الحلالُ البَغِيضُ 24/4/1444هـ
الحَمدُ لِلهِ جَعَلَ لَنَا مِّنْ أَنفُسِنَا أَزْوَاجًا وَجَعَلَ بَينَنَا مَوَدَّةً وَرَحْمَةً, أَشْهَدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الرَّحمَةُ الْمُهدَاةُ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ, وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْهُدَاةِ, وَأَتْبَاعِهِمْ بِإحْسَانٍ إلى يومِ النَّجَاةِ. أمَّا بعدُ. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
عِبَادَ اللهِ: مِنْ نِعمَةِ اللهِ عَلينَا أنْ أَنَارَ عُقُولَنا بِشَرْيعةٍ مُحْكَمَةٍ، أَعْطَى فِيهَا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. أَمَّا أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ فَالْمَرْأَةُ عِنْدَهُمْ تُزوَّجُ مَنْ لا تَرْتَضِيهِ، فَإِذا غَضِبَ عَليهَا زَوْجُهَا طَلَقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا، بِلا عَدَدٍ وَلا عِدَدٍ، أَو يَتْرُكُهَا مُعَلَّقَةً! فَجَاءَ دِينُ اللهِ تَعَالى, فَأَوقَفَ مَهَازِلَ الظُّلْمِ وَالبَغِي! وَنَادَى جِبْرِيلُ بَعْدَ آيَاتِ الطِّلاقِ بِقَولِ اللهِ:(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). عِبَادَ اللهِ: وَأَعظَمُ حُقُوقٍ بُيِّنَتْ, وَمَوَاثِيقُ أُغلِظَتْ إنَّمَا هِيَ لِلْمَرْأَةِ في الإسلامِ! وَلْتَعْلَمُوا أَنَّهُ كُلَّمَا جَاءَ حَدِيثٌ عَن الرِّجَالِ, أَتْبَعَهُ اللهُ بِالنِّساءِ! فَاللهُ تَعَالى لا يُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى! وَقَالَ تَعَالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ). فَالْمَرْأَةُ عِنْدَنَا كَيَانٌ مٌحتَرَمٌ، مَحْفُوظَةٌ كَرَامَتُها، أُمًّا كَانَتْ وَبِنْتًا, وَزَوْجَةً وَأُخْتًا، فَحَقُّهَا الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالصَّبْرُ عَلى السَّيِّئِ مِنْ أَخْلاقِهَا! حَقَّاً: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ). وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ» أَخرجَهُ البُخَاريُّ.
أَيُّها الْمُؤمِنُونَ: لَقَدْ أَصْبَحَ التَّلَفُّظُ بِالطَّلاقِ في زَمَنِنَا سَهْلاً عَلى كَثِيرٍ منَ الجاهِلِينَ بِأَحْكَامِ الشَّرعِ الْحَنِيفِ، حتى صَارَ ضِعَافُ الإيمانِ يَحْلِفُونَ بِالطَّلاقِ عِنْدَ أَدْنَى سَبَبٍ!
وَلْتَعْلَمُوا يَا كِرَامُ: أَنَّ كَثْرَةَ الطَّلاقِ مُنْذِرٌ بِعَوَاقِبَ وَخِيمَةٍ وَآثَارٍ سَيَّئَةٍ عَظِيمَةٍ، حَقًّا واللهِ إنَّهَا ظَاهِرَةٌ مُقْلِقَةٌ وَخَطِيرَةٌ تَتَزَايَدُ بَينَ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا! فَكمْ منْ بُيُوتٍ هُدِّمَتْ بِسَبَبِ الاسْتِعْجَالِ بِالطلَّاقِ، وكمْ مِنْ الفِتَنِ وِالْخُصُومَاتِ وَالعَدَاوَاتِ حَدَثَتْ بِسَبَبِ الاسْتِعْجَالِ بِالطلَّاقِ، كَمْ فرَّقَ الطَّلاقُ مِنْ شَمْلٍ، وَقَطَّعَ مِنْ الأَقَارِبِ.
أَيُّها الْمُؤمِنُونَ: لقدْ كثرَ الطَّلاقُ في زَمَنِنَا حِينَمَا ابْتَعَدْنَا عَنْ شَرْعِ اللهِ، وَاسْتَمَعْنَا لِكُلّ نَاعِق مِنْ النَّسَوِيَّاتِ الفَاشِلاتِ, وَمِنْ أَهْلِ التَّغْرِيبِ والْعَلْمَنَةِ الذينَ يُوهِمُونَ النِّسَاءَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ وَيُصْلِحُونَ ووَاللهِ (إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ). لَقَدْ أَوهَمُوا ضَعِيفَاتِ الْعَقْلِ والدِّينِ أَنَّ لَهَا كُلَّ الْحُقُوقِ, وَليسَ عليهَا أَيَّ الْتِزَامَاتٍ تِجَاهَ بَيْتِهَا وَزَوجِهَا, وَأَنَّ الْعِصْمَةَ بِيَدِهَا, وَأَنَّ الْوِلايَةَ الْمُطْلَقَةَ الْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ لَهَا, فَكَانَتِ النَّتَائِجُ أَنْ تَشَتَّتْ بُيُوتٌ وَتَفَرَّقَتْ أُسَرٌ! وحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
أَيُّها الْمُؤمِنُونَ: لقدْ كثرَ الطَّلاقُ في زَمَنِنَا حِينَمَا ابْتَعَدَ رِجَالٌ عَنْ شَرْعِ اللهِ، وَلَمْ يُرَعُواَ الذِّمَّةَ، وَلَمْ يَتَّصِفُوا بِالأَخْلاقِ الْكَرِيمَةِ، وَنَسُوا قَولَ اللهِ تَعَالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ). وَقَولَهُ تَعَالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). فَمِنْ أَعْظَمِ وَصَايَا الدِّينِ أَنَّ أَمَرَنَا بِالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَينِ، مَعَ تَحَمُّلِ كُلِّ طَرَفٍ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَمَّلَهُ مِنَ الطَّرَفِ الآخَرِ، مُذَكِّرًا لَنَا رَبُّنَا بِقَولِهِ: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) وَقَدْ جَاءَ فِي الأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَولَهُ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا, فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ, وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ, لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ, فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا, اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ, وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا».
عِبَادَ اللهِ: يَكْثُرُ الطَّلاقُ حِينَ يَفْقِدُ الزَّوجُ غُفْرَانَ الزَّلَّةِ، وَسَتْرَ العَورَةِ، وَالتَّجَاوُزَ عَن الْهَفْوَةِ, وَتِكْرَارَ مَا سَبَقَ مِنْ مَشَاكِلَ. كثُرَ الطلاقُ حِينَمَا أَصْبَحَتِ الْمَرْأَةُ سَلِيطَةَ الِّلسَانِ، طَلِيقَةَ العَنَانِ، مُضَيِّعَةً لِحقُوقِ زَوجِهَا وَأَولادِهَا، مُتْعَتُهَا مَعَ الأَجْهِزَةِ, وَفي الأَسْوَاقِ، وَالجلَسَاتِ وَالْمُتَنَزَّهَاتِ!
عبادَ اللهِ: لقد استَخَفَّ أَزْوَاجٌ بالْحُقُوقِ وَضَيَّعُوا الأَمَانَةَ وَقَصَّرُوا في حُقُوقِ الأَوْلادِ، فَصَارَ الْحِمْلُ عَلى الزَّوجَاتِ كَبِيرًا. والْمَسْؤولِيَّاتُ عَظِيمَةٌ فَمَا اسْتَطَعْنَ تَحَمُّلَ ذَلِكَ فَكَثُرَ الطَّلاقُ! فاللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَهَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ, اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ وَأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ , لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ , وَقِنا سَيِّئَ الْأَعْمَالِ وَسَيِّئَ الْأَخْلَاقِ , لَا يَقِي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ. أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطبَةُ الثانية:
الحَمدُ لِله حَمْدَ مَنْ خَافَهُ وَاتَّقَاهُ، وَأَشهَدُ ألاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبارَكَ عَليهِ وَعلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ اهْتَدَى بِهُدَاَهُ. أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم عَلى رَبِّكُم مَوقُوفُونُ، وَبِأَعْمَالِكُم مَجْزِيُّون،
أيُّها الْمُؤمِنُونَ: إنَّ أَقْسَى الظُّلْمِ هُوَ ظُلْمُ ذَوي الْقُرْبى كَمَا قَالَ طَرْفَةُ:
وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً عَلى الْمَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ الْمُهَنَّدِ
لَقَدْ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْظَمِ مَوقِفٍ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ، مُحَذِّرًا مِنْ ظُلْمِ الزَّوجَاتِ فَقَالَ: " أَلَا وَاتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ، أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتهمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقٌّ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ حَقٌّ، وَمِنْ حَقِّكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ إِلَّا بِإِذْنِكُمْ، وَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا, وَإِنَّ مِنْ حَقِّهِنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقَهُنَّ وَكِسْوَتَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ".
أَيُّها الْمُؤمِنُونَ: لقدْ كثرَ الطَّلاقُ في زَمَنِنَا حِينَمَا شَحَّ أَزْوَاجٌ في الإنْفَاقِ، وَصَارَ يَهْتَمُّ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَيَتْرُكُ مَنْ يَعُولُ! فَيَثْقُلُ الْحِمْلُ عَلى الزَّوجَاتِ! وَقَدْ قَالَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضِيعَ مَنْ يَقُوتُ».
أَيُّها الْمُؤمِنُونَ: لقدْ كثرَ الطَّلاقُ لَمَّا كَثُرَتْ النِّعَمُ، فَأَصْبَحَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَ, متَى شَاءَ, ويُطلِّقُ متَى شَاءَ، فهذا زَوَاجُ مِسْيَارٍ وَآخَرُ مِسْفَارٍ, أَو عَبَثٌ بِالأَمْوالِ بِشَرَابٍ أو قِمَارٍ, أَو لَيَالِ فَسَادٍ مَعَ بَنَاتٍ الفَسَادِ والإفْسَادِ! وَاللهُ تَعَالى سَائِلُهُ، وَمُجَازِيهِ وَمُحَاسِبُهُ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَقائِلُ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)
عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ مَا تُثِيرُهُ الْجَوَّالاتُ مِنْ شُكُوكٍ وَسُوءِ ظَنٍّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَمِنِ اِطِّلَاعِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَا يَخُصُّ الآخَرَ، وَخَاصَّةً الْمَرْأَةُ الَّتِي تَسْعَى لِتَفْتِيشِ جِهَازِ زَوْجِهَا، فَقَدْ تَجِدُ مَا لَا يَسُرُّهَا فَتُعَظِّمُ الأُمُورَ، وَتُخْرِجُ القَضِيَّةَ إِلَى خَارِجِ حُدُودِ بِيْتِ الزَّوْجِيَّةِ. وَمِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ: سُوءُ الأَلْفَاظِ الَّتِي يَتَفَوَّهُ بِهَا أَحَدُ الأَطْرَافِ فَيُطْلِقُونَ أَلْفَاظًا مُهِينَةً يَجْرَحُونَ بِهَا الْمَشَاعِرَ, فَيَصْعُبُ جَبْرُهَا وَنِسْيَانُهَا!
ألا فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ: واعلمُوا أنّ الطلاقَ لَا يُشْرَعُ إلَّا إذَا تعدّدَت مُحاولاتُ الإصلاحِ بينَ الزوجينِ. قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمهُ اللهُ: الأصلُ في الطَّلاقِ الحَظرُ، وإنّمَا أُبيحَ منهُ قدرَ الحاجةَ؛ عن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منهُ مَنْزِلَةً - يعني أَقْرَبَهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً- أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ)، (رواه مسلم).
فَيَا منْ تُريدُ أن تَطَلِّقَ، تذَكّر أنَّ اللهَ تَعَالى يُبْغِضُهُ، وَأنَّ الشَّيطَانَ يحبُّهُ، وأَنَّ زَوجَتَكَ التِي أَكْرَمَكَ اللهُ بِهَا فِيهَا منَ الخيرِ أَكْثَرَ ممّا فِيهَا منَ الشَّرِّ، وأنَّها إنْ سَاءَتْكَ يَوْمًا، فَقَدْ سَرَّتكَ أيَّامًا، وَأنَّهَا أَعْطَتْكَ صِحَّتِهَا وَجُهْدَهَا وَحُبَّهَا. فَلَعَلَّهَا تُفرِحُكَ بِذُريَّةٍ طَيِّبَةٍ مِنْهَا،
عِبَادَ اللهِ: إنْ تَأَمَّلْنَا مَفَاسِدَ الطَّلَاقِ حَسَبْنَا لَهُ أَلْفَ حِسَابٍ قَبْلَ أَنْ نُوقِعَهُ! فَالأُسْرَةُ يَتَشَتَّتُ شَمْلُهَا، وَالأَوْلَادُ يَتَفَرَّقوَن وَفي الْغَالِبِ يُهْمَلُونَ. وتَكُونُ صِّرَاعَاتٌ بَيْنَ الأُسْرَتَيْنِ فَتَنْقَطِعُ العَلَاقَاتُ وَتَسُوءُ الْعِشْرَةُ بَيْنَهُمْ. نَاهِيكَ عَنْ آثَارِ الطَّلاقِ السِّيِّئَةِ عَلى كُلِّ مَنْ يُفَكِّرُ بِالزِّوَاجِ مِن أَبْنَائِهِم وَبَنَاتِهِمْ! وَأُحَذِّرُ نَفْسِي وَإيَّكُمْ مِنْ أَخَسِّ صِفَاتِ الْمُنَافِقِ أَنَّهُ: إِذَا خَاصَمَ فَجَرَ. فَكَيفَ إذَا كَانَتْ بَينَ مَنْ أَفْضَى بَعضُهُمْ إلى بَعْضٍ, وَأخَذُوا مِنَّا مِيثَاقَاً غَليظًا! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَزِلَّ أَو نُزَلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نُضَلَّ أَو نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَينا، أَوْ نَعْتَدِيَ أَوْ يُعْتَدَى عَلَينا،
اللهُمَّ أعنَّا جَمِيعَاً على أَدَاءِ الأمَانَةِ, وَوفِقّْنا لحُسْنِ القِوَامَةِ والرِّعايَةِ. الَّلهُمَّ أَصلِح شَبَابَ الإسلامِ وَنِسَاءهُم, جَنِّبْهُمُ الفَوَاحِشَ وَالفِتَنَ مَا ظَهَر مِنْها وما بَطَنَ, اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرْ جُنُودَنَا وَاحْفَظْ حُدُودَنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.