دُرُوسٌ مِن الحَجِّ والعَشْرِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الأَزْمَةِ بِحَمْدِ اللهِ تَعَالى 16/12/1443ه
ـ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ بَاسِطِ الْخَيْرَاتِ، وَمُنْزِل الرَّحَمَاتِ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمٍ أَتَمَّهَا، وَبَلَايَا رَدَّهَا، أَشهَدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ في أُلوهيَّتِهِ وربُوبِيَّتِهِ, وَأَشهَدُ أنَّ مُحمَّدَا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ قَائدُ أُمَّتِهِ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحَابَتِهِ وَمَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِهِ إلى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّنا عَقِبَ أَيَّامٍ تَأَكَّدتْ فِيهَا التَّقْوَى، وَفِي زَمَنٍ اشْتَدَّتِ فِيهِ الْفِتَنُ والبَلوى، وَلَا غِنى لَنا عَنِ اللَّـهِ تَعَالَى وَحِفْظِهِ وَتَثْبِيتِهِ طَرفَةَ عينٍ.
نَحْمَدُ اللهَ عَلَى مَا شَرَعَ مِنَ الْمَنَاسِكِ، وَمَا عَلَّمَنَا مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَقَاصِدِ، فَلَوْلَا اللهُ مَا اهتَدَينا وَمَا حَجَجْنَا وَلا ضَحَّيْنَا وَلا صَلَيِّنَا, فَالْمِنَّةُ للهِ أَنْ هَدَانَا لِهَذا حَقًّا: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
عِبَادَ اللهِ: الحَجُّ رِحْلَةُ العُمُرِ! فَمَا أَعْظَمَهُ مِن مَنْظَرٍ! وَمَا أَجمَلَهُ من رَكْبٍ! فَهَلْ رَأَيتُم لِبَاسَاً أَجْمَلَ مِن لِبَاسِ الحُجَّاجِ؟ وَرُؤُوسَاً أَعزَّ وَأَكْرمَ مِنْ رُؤوسِ الْمُحلِّقينَ والْمُقصِّرين؟ بَلْ هَلْ سَمِعْتُمْ أَعْذَبَ مِنْ تَلْبِيَةِ الْمُلَبيِّنَ وأَنِينِ التَّائِبِينَ؟ إنَّهم وُفُودٌ هَوَوْا إلى البيتِ العَتِيقِ!
وإنَّ تأمُّلاتٍ مع حَجِّ هذَا الْعَامِ تَجْعَلُنَا نَأْخُذُ دُرُوسًا وَحِكَمًا! وَمَوَاعِظَ وَعِبرًا!
أَوَّلُها: أَنْ نُبَادِرَ بِالاسْتِعَدَادِ لِلْحَجِّ مَالِيًّا وَبَدَنِيًّا قَبْلَ وَقْتٍ كَافٍ, فَفُرَصُ الْحَجِّ تَضِيقُ عَامًا بَعْدَ عَامٍ! وَحِينَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ، فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ». فَإنَّهُ لا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوى, فَالتَّقْدِيمُ لِلْحَجِّ كَثِيرٌ, وَمَنْ قُبِلَ مِنْهُمْ قَليلٌ, نَاهِيكَ عَنْ أُنَاسٍ لَمْ يَسْتَعِدُّوا مَالِيًّا فَطَارَتْ عَليهِمُ الْفُرْصَةُ.
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ دُرُسِ الْحَجِّ والْعَشْرِ وَأنْتَ تَسْمَعُ أَصْوَاتَ الْمُلبِّينَ والْمُكَبِّرِينَ ودُعَاءَ الْمُخْبِتِينَ, فإنَّكَ تُوَّحِّدُ اللهَ عزَّ وَجَلَّ وَتُفْرِدُهُ بِالعِبَادَةِ! حُبًّا وَتَعظِيمًا, فَاللهُ تَعَالى هُوَ القَائِلُ: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ .حقَّاً إنَّهُ توحيدٌ خَالِصٌ انْطَلَقَ مِن مَكَّةَ بَلَدِ الرِّسَالَةِ ومَهبِطِ الوحيِ, حينَ كُسِّرتِ الأَصْنَامُ! وَأَعلنَها رَسُولُ الأَنَامِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: (الَّلهُمَّ حَجَّةً لا رِيَاءَ فِيها وَلا سُمْعَةً). بَلْ فِي كُلِّ مَنَاسِكِ الْحَجِّ هَدْيُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُخالِفٌ لِهدي الْمُشرِكِينَ! فَمِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الحجِّ أَنْ نَكُونَ: حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ . لأنَّ العزَّ والتَّمكِينَ بِمُخَالَفَةِ سَبِيلِ الْمُشرِكِينَ! والذِّلةُ والصَّغارُ بِتَولِّي المُشرِكينَ!
عِبَادَ اللهِ: مَنْ يُشاهدُ الْحَجِيجَ على اخْتِلافِ أجْنَاسِهِمْ, وَلُغَاتِهِمْ, يُدرِكُ أنَّ الأُمَّةَ لا يمكنُ أنْ يؤلِّفَها وَيَجْمَعَهَا إلَّا دِينُ اللهِ تَعَالى! فالحُجَّاجُ كَجَسَدٍ وَاحِدٍ! وَبِتَلبِيَةٍ مُوحَّدةٍ فَأَسقَطُوا كُلَّ هُتَافٍ وَطَنيٍّ, وَشِعَارٍ قَوميٍّ! فَلا تَفَاخُرَ بالأَنْسَابِ ولا الأَحْسَابِ, إنِّما مِيزَانٌ وَاحِدٌ فَقَطْ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ .وَقَالَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(إنَّ ربَّكم وَاحِدٌ، وَإنَّ أَبَاكُم وَاحِدٌ، وَدِينَكُمْ وَاحِدٌ، وَنَبِيَّكُم وَاحِدٌ، ولا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ على عَجَمِيٍّ ولا عَجَمِيٍّ على عَرَبِيٍّ، وَلا أَحْمَرَ على أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ على أَحْمَرَ إلَّا بالتَّقوى).
عِبَادَ اللهِ: وَمِن أَعْظَمِ دُرُوسِ الحَجِّ أَنَّه يبيِّن يُسرَ الشَّريعةِ الغرَّاءِ وأنَّ اللهَ تعالى يُريدُ بِنَا اليُسرَ ولا يريدُ بنا العُسرَ! فَأعظمُ سِمَةٍ في حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَولُهُ: (افْعَلْ ولا حَرَجَ). ويُسرُ الشَّريعَةِ لا يعني تَتَبُّعَ الرُّخصِ أو التَّلاعُبَ في أَحْكَامِ الدِّينِ! بَلْ إنَّ الحَجَّ يُربِيَ الْمُسْلِمَ على حُسْنِ الاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللهِ قَولاً وَعَمَلاً! أَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يردِّدُ في الحجِّ:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا عنِّي مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا). فَمَا بَالُ كَثِيرٍ مِنْ إخْوَانِنَا صَارُوا يَبْحَثُونَ عن الرُّخصِ, عندَ أَدْنَى سَبَبٍ, وَمِنْ أَيِّ مُفتٍ؟! لا لِضَرُورَةٍ لَدَيْهِمْ وَلا لِحَاجَةٍ عِنْدَهُمْ إنَّمَا عَجَلَةٌ وَبَحْثٌ عَنْ رُخَصٍ! فَهَلْ هَذَا مِنْ التَّقْوى؟ أومِن تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ تَعَالى؟!فَيَا أخي أثمنُ شيءٍ لَدَيكَ دِينُكَ، وأَعظمُ بِضَاعَةٍ تَسْعَى لَهَا تَحقيقُ تَقْوَاكَ لِربِّكَ، وَاللهُ تَعَالى يَقُولُ: ومن يَعتَصِمْ باللهِ فقد هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُستَقيمٍ .
عِبَادَ اللهِ: مِن أَعْظَم دُرُوسِ الحَجِّ والأَضَاحِي أنَّهُ يُربِّي الْمُسلِمَ على تَقَوى اللهِ تَعَالى! في كُلِّ مَنْسَكٍ, لذا كَثُرَةِ الوصيَّةُ بالتَّقوى! فَلمَّا قَالَ تَعَالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ . قَالَ فِي آخِرِها: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ .وَبَعْدَهَا مُبَاشرةً قَالَ: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ .
عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّا يَسُرُّ في الحَجِّ والأضَاحِي أنَّكَ تَرى كَثِيرَاً مِن الْمُسْلِمِينَ يَتَحَرَّونَ تَطْبِيقَ السُّنَّةِ بِكُلِّ دَقَائِقِهَا سَوَاءٌ بِاخْتِيَارِ الأَضَاحِي أو سُنَنِ الذَّبْحِ والتَّوزِيعِ, بَلْ رَأَينَا مِنَ الحُجَّاجِ مَنْ يَنْتَظِرُ مُتَحَرِّيَاً زَوَالَ الشَّمْسِ حَتَّى يَرْمِيَ بَعْدَ الزَّوالِ. حَقَّاً أَخْذُ الدِّينِ لَيسَ بالْمَظَاهِر إنَّمَا بَحَسَبِ مَا وَقَرَ فِي القَلْبِ مِنْ تَعْظِيمِ الرَّبِ!
أيُّها المؤمنُ: وأنتَ تُشَاهِدُ قُرَابَةَ مِلْيُونَ حَاجٍّ فَإنَّكَ تَرْتَبِطُ مُبَاشَرَةً بِاليومِ الآخِرِ! حَتَّى كَأَنَّكَ تَرَاهَا رَأْيَ العَينِ! فَتَتَذَكَّرُ: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا*وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا . فَسُبحانَكَ رَبَّنا ما أَعظَمَكَ, وَأكْرَمَكَ أقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية: الحمدُ للهِ المَحمُودِ بكلِّ لسانٍ, جعلَ ذِكْرَهُ غَرسـاً للجِنَانِ, أَشْهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ الرَّحيمُ الرَّحمانُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه أَفْضَلُ الأَنَامِ, الَّلهم صلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليه وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ, وَمَن تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ وإيمَانٍ على الدَّوامِ. أمَّا بعدُ: فاتَّقوا الله يا أولي الألبابِ لَعَلَّكم تُفلحونَ.
أَيُّهَا الْمُسلِمونَ: لقد تَقرَّبْنا بِحَمْدِ اللهِ إلى اللهِ وَفَضْلِهِ بِصِيامِ عَرَفَةَ, وَذَبْحِ الأَضَاحِي, ووَقَفَ الْحُجَّاجُ فِي عَرَفَاتٍ، وَأَلَحُّوا عَلَى اللَّـهِ بِالدَّعَوَاتِ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِاللَّـهِ الْكَرِيمِ وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ وَيَدْعُونَهُ؟ أَتَظُنُّونَ أَنَّ الْكَرِيمَ يَرُدُّهُمْ؟ أَمْ أَنَّ الرَّحِيمَ يُعَذِّبُهُمْ؟ لَا وَاللَّـهِ لَا يَرُدُّهُمْ وَلَا يُخَيِّبُهُمْ. هَذَا ظَنُّنَا بِاللهِ, واللَّهُ يَقُولُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي».
عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ تَقَرَّبْتُم إلى اللهِ بِالأَضَاحِي, وَبِالأَعْمَالِ الصَّالحاتِ فِي الْعَشْرِ الْمُبَارَكَاتِ, وَبِحَجِّ بَيْتِهِ الحَرَامَ. تَقَبَّل اللهُ أعْمَالَكُمْ. فَلَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيكُمْ بِطَهارَةِ أَنْفُسِكِم وَبَيَاضِ صَحَائِفكُم, فَابْقَوا على عَهْدِ رَبِّكُمْ وتَابِعُوا مِن الصَّالِحَاتِ: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا . وَكُونُوا من الذَّاكِرينَ اللهَ كثيراً, وافْعَلُوا الخَيرَ دَهْرَكُمْ, وتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوى: فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا . وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ ربَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ).
فَأَيَّامُ العَشْرِ, مَدرَسَةٌ عَلَّمتْنا كَيفِيَّةَ الالتزامِ بِأَوامِرِ اللهِ حَقِيقَةً, فَلمْ نَأْخُذْ من شَعْرِنا وظُفُرِنا شَيئًا! فالتَزَمْنَا بِذَلِكَ امْتِثَالاً لِأَمْرِ رَبِّنَا! فَالوَاجِبُ أَنْ تَكونَ دَرْسًا لَنَا في كُلِّ أَوَامِرِ رَبِّنا ونَوَاهِيهِ حتى نَحصُلَ على تَقوى اللهِ حَقَّاً, وَلَقَدْ أَمَرَنا رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ, فَقَالَ: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ».
عَلَّمَتْنَا الأَضَاحِي والحَجِّ مَعْنى التَّضْحِيَةِ والاسْتِسْلامِ للهِ تَعَالى! فَكَانَ حَقَّاً علينَا بَذْلُ الوُسْعِ لِخِدْمَةِ دِينِ اللهِ والذَّبِّ عَنْهُ! عَلَّمَتْنَا أَهَمِّيَةَ الإنْفَاقِ مِمَّا نُحِبُّ فَاللهُ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبَاً! وَلَنْ نَنَالَ البِرَّ حَتَّى نُنْفِقَ مِمَّا نُحِبُّ! عَلَّمَنَا الْحَجُّ وَالأَضَاحِي أنَّ كُلَّ العِبَادَاتِ لا تُصْرَفُ إلَّا للهِ تَعَالى:(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ). عَلَّمَتْنَا أنْ نَبقَى على عهدِ ربِّنا وَأَنْ نُتَابِعَ الحَسَنَاتِ بِالحَسَنَاتِ, فَقَدْ لازَمْنَا الذِّكرَ أَيَّامًا, وَرَأيَنا في مَسَاجِدِنَا التَّالِينَ والدَّاعِينَ طِيلَةَ أيَّامِ العَشْرِ! فلنَكُنْ من الذَّاكِرينَ اللهَ كثيراً. قَالَ الشَّيخُ السَّعدِيُ رحمهُ اللهُ:(وهكَذا يَنبَغِي لِلعبدِ، كُلَّمَا فَرَغَ من عِبادَةٍ، أنْ يَستَغفِرَ اللهَ عن التَّقصِيرِ، وَيشْكُرَهُ على التَّوفِيقِ، لا كَمنْ يَرى أنَّه قد أَكمَل العِبَادَةَ، وَمَنَّ بِها على رَبِّهِ، وَجعَلت لَه مَحَلاًّ ومَنزِلَةً رَفِيعَةً، فهذا حَقِيقٌ بِالْمَقتِ، وَرَدِ الفِعلِ).انتهى. والذِّكرُ بِحَمْدِ اللهِ دَائِرَةٌ واسعةٌ، فالمسلمُ يَصْحو وينامُ، ويغدو ويروحُ، وهو يَلهَجُ بِذكرِ اللهِ تعالى! قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ؟ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ غَدًا فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: ذِكْرُ اللهِ).
أَيُّهَا الْمُؤمِنُونَ: بِحَمْدِ اللهِ وَفَضْلِهِ كَانَ لِحَجِّ هذا العَامِ مِن الثَّناءِ مَا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَليهِ. رَغْمَ ظَرْفِ الْوَبَاءِ, وهَذا بِفَضْلِ اللهِ تَعَالى, ثُمَّ بِجُهُودٍ مُضْنِيَةٍ بُذِلَتْ فَلَقَدْ رَأَيْنا مَا يَسُرُّ الخَاطِرَ, فَلِكُلِّ عَامِلٍ ,أصْدَقُ الدَّعَوَاتِ! جَزَاءَ مَا بَذَلَ وَقَدَّمَ, وَجَزى خَيْرَاً كُلَّ مَسْؤولٍ خَطَّطَ وَسَهَّلَ. فاللهمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ, وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ, اللهم تقبَّل من الْحُجَّاجِ حَجَّهم, اللهمَّ أعنَّا على ذِكركَ وشُكركَ وحسنِ عبادتِكَ, اللهمَّ اجعلنا من الذَّاكِرينَ الشَّاكِرينَ. اللهمَّ اجزِ خيراً كلَّ من ساهمَ وأعانَ على تيسيرِ الحجِّ وإتمامهِ. اللهمَّ وفِّق ولاةَ أمورنا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَأَعِنْهُم على البِرِّ والتقوى. اللهمَّ انصر إخواننا المُستضعفينَ في كلِّ مكانٍ, اللهم انصر جُنُودَنَا وَاحفَظْ حُدُودَنَا, ا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. واذكروا اللهَ يذكركُم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبرُ، وَاللهُ يعلم ما تصنعون.
أيُّها المُؤمِنُونَ: بِحَمْدِ اللهِ وَفَضْلِهِ كَانَ لِحَجِّ هذا العَامِ مِن الثَّناءِ والإطْرَاءِ مَا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَليهِ. وهَذا بِفَضْلِ اللهِ تَعَالى وَحْدَهُ وَتَوفِيقَهُ, ثُمَّ بِجُهُودٍ مُضْنِيَةٍ بُذِلَتْ. فَلَقَدْ رَأَيْنا مَا يَسُرُّ وَيُثْلِجُ الصَّدْرَ وَيُؤَكِدُ على أَنَّ مَنْ قَامُوا عَلَى تَنْظِيمِ حَجِّ هَذا العَامِ يَسْتَحِقُّونَ أصْدَقَ الدَّعَوَاتِ! جَزَاءَ مَا عَمِلُوا وَبَذَلُوا وَقَدَّمُوا, وَأنَّ فَي بِلادِنَا مُخْلِصُينَ مُحِبِّينَ لِلخَيْرِ! لا دَاعِيَ لِلْحَدِيثِ عَنْ السُّقْيَا وَالأطْعِمَةِ المُنْتَشِرَةِ في كُلِّ المَشَاعِرِ فَالْمَنَاظِرُ تَتَحَدَّثُ عَنْ نَفْسِها! أَمَّا رِجَالُ الأَمْنِ فَهُمْ عَلامَةٌ فَارِقَةٌ وَرَائِعَةٌ, حُضُورٌ كَثِيفٌ, وَتَنْظِيمٌ دَقِيقٌ, وَتَفْوِيجٌ مُنْضَبِطٌ وَاسْتِعْدَادٌ كَبِيرٌ, وَفَوقَ هَذا كُلِّهِ أَخْلاقٌ رَاقِيَةٌ وَتَصَرُّفَاتٌ نَبِيلَةٌ, وَرِفْقٌ وَاضِحٌ بِالحُجَّاجِ, مَعَ حَزْمٍ فِي تَطْبِيقِ النِّظَامِ! لَسْتُ واللهِ مُبَالِغَاً بَلْ حَقَائِقَ رَأَيْتُهَا بِأُمِّ عَينِي, وَحَمَلاتُ دَعْوَةٍ وَإرْشَادٍ تَجُوبُ المَشَاعِرَ نَفَّذَتْهَا وَزَارَةُ الشُّؤونِ الإسْلامِيَّةِ طِيلَةِ أيَّامِ الحَجِّ, أَمَانَةُ العَاصِمَةِ بَذَلَتْ جُهُودَا كَبِيرَةً فِي تَنْظِيفٍ مُسْتَمِرٍّ! وِزَارَةُ الصِّحَةِ وَفَّرَتْ خَدَمَاتٍ وَجَهَّزَتْ مُسْتَشْفَيَاتٍ لا تَنْقَطِعُ عَنْ الأنْظَارِ! أيُّ خَدَمَاتٍ هَذِهِ؟ وَأَيُّ نُبْلٍ وَكَرمٍ هَذَا؟ أَجْواءُ حَجٍّ جَمِيلَةٍ بِحَمْدِ اللهِ, وَأَمْطَارُ خَيرٍ وَبَرَكَةٍ مُتَواصِلَةٍ أَضْفَتْ على الحَجِّ بَرْدَاً وَسَلامَاً. فَبَينَمَا النَّاسُ فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ وَلَهَبِ الشَّمْسِ, جَاءَ المَطَرُ بِأمْرِ اللهِ تَعَالى لِيُبَشِّرَ المُؤمِنينَ أَنَّ مَعَ كُلِّ عُسْرٍ يُسْرَاً, وَأَنَّ الفَرَجَ بَعْدَ الكَرْبِ والشِّدَّةِ, وَأَنَّ البَاطِلَ مَهْمَا انْتَفَشَ وَعَلا فَأَنَّهُ زَبَدٌ سَيَعْقُبُهُ نَصْرٌ وَفَرَجٌ وَتَمْكِينٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ الذي بِيَدِهِ الخَلْقُ وَالأَمْرُ. فاللهمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ, وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ, اللهم تقبَّل من الْحُجَّاجِ حَجَّهم, اجعل مُسْتَقْبَلَنَا وَمُسْتَقْبَلَهم خَيراً مِن المَاضِي. اللهمَّ أعنَّا على ذِكركَ وشُكركَ وحسنِ عبادتِكَ, اللهمَّ اجعلنا من الذَّاكِرينَ الشَّاكِرينَ. اللهمَّ اجزِ خيراً كلَّ من ساهمَ وأعانَ على تيسيرِ الحجِّ وإتمامهِ. اللهمَّ وفِّق ولاةَ أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهُم على البِرِّ والتقوى. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. واذكروا اللهَ يذكركُم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.