أَغِيثُوا أَهْلَنَا فِي السُّودَانِ 22/10/144هـ
الحمدُ لله الْمتكفِّلِ بأرزاقِ العبادِ، الآمرِ بالشُّكرِ له وكُلَّمَا شُكِرَ زادَ، يجزي الْمُتصدِّقينَ، ويَخْلِفُ على الْمُنفِقِينَ، أَشْهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لُهُ، كَريمٌ جَوَادٌ، وَأَشْهَد أَنَّ محمدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُه النَّبِيُّ الكريمُ الرَّؤوفُ بِالْعِبَادِ، صَلَّى اللهُ وَسلَّمَ وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابِه وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يومِ الْمَعَادِ. أمَّا بعد: فاتَّقوا الله عبادَ الله؛ وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ .
أيُّها الْمُؤمِنُون: بينما الصَّحابةُ جلوسٌ حولَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلهِ وَسلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، إذْ جَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةُ الأقدامِ عُرَاةُ الأجسادِ مُجْتَابِيِّ النِّمَارِ أَوْ الْعَبَاءِ، على أحدِهم صُّوفٌ لم يَستُر بعضَ جَسَدِه مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَلَمَّا رَآهُمُ رسولُ اللهِ تَمَعَّرَ وَجْهُهُ وتغَيَّرَ، ثُمَّ دَخَلَ بَيتَهُ وَخَرجَ مُضطربَ الحالِ مَهمومًا، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلهِ وَسلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ, حِينَها قَالَ: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ). أَتَدْرُونَ لِمَ انْفَرَجَتْ أَسَارِيرُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلهِ وَسلَّمَ؟ لأَنَّهُ رَأى أَصْحَابَهُ وَهُمْ يَشْعُرُونَ بِإخْوَانِهِم، وَيَهْتَمُّونَ لَهُم كَأَنَّهُمْ جَسَدٌ وَاحِدٌ! يَا مُؤمِنُونَ: مَنْ كَانَ يَتَصَوَّرُ أَنَّ فِي شَهْرِ الصِّيَامِ والْقِيَامِ تَبْغْيِ فِئَةٌ مُسْلِمَةٌ عَلى أُخْتِهَا! وَتَقُومُ حُرُوبٌ أَهْلِيَّةٌ طَاحِنَةٌ بَينَهُمْ, تَأَكُلُ الأَخْضَرَ والْيَابِسَ, وَتُفَرِّقُ شَعْبًا كَامِلاً عُرِفَ بِسَمَاحِتِهِ وَطِيبِ أَهْلِهِ وَأَخْلاقِهِ, فِي بَلَدٍ قَدْ لَفَّهُمُ الجوعُ والعَوزُ, والفَقْرُ والفَاقَةُ من كلِّ جانبٍ! وَأَقْعَدَتُهُمُ الحُرُوبُ والنِّزَاعَاتُ والحِصَارَاتُ لِسَنَوَاتٍ! إنَّهُمْ أَهْلُنَا وَإخْوَانُنَا فِي السُّودَانِ الْحَبِيبَةِ, فِي سُودَانِ الثَّقَافَةِ والْعِلْمِ والأَخْلاقِ, حَدَثَ كُلُّ ذَلِكَ حِينَ تَدَخَّلَ بِهِمْ أَعْدَاءُ الدِّينِ والْمِلَّةِ, وَتَبِعَهُمْ أَذْنَابُهُمْ مِنَ الاشْتَرَاكِيِّينَ، والْبَعْثِيِّينَ، والْعِلْمَانِيّيِنَ، والْمُرْتَزِقَةِ. فَهُمْ بِأيْدِيهِمْ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ, وَيُهْلِكُونَ الْحَرْثَ والنَّسْلَ, وَيَسْعَونَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا, واللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ!
عِبَادَ اللهِ: في ظِلِّ هذهِ الأحداثِ الْمُؤلِمَةِ يَعْلُوا صَوتُ النَّاصِحِ الأَمِينِ, وَتَتَّضِحُ مَعَادِنُ الرِّجَالِ الْمُخْلِصِينَ, فَقَدْ هَبَّ خَادِمُ الْحَرَمِينِ الشَّرِيفَينِ, ووَلِيُّ عَهْدِهِ الأَمِين, إلى مُحَاوَلَةِ رَأْبِ الْصَّدْعِ, وَتَغْلِيبِ الْعَقْلِ, وَإخْرَاجِ البِلادِ مِن كَوَارِثَ حَاصِلَةٍ, وَلَكِنْ مَعَ الأَسَفِ لا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي! فَعَمِلَتْ حُكُومَةُ خَادِمِ الْحَرَمِينِ الشَّرِيفَينِ, على استِضَافَةِ أَهْلِ الْحَلِّ, وَإجْلاءِ وَإيوَاءِ الْمُتَضَرِّرينَ, وَفَتْحِ أُسْطُولٍ مِن الْمُسَاعَدَاتِ الغَذائِيَّةِ والطِّبِيَّةِ. وليسَ هذا بِمُسْتَغْرَبٍ عَلى بَلَدِ الْعَطَاءِ, فَأَهْلُ السُّودَانِ أَهْلُنَا وَإخْوَانُنَا فِي الْعَقِيدَةِ والدِّينِ والْجِوَارِ.
نَسْاَلُ الْمَولى أَنْ يَرُدَّ كَيدَ الأَعْدَاءِ فِي نُحورِهِمْ, وَأنْ يَكْفِيَ الْمُسلِمينَ شَرَّ الْحُرُوبِ والْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ, وَأنْ يَرُدَ إخْوَانَنَا فِي السُّودَانِ إلى جَادَّةِ الْحَقِّ والصَّوابِ, وَأَنْ يَحْمِيَ الْبِلادَ والعِبَادَ. إنَّهُ مُجِيبُ الدُّعَاءِ, أَقُولُ قَولي هَذا، وأستغفرُ اللهَ لي وَلكُم فَاسْتَغْفِرُوهُ، إنِّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبةُ الثانية/
الحمدُ للهِ مُجِيبِ دَعوةِ الْمضطرِّينَ، وقاصمِ ظُهور الظَّالِمِينَ, أشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك لهُ, إلهُ الأولينَ والآخرينَ، وَأَشهَدُ أنَّ محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُه، إمامُ الأنبياءِ, بعثهُ اللهُ بشيراً ونذيراً، ورحمةً وسراجاً منيراً، صلَّى اللهُ وباركَ عليه وعلى آله وصحبِهِ وسلَّمَ تسليماً كثيراً. أمَّا بعد: أيُّها الْمؤمنون اتَّقُوا الله تعالى وراقِبوه، وأطيعوا أمرَه ولا تَعصوه، فإنَّ الْمعاصيَ والذنوبَ جِراحاتٌ وبلايا، وَأنَّما حَلَّ ويَحِلُّ بالأمَّةِ من مِحَنٍ وبلايا, لهي سياطٌ تَسُوقُنا إلى حَضِيرةِ الإيمانِ والتَّوحيدِ، وتَدْفَعُنا إلى التَّوبة وخَوفِ يَومِ الوعيدِ، أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ .
أيُّهَا الكرامُ: حينما يُحاصَرُ الْمُسلِمُ ويُضَيَّقُ عليه الخناقُ، فلا هو يستطيعُ الانتصارَ لنفسِه، ولا الثأرَ لإخوانِهِ الْمَظلُومينَ، فالْمَلجأُ والْمفَرُّ إلى الرَّحيمِ القَريْبِ, إلى العَزِيزِ الْمُجيبِ, الْقَائِلِ: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ فَيأَيُّها الْمظلومُونَ: على أَرْضِ السُّودانِ اللهُ ناصِرُكم ومُنتقمٌ لكم! وَتَذَكَّرُوا قَولَ النَّبِيِّ الأَكْرَمِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلهِ وَسلَّمَ: (واتَّقِ دعوةَ الْمظْلُومِ، فإنَّهُ ليس بينَها وبينَ اللهِ حِجَابٌ). (وَقَولَ اللهِ تعالى: وعزَّتِي وجَلالِي لأَنْصُرَنَّكِ ولو بَعدَ حِينٍ).
عِبَادَ اللهِ: لَقدْ أطْلَقَ خادِمُ الحَرَمينِ الشَّريفينِ ووَلِيُّ عَهْدِهِ جَزَاهُمُ اللهُ خَيرًا حَمْلَةً شَعبِيَّةً لإغَاثَةِ إخْوانِنا في السُّودَانِ عَبْرَ مَنَصَّةِ (سَاهِمْ) فَكُنْ مِن الْمُنفِقِينَ الْمُبَادِرينَ. فأكرِم نفسَك بإكرامِ الفقراءِ وقضاءِ حوائجهم، واحفَظ مالَك بالإنفاقِ، أتدريِ ما أعظمُ حافزٍ لك على الصَّدقةِ والإنفاقِ عليهم؟ الجوابُ بأنَّكَ تَتَعامَلُ مع الرَّزَّاقِ المجيدِ القائِلِ: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ .ألم يقل رسولُنا صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلهِ وَسلَّمَ: (ما مِن يومٍ يُصبح العبادُ فيه إلا مَلَكَانِ ينزِلانِ، فيقولُ أحدُهما: اللهمَّ أعطِ منفِقًا خلفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللهمَّ أعطِ مُمسكًا تلفًا)! وخيرُ الإسلامِ:( أن تُطعِمَ الطَّعامَ وتقرأُ السَّلامَ على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف) والغنيُّ الجشِع لا لنفسِه انتفَع، ولا لإخوانهِ نَفَعَ! وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وقد يسَّرَ اللهُ لِبلادِنا السَّبْقَ بِحَمْلَةٍ خيريَّةٍ فَتَعَاوَنُوا مَعَهُم وَضَعُوا ثِقَتَكُم بِوُلاةِ أُمُورنَا وفَّقهمُ اللهُ فَقد دَعَموا إخْوَانَنَا فِي السُّودَانِ وَسَانَدُوهُم. فَاقْتَدُوا بهم ولا تَلتَفِتُوا لِقَولِ الْمُغرِضِينَ وَالْمُحرِّضِينَ والْمُشكِّكينَ فَهَؤلاءِ يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .
فاللهم لا تجعلِ الدٌّنيا أكبرَ همِّنا، ولا مبلغَ عِلمِنا، ولا إلى النار مصيرنا، اللهم اجعلنا مِمَّن بَرَّ واتَّقى، وصدَّق بالحسنى فَيَسَّرتَهُ لليُسرى، وجَنَّبتَهُ العُسْرَى. اللهم ارحم ضعف إخواننا السُّودَانِ وفي كلِّ مكان, اللهم كن لهم ناصرا ومعينا ياربَّ العالمين, اللهُمَّ رُدَّ كيدَ الأعدَاء في نحُورِهِمْ, اللهم ألف بين قلوبِ المؤمنينَ في السُّودَانِ ووحِّد صُفوفَهم واجمع كَلِمَتَهم وأصلح قادَتَهم وأهدهم سبل السَّلامِ, اللهم أدم علينا نعمةَ الأمنِ والأمان ووفقنا لما تحبُّ وترضى يا رحمانُ, اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وجَمِيعِ سَخَطِكَ. اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنا لما تُحِبُّ وترضى وأعنهم على البر والتقوى, اللهمْ انصر جُنُودَنا واحفظ حدُودَنا ورُدَّ كيدَ الأعداء في نحُورهم, انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيكَ وعبادَكَ المؤمنين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ, وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .