اليَومُ الأَوَّلُ مِنْ شَعْبَانَ, أَهْلُ الْعِلْمِ صِمَامُ أَمَانٍ 1/8/1443هـ
الحمدُ للهِ الكَبِيرِ المُتَعَالِ، أَشهدُ ألَّا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له تَسْجُدُ لَهُ الظِّلالُ، وَأَشهدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ اللهِ ورسولُهُ طَيِّبُ الخِصَالِ, الَّلهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وبَارِك عليه وعلى جَمِيعِ الصَّحْبِ والآلِ, وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ المَآلِ. أمَّا بعدُ: فَوَصِيَّةُ اللهِ لَنَا تَقْواهُ في السِّرِّ والعَلانِيَةِ, (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِى ٱلألْبَـٰبِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
عِبَادَ اللهِ: الْيَومَ وَفَدَ عَلَينَا سَفِيرٌ كَرِيمٌ لِضَيفٍ عَزِيزٍ عَلى قُلُوبِ الْمُؤمِنِينَ، فَمِن حَقِّ رَمَضَانَ عَلينَا أَنْ نَصِلَ قَرِيبَهُ وَنُكْرِمَ سَفِيْرَهُ! فَمِنْ تَعْظِيمِ اللهِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ, أَنْ هَيَّأَ قَبلَهُ شَهْرَ شَعبَانَ, ولهذا كانَ لِشَهرِ شَعبَانَ عندَ رَسُولِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ العَمَلِ مَا يفُوقُ الْمَقَالَ! فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يحثُّ الْمُسْلِمِينَ إلى زِيَادَةِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ في شَهْرِ شَعبَانَ! وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَتْ أُمُّنَا عَائِشَةُ رَضِي اللهُ عَنْهَا: "يَصُومُ، شَعبَانَ، حَتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، وَمَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلاَّ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيتُهُ فِي شَهْرٍ أَكثرَ صِيَامَاً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ" رواه البخاري ومسلم. وفي روايةٍ: كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّه. وَكَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلاَّ قَلِيلاً. وَلَمَّا قَالَ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ: " ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" حسَّنهُ الألبانيُّ.
عِبَادَ اللهِ: مَا دُمْنَا في أَوَّلِ يَومٍ مِنْهُ فَلْنَعْقِدِ العَزَمَ عَلى التَّزوُّدِ فِيهِ من الطَّاعاتِ فِيهِ, حتى لا يَأْتيَ رَمَضَانُ إلاَّ وَقدْ ارْتَقَينَا مَنَازِلَ عَالِيةٍ. أَلَمْ يَقُلِ اللهُ تَعَالَى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). فَصِيَامُ شَعبَانَ مِنْ أَفْضَلِ التَّطوُّعِ؛ لأنَّهُ بِمَنزلَةِ السُّنَنِ الرَّواتِبِ مَعَ الفَرائِضِ قَبلَهَا, قَالَ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: "صَومُ شَعْبَانَ كالتَّمرِينِ على صِيَامِ رَمَضَانَ؛ لئِلَّا يَدخُلَ في صومِ رمضانَ على مَشَقَّةٍ وَكلفَةٍ " انتهى كلامه رحمهُ اللهُ.
فَاحْرِصُوا رَحِمَكُم اللهُ على صِيَامِ وَلَو بَعْضَ أَيَّامِهِ, وحُثُّوا أَبنَاءَكَم وَدَرِّبُوهم عليهِ؛ حتى لا يُصابُوا بِثِقَلٍ أو تَعَبٍ فِي رَمَضَانَ. ولا يَنْبَغِي أنْ نَتَحَجَّجَ بِدِرَاسَةٍ أو ضَغْطِ اخْتِبَارَاتٍ! فَلْتَبْشِر أيُّها الصَائِمُ بِالعَونِ وَالأَجْرِ الوَفِيرِ.
عِبَادَ اللهِ: تَأَمَّلُوا قَولَ أَنسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: " كانَ الْمُسلِمُون إذا دَخَلَ شَعبَانُ أَكَبُّوا على المَصَاحِفِ فَقَرَؤوهَا, وَأَخَرجُوا زَكاةَ أَموالِهم؛ تَقوِيَةً لِضَعِفِيهم على الصَّومِ". وَقَالَ سَلَمَةُ بنُ كُهَيلٍ رَحِمَهُ اللهُ: كَان يُقَالُ: شَهرُ شَعبَانَ شَهرُ القُرآنِ. حَقًّا مَا أَعظَمَ كَلامَكَ يَا اللهُ, وَمَا أَجَلَّ كِتَابَكَ: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ .
إخْوَانِي: الواحِدُ مِنَّا لَو تَفَكَّرَ فِي حَالِهِ لَأَبْصَرَ أَنَّهُ يَصْرِفُ أَوْقَاتاً يَتَصَفَّحُ فِيهَا عَشَرَاتِ التَّعلِيقَاتِ وَالْمُحَادَثَاتِ وَمَقَاطِعِ الجَوَّلاتِ! فَلا أَنْجَزَ أَعْمَالاً وَلا تَلا قُرْآنَاً! فَيا أيُّهَا الأَخُ المُباركُ: تَغَانَم صِحَّتَكَ وَفَرَاغَكَ وَأَكْثِر مِن تِلاوةِ كِتابِ رَبِّكَ. فَعَن أَبِي مُوسى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ: لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ).
عِبَادَ اللهِ: لِنُعَوِّدَ أَنْفُسَنَا عَلى قِيَامِ الَّليلِ مِنَ الَّليلَةِ, فَلقدَ قَدُمَ عَهدُ بَعْضِنَا بِقيَامِهِ! وَلَو أَنْ نَبدأَ بِثَلاثِ ركَعاتٍ, ثُمَّ بِخَمْسٍ، وَهَكَذَا, حتى نَنْشَطَ عَلَيهِ لِرَمَضَانَ!
يَا مُؤمنونَ: ومِمَّا يُؤكَّدُ عليهِ في شَعبَانَ صِلَةُ الأَرْحَامِ, وَتَرْكُ التَّشَاحُنِ والبَغضَاءِ, وَمَن كَانَ عَلَيهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ الْمَاضِي فَليُبَادِر بِقَضَائِها مِنَ الآن, وَذَكِّروا أَهْلَ بَيْتِكُمْ وَتَفَقَّدُوهُمْ بالسُّؤالِ. وَمَنْ كَانَتْ لأخِيهِ مَظْلَمَةٌ أَو حَقٌ فَلْيُؤدِّهَا قَبْل يَومِ الْحِسَابِ. فَالَّلهُمَّ أَعنَّا جَمِيعًا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عبادتكِ. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ ولِلمُسلمينَ من كُلِّ ذَنبٍّ فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
أَهْلُ الْعِلْمِ صِمَامُ أَمَانٍ 1/8/1443ه
الحمدُ لله نَزَّلَ الذِّكرَ وَحَفِظَهُ على مَرِّ الأَزمانِ، قيَّضَ لَهُ عُدُولا يَحمِلُونَهُ في كُلِّ عَصْرٍ وَأَوَانٍ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْمَلِكُ الدَّيَّانُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ محمَّداً عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ تَرَكَنَا عَلى بَيْضَاءَ، لا يَزِيغُ عَنْهَا إلَّا أَهْلُ الضَّلالِ وَالأَهْوَاءِ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ، وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِه وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثْقَى،
ثم اعلَمُوا يا ُمؤمِنُونَ: أَنَّ مَن أَرَادَ الحَقَّ أَصَابَهُ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَه: (ومن يَعتَصِمْ باللهِ فقد هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُستَقيمٍ).
أَيُّها الْمُسْلِمُونَ، أَهَمُّ مَا تَحْتَاجُهُ الأُمَّةُ الْعُلَمَاءُ الرِّبَّانِيُّون النَّاصِحُونَ، لِيَهْدُوهُمْ إلى الاسْتِقَامَةِ, وَيُنْقِذُوهُمْ مِنَ الْضَّلالَةِ وَالْغِوَايَةِ، فَقَد حَضَّ اللهُ عَلى ذَلِكَ فَقَالَ: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون).
فَصَاحِبُ العِلْمِ النَّافِعِ قُدْوَةٌ لِغيرِهِ, وَيَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ قَولِهِ وَفِعْلِهِ مُنْطَلِقِينَ مِنْ قَولِهِ تَعَالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ). حَذِرِينَ مِنْ وَعِيدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ: (مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَجَّمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ).
لِذَا أَصْبَحَ أَهْلُ الْعِلْمِ هُمْ أَهْلُ الإفْتَاءِ. مُنْذُ فَجْرِ الإسْلامِ وَحَتَّى يَومِنَا هَذَا.
يَا مُسْلِمُونَ: اعْرِفُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ , فَأَثْمَنُ شَيءٍ لَدَيكَ دِينُكَ، وَأَعظمُ بِضَاعةٍ تَسعَى لَها تَحقِيقُ تَقْوَى الرَّبِّ جَلَّ وَعَلا،
عِبَادَ اللهِ: الفَتْوَى السَّلِيمَةَ تَجْعَلُ النَّاسَ عَلى الْطَّرِيقِ الأَقْوَم، وَهِيَ صَلاحٌ لِلْفَرْدِ وَسَلامَةٌ وَأَمْنٌ لِلمُجَتَمَعِ. في الفَتْوَى السَّلِيمَةِ تَوثِيقٌ لِصِلَةِ الأُمَّةِ بِعُلَمَائِهَا وَقَادَتِهَا، فَتَتَّحِدُ الأُّمَّةُ بِقَادَتِهَا مُحَقَّقَينَ قَولَ اللهِ تَعَالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُم. (
اللهم آتِ نُفُوسَنَا تقواها، وزَكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زَكَّاها، أنتَ وَلِيُّها ومَولاها. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، ربنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان، ووفقنا لما تحبُّ وترضى يا رحمان, اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى، وأعنهم على البرِّ والتقوى, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا ربَّ العالمين. اللهم بلغنا رمضان، وارزقنا فيه حُسنَ القولِ والعملِ. اللهمَّ أعزَّ الإسْلامَ والمُسْلِمِينَ وانْصُرْ مَنْ نَصَرَ الدِّينَ, اللهم انصُرْ جُنُودَنا واحفَظْ حُدُودَنا, وَرُدَّ كَيدَ الكَائِدِينَ يَاربَّ العالمِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.