونَ: وأنتم تودِّعونَ موسمَ القُرآنِ والنَّصرِ والتَّمكينِ! أَيقِنُوا أَنَّهُ لا صلاحَ للأحوالِ إلاَّ بالتَّمسُّكِ بالعقيدةِ الإسلامِيَّةِ واتخاذِ القرآنِ الكريمِ مَنهَجا, وجعلِ العَدْلِ مَسلَكاً:الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ. هذا هو الأَمَلُ، وعلينا الصِّدقُ والعملُ, وَقَى اللهُ الْمُسلِمِينَ الفِتَنَ مَا ظَهَرَ منها وما بَطَنَ!
أيُّها الصَّائِمون: لقد باتت مَساجدُنا بحمدِ الله في رَمَضَانَ مَلئَ بِصَلاةٍ ودُعَاءٍ, وقِرَاءةٍ وذِكرٍ, فَرِحْنَا بإخوانٍ لنا كانوا يَتَخلَّفونَ عن جَمَاعَتِنا بِتْنَا نَرَاهم معنا رُكَّعاً سُجَّدا! فيا أيُّها الصَّائِمُ: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا.
أيُّها الصَّائِمونَ: علَّمنا رَمَضَانُ الجُودَ والبِرَّ والإحسانَ فهذا مُتَصَدِّقٌ بِمَالِهِ, وآخرُ مُفَطِّرٌ لإخوانِهِ, فهل نَدَعُ تلك الصِّفاتِ العاليةِ والأخلاقِ الحميدَةِ؟ ونحن نرى حالَ إخوانِنا الْمُحتاجِينَ والْمُعوِزِينَ في كُلِّ مكانٍ؟ واللهُ يقولُ: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. فَجَزَى اللهُ خَيراً كلَّ مَنْ قدَّمَ وأَنفقَ وأَعَانَ. اللهمَّ وَأَعْطِ مُنفِقاً خَلَفَاً.
أيُّها الصَّائِمُونَ: تَودِيعُ رَمَضَانَ: يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ دَرْسًا لِشَبَابِنَا وَفَتَيَاتِنَا بِأَنْ يَنتَهُوا عَنْ كُلِّ أنواعِ الفِسقِ والْمُجُونِ والسُّفُورِ والتَّهَاوُنِ في شَرْعِ اللهِ تَعالى وأنْ يَأخُذُوا أَمْرَ رَبِّهِم بِجِدٍّ وَتَقْوى ألم يَقُلِ الرَّبُّ الكَرِيمُ: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ.كَمَا يَنبَغِي أنْ يَكُونَ تَودِيعُ رَمَضَانَ حَازِمَاً وَحَاسِمَاً لِكُلِّ فِكْرٍ مُتَطَرِّفٍ ضَالٍّ مَشِينٍ: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. أيُّها الصَّائِمُونَ: من اجتهدَ بالطَّاعاتِ فَليحمَدِ اللهِ على ذلكَ وليزددْ منها وليسأَلْ ربَّه القبولَ فإنِّما: يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. وَمَنْ قَصَّرَ وَتَرَاخَى وَكُلُّنا ذاكَ الرَّجُلُ: فَلنَعلَمْ أنَّ لَيلَتَنا لَيلةٌ عَظِيمَةُ القَدْرِ, شَرِيفَةُ الفَضْلِ, كَثِيرَةُ الأَجْرِ, هِي أَرْجَى لَيَالِ العَشْرِ عَلى الإِطلاقِ! كَان أُبيُّ بنُ كعبٍ رضي الله عنه يُقسمُ على أنَّ ليلةَ القَدْرِ هي لَيلةُ سَبْعٍ وَعِشرِينَ ويقولُ: (والله إنِّي لأعلم أيُّ ليلةٍ هي الَّليلةُ التَي أَمَرَنَا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ بِقِيامِهَا هِيَ لَيلَةُ سَبْعٍ وَعشْرِينَ) مُسلِمٌ. وَنَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَقَد سَأَلَتْ أُمُّنا عائشةُ رضي الله عنها رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِأَيِّ شَيءٍ أَدْعوا لَيلَةَ القَدْرِ؟ قَالَ: تَقُولِينَ: (اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي).
إخواني: ليلةُ القَدْرِ يُفتَحُ فيها البَابُ، ويُقرَّبُ فيها الأَحبَابُ، وهيَ ذَاهِبَةٌ عنكم بِأَفعَالِكُم، وقَادِمَةٌ عليكم غَدَاً بِأَعمَالِكُم، فَتَضَرَّعْ لِربِّكَ وَتَقَرَّبْ مِنْهُ فَرَبُّنا قَرِيبٌ مُجِيبٌ يَقْبَلُ التَّوبَةَ وَيِعفُوا عَنْ السَّيئَاتِ. فَالَّلهُمَّ تَقَبْلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ, وَتُب عَلينَا إنَّكَ أَنْتَ التَّوابُ الرَّحِيمُ. اجعَلنا مِمَّنْ يَقُومُ لَيلَةَ القَدْرِ إيمَانَاً واحتِسَابَاً. وَأستَغْفِرُ اللهَ, فَاستَغْفِرُوهُ إنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الخطبة الثانية: الحمدُ لله الذي بنعمتِهِ تتمُّ الصَّالحاتِ, أَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ واسِعُ العَطَايا وجَزِيلُ الهِبَاتِ, وأَشهدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ الله ورسولُه نبيُّ الفضائلِ والْمَكرمَاتِ, صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الْمَمَاتِ, أمَّا بعد: فاتَّقوا اللهَ وأَطِيعُوهُ ورَاقِبُوا ربَّكم ولا تَعصوهُ.
أيُّها الصَّائِمُونَ: ليالِينا الباقِيةُ عظيمةُ القَدْرِ, شَرِيفَةُ الفَضلِ, كثيرةُ الأَجرِ, وإنَّما الأعمالُ بالخَواتِيمِ. أيُّها الصَّائمونَ: إنَّ شهرَكُم أخذَ في النَّقصِ فَزِيدُوا أنتم في العَمَلِ، نَعلَمُ يقيناً أنَّ الفُتُورَ أمرٌ طبيعيٌ، ولكن لا يكُنْ في وقتِ قَسْمِ الغَنائِمِ! فلقد مضى أغلبُ رَمضانَ فإن أحسنتَ فَزِدْ, وإنْ أبعَدتَّ فَعُدْ, وإن كُنتَ غَفَلْتَ فَتَذَكَّرْ أيامًا معدوداتٍ. قال الشيخُ السَّعدِيُّ رحمهُ اللهُ: "مَنْ اجتهد أوَّلَ رمَضانَ وَفَتَرَ آخِرَه، كانَ كَمَن بَذَرَ حَبَّةً وَسَقَاهَا وَرَعاها؛ حتى إذا أَوْشكَ زَمَنَ الحَصَادِ رَاحَ وَتَركَها ". أيُّها الصَّائِمُ: وَمِن أَعْظَمِ مَا تُودِّعُ به شَهْرَكَ وتَختِمُ به صيامَكَ، الإكثارُ من كلمة التَّوحيدِ ومن الاستغفارِ، فقد جمعَ الله بينهما فقالَ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. فالاستغفارُ دَوماً ختامٌ لأعمالٍ صالحةٍ من صلاةٍ وحَجٍّ وقيامِ ليلٍ. وبعد إتمام الصِّيامِ يقولُ ربُّنا: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. فَشَرعَ لنا ربُّنا زكاةَ الفطر على الصغير والكبير والذَّكر والأنثى والحُرِّ والعبدِ صَاعَا من تَمْرٍ أو صاعا من شَعِيرٍ وأفضلُ وقتٍ لإخراجها صباحُ العيد وتجوزُ قبله بيومٍ أو يومينِ وجزى اللهُ القائمينَ على الجَمْعِيَّاتِ والْمستودعاتِ الخيريةِ فهم يستقبلونَ زكاة الفطر ويقومون بإيصالها لِمُستحقها فطيبوا بها نفسا فهي طُهرةٌ للصائم من اللغو والرَّفث وإخراجها شكرٌ للهِ على ما أنعمَ وأتمَّ من الصيام وهي إحسانٌ للفقراء والمساكين,
يا صائمونَ: اسعدوا بالعيد السَّعيدِ فعيدنا شكرٌ لله وفرحٌ بفضلهِ فيسنُّ لكَ أنْ تفرَحَ به وتوسِّعَ على أهلِكَ وأولادِكَ وأن تَتَجَمَّل وتلبسَ أحسنَ لِباسَكَ، بل سُنَّ له الاغتسالُ والتَّطيُّبُ وأكلُ تمراتٍ وتِراً قبل خروجِك للصلاة شكراً لله وامتثالاً لأمره, في يوم العيد: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. واحذروا من أذيةِ العبادِ والبلادِ في أحيائِهم وطرقِاتِهم سواءٌ بالسياراتِ أو الْمُفرقَعَاتِ. وأُحضروا صلاةَ العيدِ رجالا ونساءً حتى النِّساءَ الحُيَّض أَمَرَهُنَّ بالخروج للصَّلاة ليشهدنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين ويعتزلنَ الْمُصلى وأكثروا من التكبير ليلةَ العيد وصباحَ العيد تعظيمًا لله وشكرًا له على هدايتِه وتوفيقه، قَالَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: "حقٌّ على الْمسلمين إذا رأوا هلالَ شوالٍ أن يُكبِّروا". واجهروا به في مساجِدكم وأسواقكم ومنازلِكُم وطرقاتِكم، ولتكبِّرَ النساءُ سِرًّا، وليقصُرْ أهلُ الغفلةِ عن آلاتِ الطَّربِ والأغاني الْماجنة، ولا يُكدِّروا الأوقاتَ الشَّريفَةَ بِمَزامِر الشياطينِ وكلامِ الفاسقينَ. وَلَقَدْ تقرَّر إقامةُ صلاة العيدِ هنا بإذنِ اللهِ مع عددٍ من الْمُصليات والجوامعِ وستكون الصلاةُ في الساعَةِ....
أيُّها الصَّائِمونَ: في مِثْلِ هَذِهِ الَّليَالِي الْفَاضِلَةِ نُوَجِّهُ بُشْرَى لِمَنْ كَانَ مُرَابِطًا على كَسْبِ عَيشِهِ, أو مُرابِطًا بِخِدْمَةِ إخْوانِهِ مِن رِجَالِ الأَمْنِ, أَو بالْمُستَشفَيَاتِ لِخِدْمَةِ إخوانِهِ, بِأَنَّكُمْ عَلى خَيرٍ وَعِبَادَةٍ وَبِرٍّ فَمَا حَبَسَكُمْ إلَّا الْعُذْرُ, فَأَنْتُمْ مُرَابِطُونَ في سَبِيلِ خِدْمَةِ إخوانِكُمْ وَبِلادِكُمْ, أَنْتُمْ شُرَكَاءٌ لِلْمُتَعَبِّدِينَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الَّليَالِي الْفَاضِلَةِ! فَحِينَ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ تَخَلَّفَ أُنَاسٌ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عُذْرٍ فَقَالَ عَنْهُمْ مُعْتَذِرًا لَهُمْ وَمُبَشِّرًا لَهُمْ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً, إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا، إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْرِ, حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ).
أيُّها الصَّائِمونَ: يا من قُمتم وصمتم، بُشراكم رَحمةٌ ورِضوانٌ, وعتقٌ وغُفران؛ فربُّكم رحيمُ جوادٌ رحمانٌ، لا يضيعُ أجرَ من أحسنَ عملاً، فأحسِنوا بالله الظنَّ، واحمدوه على بلوغِ الختامِ، وَسَلُوهُ قَبُولَ القولِ والعمَلِ وراقبوه بأداءِ حقوقه، واستقيموا على عبادتِه، واستمرُّوا على طاعتِه، ولا تَمُنُّوا على اللهِ بالعمَلِ، بل اللهُ يَمُنُّ عليكم أنْ هَدَاكم للإيمانِ إن كنتم صادِقينَ, وما كُنَّا لِنَهتدِيَ لولا أنْ هَدَانا اللهُ. ويا من قطَعَ رَمَضَانَ غافلاً وطواه عاصيًا، وبدَّده متكاسِلاً. يا مَن أغوَته نفسُهُ وألهَاهُ شيطانُه وضيَّعه قُرَناؤه، استدرِك ما بقي قبل تمامِه، وتيقَّظ بالإنابةِ قبل خِتامه، وبادِر بالتوبة قبلَ انصرامه، فكم مُتأهِّبٍ لعيدِه صار مرتَهنًا في قبرِه، املىء قلبكَ وردِّد قولَ رَبِّكَ: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. فاللهم تقبَّل الله منَّا صالح القول والعمل. اللهم اختم لنا شهرنا بغفرانِكَ والعِتقِ من نيرانِكَ. اللهم اجعل مُستقبلنا خيراً من ماضينا اللهم أعتق رقابَنا ووالدينا من النار. اللهم اجعل شهرنا شهر خيرٍ وبركة للإسلام والْمسلمينَ في كل مكان، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم أعز الإسلامَ والمُسلمينَ، وأذلَّ الكفر والكافرينَ، واحمِ حوزةَ الدينِ، واجعل بلادنا وبلادَ المُسلمين آمنةً مطمئنة يا ربَّ العالمين. اللهم وفَّق ولاةَ أمورنا لما تُحبُ وترضى، وأصلح لهم البطانة، ووفقهم لأداء الأمانة. وَاجزِهِمْ خيرا على خدمة الإسلامِ والمسلمين. اللَّهُمَّ احفظ حُدُودَنا وانْصُرْ جُنُودَنا, ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).