الأُخوَّةُ بين الْمسلمينَ 28/3/1445 ه*ـ
الحمد لله وليِّ الْمؤمنين، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ الْملكُ الحقُّ الْمُبين، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه النبيُّ الأمين، اللَّهم صَلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أمَّا بعد، أيُّها الْمُسلمون: أُوصيكم ونفسي بخير الوصايَا، ألا فاتَّقوا اللهَ جَلَّ وَعَلا؛ فَهي خَيرُ الزَّادٍ ليومِ الْمعادِ. ثُمَّ تَذَكَّرُوا أَنَّ من أُصول الإيمان وقواعِد الإسلام: تحقيقُ الأُخُوَّةِ الإيمانيَّةِ بين الْمُسلمين، وَنَشْرِ الْمودَّةِ بَينَهُمْ، فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالى -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). وفي الصَّحيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ».
عِبادَ اللهِ: وهذا الأصلُ العظيمُ يقتَضِي حقوقًا، ويتطلَّبُ عَلينَا مسؤوليَّاتٌ والتِزاماتٌ، بَيَّنَهَا رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا بِقَولِهِ: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ). إنَّها أُخُوَّةٌ تقتَضِي أنْ يَسيرَ الْمُسلمُ في حَيَاتِهِ تُجَاهَ إخْوَانِهِ بِكُلِّ مَسلَكٍ كَريمٍ وَفِعْلٍ قَويمٍ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». أُخُوَّةٌ تَحمِلُ الصِّدْقَ مِن القَلْبِ في جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِع إلى كُلِّ مُسْلِمٍ, وَدَرءِ الشُّرورِ وَالأَذَى عنْ أيِّ مُؤمنٍ، فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَالَ: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا). وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».
إخْوةَ الإيمانِ: الأُخُوَّةُ الإيمانيةُ يُزاوِلُها الْمُسلِمُ مَعَ إخوانِهِ الْمُسلمينَ وَمُجتمَعِهِ كَفَريضَةٍ عَظِيمَةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ, لا يدفعُهُ غَرَضٌ نَفْعيٌّ ولا مَصلحةٌ ذاتيَّةٌ. بِهذا نَكُونُ كَمَا أَرادَ الشرعُ العظيمُ مِنَّا بِقَولِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ.
عِبادَ اللهِ: الأُخُوَّةُ الإيمانيةُ تَتَطَلَّبُ مِنَّا تَضْحِيَةً وَفِدَاءً لإخْوَانِنَا الْمُسْلِمينَ، وَتَعَاطُفًا وَتَرَاحُمًا بَينَنَا، كَمَا رَسَمَ ذَلِكَ لَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
اللهُ أَكْبَرُ، مَا أَرْوَعَ هَذَا الدِّينَ، إِنَّهُ يُكْسِبُ أَتْباعَهُ تَلاَحُمًا تَهُونُ مَعَهُ مَصائِبُ الحَياةِ، ويَتَغلَّبُونَ بِهِ علَى تَقلُّبَاتِ الزَّمانِ، وَلِمَ لا؟ وَقَدْ رَبَّاهُمْ عَلَى ما يُشَيِّدُ بَيْنَهُمْ بُنْيَانَ الأُخُوَّةِ الصَّـادِقَةِ، لِذَا جَاءَ الدِّينُ الحَنِيفُ بِأَعْـظَمِ مَا يَدْعُو إِلَى الْمَحَبَّةِ وَالإِخَاءِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْـلِمِ سِتٌّ، قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا استَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّـتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ».
أيُّها الْمُؤمِنُونَ: مِنْ مُسْـتَلْزَمَاتِ الأُخُوَّةِ أَنْ لا يَعِيشَ الْمُسْـلِمُ مُنْعَزِلاً عَنِ إخْوَانِهِ الْمسلِمينَ وَلا يَهْتَمُّ بِحَالِهِمْ، بَلْ يَمُدُّ يَدَهُ بِالخَيْرِ وَالعَوْنِ والنَّصْرِ والتَّأييدِ، فَإنْ لَمْ يَفْعَلْ فَاليُمْسِكْ عَنْهُمْ وَيَكُفُّ أذَاهُ كَمَا قَالَ ذَلِكَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, حينَ قَال لَهُ أحدُ الصَّحَابَةِ: أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ». فَكَفُّ الشَّرِّ عَنِ إخْوَانِكَ خَاصَّةً في الأزَمَاتِ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ، فَإِيْذَاءُ الْمُسْلِمِينَ مُحَرَّمٌ؛ أيًّا كَانَ نَوعُهُ؛ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ». «وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». عِبادَ اللهِ: إِيْذَاءُ الْمُؤْمِنِينَ مَعْصِيَةٌ، ذَمَّ اللهُ جَلَّ وَعَلَا أَصْحَابَهَا؛ فَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}.
فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ وَاحْرِصُوا عَلَى مَبْدَأِ التَّآخِي بَيْـنَكُمْ؛ تَصْـلُحْ أَحْوَالُكُمْ، وَتَنَالُوا رَحْمَةَ رَبِّـكُمْ، {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية/
الحمدُ للهِ جعلَ قُوَّتَنا في إيْمَانِنَا، وعِزَّنَا في إسلامِنا، والتَّمكينَ لنا في صِدقِ عَقِيدَتِنا وعِبَادَتِنا، أشهدُ ألَّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له القويُّ المتينُ، وأَشهدُ أنَّ نَبيَّنا مُحمدَاً عبدُ الله ورسولُه الصَّادِقُ البَرُّ الأمينُ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابِهِ، الطَّيبينَ الطَّاهرينَ والتَّابعينَ ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين. أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ:(وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا). أيُّهَا الأَخُ الْمُسلِمُ: مِنْ حَقِّ أَخيكَ عَليكَ أَنْ تَنْصُرَهُ إذَا وَقَعَتْ عَليهِ مَظْلَمَةٌ أَو كُرْبَةٌ، فَقَد بَيَّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْهَجَ الإسْلامِ بِقَولِهِ: «كُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ».
عِبادَ اللهِ: يَتَسَاءَلُ مُسلِمٌ غَيُورٌ على دِينِهِ وَمُقَدَّسَاتِهِ وَإخْوانِهِ فَيقُولُ: مَاذَا عَسَايَ أَنْ أَفْعَلْ؟ وَكيَفَ أَمْلِكُ نُصرَةً لإِخوَانِي الْمَظْلُومِينَ والْمُضْطَهَدِيَنَ؟ فَنَقُولُ: إِنَّ في أَيدِينَا مَا لا يَسَعُ مُسلِمًا تَركُهُ وَلا التَّقصِيرُ فِيهِ، بِأَيدِينَا السِّلاحُ الْمَاضِي, وَالقُوَّةُ القَاهِرَةُ، بِأَيدِينَا سِلاحُ الدُّعَاءِ، وَاللهُ هُوَ الَّذِي وَعَدَنَا بِالإِجَابَةِ فَقَالَ:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم). فمَنِ الَّذِي يَمنَعُكَ أَنْ تَرفَعَ كَفَّكَ إِلى اللهِ تَعالى مُتَضَرِّعًا مُتَوسِّلاً؟ وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَعَدَنَا بَقولِهِ: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ». فَلْنَحذَرْ مِن خُذلانِ إِخوَانِنَا فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَالْمُؤمِنُونَ لِبعْضِهِم لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُمْ بَعضًا! أَلا فَلْنَهبَّ لِنُصرَةِ إِخوَانِنَا مَا استَطَعْنا، فَأخْلِصُوا بالدُّعاءِ والتَّأمِينِ, فَاللهُ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ, وَيَكْشِفُ السُّوءَ. فَلا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيمِ، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش الكريم. اللهم اجعل لأهلنا في فِلَسْطِينَ من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم إنَّهُمْ مظلومون فانتصر لهم، اللهم كن لهم ناصراً ومعيناً ومؤيداً وظهيراً، اللهم إن الصهاينة قد طغوا وبغوا، وقتلوا وأسرفوا واعتدوا, اللهم فُلَّ جُيُوشَهُم وَدُكَّ عُرُوشَهُم، اللهم اقتلهم بسلاحهم وأحرقهم بنارهم وسلط عليهم جنداً من جندك يا قوي يا عزيز. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم وألق الرعب في قلوبهم واجعلهم عبرة للمعتبرين. اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويعادون أولياءك، وأنْزِلْ عليهم عذابك ورجزك إله الحق. اللهم طهر المسجدَ الأقصى من رجز اليهود، اللهم يا من وعدتنا بالإجابة وأمرتنا بالدعاء نسألك في هذه الساعة نسألك ونحن في بيتك ونقول يا كريم يا رحيم يا سميع يا بصير يا لطيف يا أرحم الراحمين ارحم إخواننا المستضعفين في فِلسطِينَ وفي كل مكان. اللهم ارحم ضعفهم، اللهم اجبر كسرهم، اللهم ارحم نسائهم، اللهم ارحم أطفالهم، اللهم ارحم شيوخهم. اللهم عجل بفرجهم، اللهم سخر لهم عبادك، اللهم سخر لهم عبادك، اللهم سخر لهم عبادك. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم أدم على بلاد الحرمين أمنها ورخاءها، ووفق قادتها لما فيه عز الإسلام والمسلمين, اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين, وَاجْزِهِ خَيراً على نُصْرَتِهِ لإخْوَانِنَا فِي فِلسطِينَ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ. اللهم اجمع على الحق كلمةَ خَليجِنا، وَحِّد صُفُوفَهُم على الهُدى والدِّينِ. اللَّهُمَّ احفَظْ جُنُودَنَا وَحُدُودَنا وجُندَ المُسلِمينَ مِن كُلِّ سُوءٍ وَمَكرُوهٍ، اللهم سَدِّد رَميَهُم، وقَوي عَزَائِمَهُم، اللَّهُمَّ اكتُب النَّصرَ والتَّمكِينَ لِجُنُودِنا, ولِجَمِيعِ المُسلمينَ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمناتِ والمسلمين والمسلماتِ الأحياء منهم والأمواتِ يا ربَّ العالمين. (ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ)، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).