عُدْنَا بِحَمْدِ اللهِ وَالْعَودُ أَحْمَدُ 18/6/1443ه
ـ
الحمدُ للهِ اتَّصفَ بالعلمِ والحِلمِ، أَنَارَ العُقُولَ بِالآياتِ، وَنَفَعَ البَشَرَ بِعُلُومٍ نَافِعاتٍ.
سبحَاَنكَ الَّلهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمتَ بالقَلَمِ القُرُونَ الأُولى
أَخْرَجْتَ هذا العَقْلَ مِن ظُلُمَاتِهِ وَهدَيتَهُ النُّورَ الْمُبينَ سَبِيلاً
أَشْهدُ ألاَّ إله إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، رفعَ أهلَ العِلمِ فَكَانُوا قِمَمًا، وَأَشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله وَرَسُولُهُ، بُعِثَ بالعلمِ والأَخلاقِ للنَّاسِ عَرَبًا وعَجمًا، صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه بذَلوا لدِّينِهِ مُهجًا وهِممًا، والتَّابِعينَ لَهُم بإحسَانٍ وإيمانٍ دَومَا وَأَبَدَاً.
أمَّا بعدُ: فالسَّعيدُ من اتَّقى اللهَ، وأَخَذَ من دُنياهُ لأُخَراهُ, فَاتَّقُوا اللهَ يَا مُؤمِنُونَ وَرَاقِبُوهُ.
عِبَادَ اللهِ: أوَّلُ مُعلِّمٍ في هذهِ الأُمَّةِ هو مُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, وَأوَّلُ مَدرَسَةٍ لَهُ في دَارِ ابنِ الأَرْقَمِ أسفَلَ جبلِ الصَّفا وَمِنْها صَاغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ صَحَابَتَهُ الكرامَ وربَّاهم على التَّقوى والإيمانِ.
عِبَادَ اللهِ: بعدَ غدٍ بإذنِ اللهِ تَكْتَمِلُ مَسِيرَةُ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ في أَرْجَاءِ بِلادِنَا الغالِيَةِ، بَعْدَ انْقِطَاعٍ كَبِيرٍ لِقِطَاعٍ كَبِيرٍ مِن أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا, بِسَبَبِ وَبَاءِ كُورُونَا, وَسَيَبرُقُ فَجرٌ بَهيجٌ بإذِنِ اللهِ بِعَودَةِ الجَمِيعِ لِمَقَاعِدِ الدِّرَاسَةِ بَعْدَ جُهُودٍ مُضْنِيَةٍ مِنْ كَافَّةِ القِطَاعَاتِ، وَبِعْدَ مَا اسْتَكْمَلَ الجَمِيعُ الجُرُعَاتِ.
فَنَسأَلُ الْمَولى أن يجعلَهُ عامَاً دِراسِيَّاً مُباركاً، مَلِيئاً بالعلمِ والعَمَلِ،وَالأمْنِ والإيمَانِ, والصِّحَّةِ والعَافِيَةِ.
عِبَادَ اللهِ: وَأَنفعُ الوَصَايَا وأَجْمَعُها أَنِ اسْتَقْبِلُوا عَوْدَتَكُمْ بِفَأْلٍ حَسَنٍ فقد كَانَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ في شَأنِهِ كُلِّهِ، ويَستَعِيذُ باللهِ من الْهَمِّ والعَجْزِ وَالكَسَلِ.
رِسالَتُنا الأُولى: لأُمَنَاءِ التَّربيةِ والتَّعلِيمِ، لِمَشَاعِلِ النُّورِ والرَّحْمَةِ والهِدَايَةِ، يامن تَشَرَّفتُم بِأَعظَمِ مَهمَّةِ! هَا هُم أَبنَاؤنا مُقْبِلُونَ عَلَيكُمْ فَدُلُّوهُمْ على مَحَبَّةِ اللهِ ومَرْضَاتِهِ، واغرِسُوا فيهم الإيمَانَ والإحسانَ، وَأبْشِرُوا بِقَولِ اللهِ تَعَالى:(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا). فَأَخلِصُوا للهِ في القولِ والعَمَلِ، فَمَا كانَ للهِ دامَ، ومَا كانَ لِغيرِ اللهِ ذَهَبَ وانقطعَ.
أيُّها الْمُعَلِّمُونَ الأَفَاضِلُ: نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, كَانَ حَلِيمَاً رَفِيقاً، فَيَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا، ولْتَكُنْ دَائِمَ البِشْرِ، فَرَسُولُنا ما لَقِيَ أَحَداً إلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِهِ.
أَبْنَاؤنَا أَمَانَةٌ في أَعنَاقِكُم، فاقْدُرُوا لِلكَلِمَةِ قَدْرَها، فَطُلابُنَا يَعقِلُون بِأَعيُنِهم أكثرَ من آذانِهم. وَمَنَاهِجُنا سَتَظَلُّ حِبْرًا على وَرَقٍ ما لم نُتَرْجِمْها بِسُلُوكِنَا! قَالَ ابنُ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ: نَحنُ إلى قَلِيلٍ مِن الأَدَبِ أَحوَجُ مِنَّا إلى كَثيرٍ مِن العِلْمِ.
أيُّهَا الأَفَاضِلُ: الْمُعَلِّمُ النَّاجحُ مَنْ يَتَوَاضَعُ لِطُلاَّبِهِ، مُتَمَثِّلاً قولَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ اللهَ أَوْحَى إليَّ أَنْ تَوَاضَعُوا). الْمُعَلِّمُ النَّاجِحُ مَنْ يَكْشِفُ المَواهِبَ ويقَوِّيَ العَزَائِمَ! حَسَنُ الأَلفَاظِ، إيْجَابِيٌّ في طَرْحِهِ، مُتجدِّدٌ في أُسْلُوبِ عَرْضِهِ. يَصِلُ إلى قُلوبِ طُلاَّبِهِ وَيُقِيمُ معهم جُسُورَ الْمَحَبَّةِ والإخاءِ، طَيِّبُ الذِّكْرِ نَقِيُّ الفِكْرِ حَسَنُ القُدوَةِ. كفاكَ شَرفاً أنَّكَ تَقِفُ مَقَامِ الرَّسُولِ الأَعْظَمِ فَقَدْ بَعَثَهُ اللهُ للنَّاسِ:(يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). بَعَثَهُ اللهُ لِيُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلَاقِ ومَكارِمَهَا، فَهَنِيئاً لَكَ:(فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْر). جَعَلَنا اللهُ جَمِيعَاً مَفَاتِيحَ خَيرٍ مَغَالِيقَ شَرٍّ. أقول قولي هذا، وأستغفِر اللهَ لي ولكم، فاستغفروه إنِّهُ هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله الوليِّ الْحَميدِ، أَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريك لَهُ يَهدِي مَنْ يَشَاءُ لِمَا يُرِيدُ، وَأَشْهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صاحبُ الْخُلُقِ الكَريمِ وَالأَدَبِ الحَمِيدِ, اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِكْ عَلَيهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ إلى يومِ المَزيدِ. أَمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعالى واحمَدُوهُ على نِعَمِةِ الصِّحَّةِ والأَمْنِ والعَافِيَةِ.
فَقَدْ عادَ أَولادُنَا لِمَقَاعِدِ الدِّرَاسَةِ, وَنَحْنُ نَرْفُلُ بِصِحَّةٍ في أَجْسَامِنَا, وَوَفْرَةٍ في أَرْزَاقِنَا, وَأَمْنٍ في بِلادِنَا فَللهِ الحَمْدُ والفَضْلُ حَقَّاً كَمَا قَالَ رَبُّنَا: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ). وفي حَدِيثٍ حَسَّنَهُ ابنُ حَجَرٍ وابنُ بازٍ عليهمَا رَحْمَةُ اللهِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ».
أبنَائَنا الطُّلابَ: هَا هِيَ أَيَّامُ العِلْمِ أَقبَلَتْ بِجِدٍّ فَأَقْبِلُوا عليها بجدٍّ وإخلاصٍ. واعلموا أنَّ جهودًا صِحِّيَّةً كبيرةً عُمَلت مِنْ أَجْلِكُمْ، فَكُونُوا عند حُسْنِ الظَّنِ بكم، وأبْشِروا فَإنَّ رَسُولَنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقَاً إلى الجَنَّةِ (.
أَبْنَائِي الطُّلابَ: مُعَلِّمُوكُم بِمَنزلةِ آبائِكم فَلا تَظنُّوا بِهم سُوءاً، ولا تَنْطِّقُوا أَمَامَهُم بِسُوءٍ. وَاحْذَرُوا الإهْمَالَ والكَسَلَ فلا يَنالُ العِلْمَ كَسُولٌ ولا عَاجِزٌ، واحذَرُوا رِفْقَةَ السُّوءِ، وَاحتَرِمُوا العلمَ وكُتُبَهُ، وَأَتْقِنُوا ما تَتَعلَّمون وطبِّقوا ما تَأْخذونَ، وَأَحْسِنُوا المَظْهَرَ مِنْ مَلْبَسٍ وَتَفَقُّدٍ للشَّعْرِ والأَظْفَارِ, وَنَظَافَةٍ لأجْسَامِكُمْ, وَأَخْذٍ بِكَافَّةِ الاحْتِرَازَاتِ والتَّوجِيهَاتِ الصِّحِيَّةِ. فَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ». وَابْتَعِدُوا عَنْ قَصَّاتِ الشَّعْرِ بِأَشْكَالِهَا فَقَدْ نَهى نَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عن القَزَعِ! وَاحْذَرُوا التَّقْلِيدَ الأَعْمَى! فَنَحْنُ نَنْتَظِرُكُم عُلماءَ وَأَطِبَّاءَ وَمُهندِسِينَ، وَجُنُوداً مُخلِصِينَ، وفَّقَكُمُ اللهُ صِرَاطَه المُستَقِيمَ.
أَيُّهَا الأَولياءُ الكِرَامُ: نَحنُ شُرَكَاءُ المَدْرَسَةِ فِي رِسَالَتِها، فَعَلَينا أَنْ نَزْرَعَ في قُلُوبِ أَبْنَائِنا حُبَّ العِلْمِ والمعلِّمينَ وَاحْتِرَامِهِمْ، فَالأَدَبُ مِفتاحُ العلمِ وَأَسَاسُ الطَّلبِ. وَعظِّموا أمرَ اللهِ في نفوسِ أبنَائِكُمْ، (مُرُوهُمْ بِالصَّلاةِ لِسَبعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَينَهُمْ في الْمَضَاجِعِ).
أيُّها الوَلِيُّ المُبَارَكُ: بَنَاتُكَ أَمَانَةٌ, فلا يَحِلُّ لَكَ أنْ تَجْعَلَهَا تَخلُوَ بِسَائِقٍ أَجنَبِيٍّ, أَو تُعَرِّضَها لِلمَخَاطِرِ! كَمَا أَنَّهُ لَيسَ مِنْ إكرامِهِنَّ إهَانَتَهُنَّ لِوقْتٍ طَويلٍ يَنْتَظِرْنَ مَنْ يَمُنُّ عَليها بِالتَّوصيلِ! فاحْتَسِبُوا الأجْرَ من اللهِ تَعَالى بالصَّبْرِ على كَلَفَةِ الذَّهَابِ لِلمَدَارِسِ وَالعَودَةِ مِنْهَا وَأَكرِمُوا بَنَاتِكُمْ وأَعِزُّوهُنَّ واحشِمُوهُنَّ, فَنَحْنُ رُعَاةٌ وَمَسْؤُولُونَ عَنْ رَعَايَانَا , كَانَ اللهُ فِي عَونِنَا جَمِيعَاً، وَهَدَانَا صِرَاطَهُ المُسْتَقِيمَ. اللهمَّ أعنِّا جَمِيعَاً على أداءِ الأمانةِ، اللهمَّ نعوذُ بك من السُّوءِ والمَكْرِ والخيانةِ. اللهم اجعل عَودَةَ الجَمِيعِ عَودَةَ صِحَّةٍ وَخيرٍ وهدىً، وفلاحٍ وتُقى، وَاجْزِ خَيْرًا كُلَّ مَنْ عَمِلَ وَاجْتَهَدَ وَسَعَى. اللهم وأعزَّ الإسلامَ والمسلمين في كلِّ مكانٍ كن لهم ناصِراً ومُعيناً. اللهم وعليك بأعداء الدِّينِ، الذينَ يُفسِدونَ في الأرضِ ولا يُصلِحونَ. اللهمَّ وفِّق ولاةَ أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهُم على البِرِّ والتقوى اللهم احمِ حُدُودَنا وانْصُر جُنودَنا وبلادَ المسلمينَ. اللهم اغفر لنا ولوالدِينا والمسلمينَ أجمعينَ. اللهم أصلح لنا نيَّاتِنَا وَذُريَّاتِنَا والمسلمينَ أجمعينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله اذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.