نِعْمَةُ الشِّتَاءِ وَبَعْضُ أَحكَامِهِ وَحِكَمِهِ 28/4/1443ه ـ الحمدُ لله خلَق الإنسانَ وَلَمْ يَكُنْ شيئًا مَذكورًا، هَدَاهُ السَّبيلَ إمَّا شَاكرًا وإمَّا كفورًا، أَشْهَدُ ألَّا إله إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إنَّه كانَ حَلِيمًا غَفُورًا، وَأَشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله وَرَسُولُهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَاركَ عَليهِ وَعلَى آلِه وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابعينَ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحْسَانٍ وسلَّمَ تَسْلِيمَاً مَزِيدا. أمَّا بعدُ: فَأَوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، وَالتَّفَكُّرِ فِي تَقَلُّبِ الأَحْوَالِ وَالَّليَالِ، فالتَّفَكُّرُ يزيدُ إيمانَكَ، ويجعلُكَ مُذعِنَاً للهِ تَعَالى. يقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار . فَسُبحانَ من خَصَّ كُلَّ مَوسِمٍ بِما يُنَاسِبُه، من الثِّمارِ ونوَّعَها لِنَتَفَكَّرَ في بَدِيعِ صُنعِ ربِّنا! في الصَّحيحِ عن أبي هُرَيْرَةَ ،قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :"اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِير". عبادَ اللهِ: في الشِّتَاءِ فَوَائِدُ وَأَحْكَامٌ يَحْسُنُ مَعرِفَتُها والتَّذكيرُ بها، فِي حَدِيثٍ رَواهُ الإمَامُ أحْمَدُ وَحَسَّنَهُ السُّيُوطِيُّ عَليهِمْ رَحْمَةُ اللهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :« الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ قَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَ وَطَالَ لَيْلُهُ فَقَامَ». وكانَ ابنُ مَسْعُودٍ إذا جَاءَ الشِّتاءُ قال:(مَرْحباً بالشِّتَاء تَنْزِلُ فيه البَرَكَةُ، وَيَطُولُ فيه الَّليلُ لِلقِيامِ وَيَقْصُر فيهِ النَّهارُ للصَّيامِ). اللهُ أكبَرُ يا كِرامُ: هذهِ نَظْرَةُ رَسُولِنَا وَسَلَفِنا لِلشِّتاءِ! وَحَالُ بَعْضِنَا أَضْحَى سِمَةً لِلنَّومِ والتَّخلُّفِ عن صلاةِ الفَجْرِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ! وَنَسُوا أنَّ رَسُولَنا قَالَ: «إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا». ألَمْ يَعْلَمُوا أنَّ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ». فَأَبْشِرُوا يا من تُجاهدونَ أنفُسَكُم لِلقيامِ وتَمشونَ في الظُّلَمِ والبَردِ للصَّلواتِ فَلَكمُ النُّورُ التَّامُ يومَ القيامَةِ. يَا مُؤمِنُونَ: وَمِنْ غَنَائِمِ الشِّتَاءِ أنَّهُ فُرصةٌ للإكثارِ من الصِّيامِ فَقَد سَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ :( الغَنِيمةُ البَارِدَةُ). وَمِنْ أَحْكَامِ الشِّتَاءِ أَنْ نَتَذَكَّرَ فَضِيلَةَ وَأَهمِّيَةَ إسبَاغِ الوُضُوءِ خَاصَّةً مَعَ كَثْرَةِ المَلابسِ عَلى اليَدَينِ وَالذِّرَاعَينِ، وَعلى الْمُتَوضِئَ أَنْ يُخْرِجَ كَامِلِ فُرُوضِ الوُضُوءِ وَيَغْسِلَها كَمَا أَمَرَ نَبِيُّنَا بِذَلِكَ فَقَد رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّؤونَ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَمِنْ حِكَمِ الشِّتَاءِ أَنْ نَتَذَكَّر يُسرَ الشَّريعةِ بِالمَسْحِ عَلى الخُفينِ وأَنْ نَعْمَلَ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا , فعَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي اللهُ عنهما قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ :«دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» رَواهُ البُخَارِيُّ. قَالَ العُلَمَاءُ: وَمِنْ أَحْكَامِ المَسْحِ على الخُفينِ، أنْ يَتِمَّ لُبسُهمَا على طَهَارَةٍ. وألَّا يكونَا نَجِسيَنِ، وَأَنْ يَكونَ المَسحُ في الحَدَثِ الأَصْغَرِ، أمَّا الحَدثُ الأكبرُ فَيَجِبُ نَزْعُهُما وَغَسْلُهُما. وَأَنْ يكونَ المَسحُ في الوقتِ المُحَدَّدِ شَرْعاً وهو يومٌ وليلةٌ للمُقِيمِ وثلاثَةُ أيَّامٍ بليالِيهِنَّ للمُسافِرِ. وصفةُ المسحِ أنْ يَبُلَّ أصَابِعَ يَديهِ بالمَاءِ وَيَضَعُهُما مُفَرَّجَتَي الأصَابِعِ على مُقَدِّمَةِ رِجلَيهِ ثُمَّ يُمرِّهُمَا إلى بِدايَةِ سَاقَيهِ، اليُمنى على اليمنى، واليُسرى على اليُسرى، وإنْ صلَّى بِمسحٍ زَائِدٍ على المُدَّةِ أعادَ صَلاتَهُ بِوضُوءِ جَديدِ يَغسلُ فيه القَدَمَينِ. وَعَلينَا أَنْ نَهتَمَّ بِنَظافَةِ الجَورَبَينِ حتى لا يكونَا مصدراً لِلرَّوائِحِ الكريهةِ وأذى المُصلِّينَ! فاللهمَّ انفعنا بالقرآنِ العظيمِ وبِهديِ سيِّدِ المرسلينَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذَنْبٍ فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ. الخطبةُ الثَّانيةُ/ الحَمْدُ للهِ وَعَدَ الْمُنفقينَ مَغفرَةً مِنْهُ وَفَضَلاً، أَشهد ألَّا إله إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له تعبُّداً لهُ ورِقَّاً، وَأَشهدُ أنَّ نبيَّنَا محمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أكملُ الخلقِ جُوداً وبِرَّاً، الَّلهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وَبَارِكْ عَليهِ، وَعلى آلِه وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ إلى يوم الدِّينِ. أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُون . أيُّها المؤمنُ: وَمن فوائدِ الشِّتَاءِ أنَّهُ يُذكِّركَ بِحجمِ النِّعمةِ التي تَتَفَيَّئُي فيها، من لِباسٍ كَافٍ، ومَسكَنٍ آمِنٍ ودَافِئٍ، فلِنُحِبَّ لإخوانِنا ما نُحبُّه لأنفُسِنا، والأموالُ عِنْدَنَا مُتَيَسِّرَةٌ، والثِّيابُ مُكَدَّسةٌ، فَأنفِقُوا على إخوانِكم واكسُوهُم وأَدفِئُوهم: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ . وَعِندَنَا بِحمدِ اللهِ جَمعيِّاتٌ تُعْنَى باسْتِقْبِالِ نَفَقَاتِكُمُ النَّقْدِيَّةِ والعَينِيَّةِ، كَما تَمَّ إطْلاقُ مَنَصَّةِ إحْسَانٍ وَهِيَ مَنَصْةٌ تَقُومُ بِإيصَالِ تَبَرُّعَاتِكُمْ إلى الْمُحْتَاجِينَ بِكُلِّ أَمَانٍ. عَبَادَ اللهِ: وَفي مَوسِمِ الشَّتَاءِ يَتَسَاهَلُ أُنَاسٌ بِإيَقادِ النَّارِ في بُيُوتِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ وَمَلاحِقِهِمْ وَلا يَأخُذُونَ الاحْتِيَاطَاتِ اللازِمَةِ مِن التَّهْوِيَةِ الكَافِيَةِ أو عَبَثِ الأطْفَالِ مِمَّا سَبَّب اخْتِنَاقَاتٍ وَحَرَائِقَ حَمَانَا اللهُ وَإيَّكُمْ نَسْمَعُ عَنْهَا كَثِيرًا. وَقَدْ حَذَّرَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (لا تَتْرُكُوا النَّار فِي بُيُوتِكُمْ حِين تَنامُونَ) متفق عليه. وَلَمَّا حُدِّثَ عَنْ بيْتٌ بِالمدينةِ احْتَرَقَ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، قَال صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ هَذِهِ النَّارَ عدُوٌّ لكُمْ، فَإذَا نِمْتُمْ فأَطْفِئُوها) متفق عليه. أيُّها الأخُ المُباركُ: وَمِنْ فَوائِدِ الشِّتَـاءِ أنَّهُ فُرصَةٌ للتَّنَزُّهَاتِ والمُخيَّماتِ العَائِلِيَّةِ والشَّبابِيَّةِ، وَنَحْنُ في إجَازِةِ رَبِيعٍ، وهذهِ الاجتماعاتُ أُنسٌ وصِلَةٌ، إذا خَلَت من المَحَاذِير الشَّرعيَّةِ، وَتَمَشَّتْ مع الآدابِ المَرعِيَّةِ. فَرِسَالَتي لكَ أيُّها الوَلِيُّ الكَريمُ: بأن تَحْفَظَ بَناتِكَ عن كلِّ ما يَخدِشُ الحياءَ والفضيلَةَ فأنتمُ المسئولونَ والْمُحاسبونَ عندَ اللهِ وأَمامَ خلقِ اللهِ! (فكلُّكمْ راعٍ ومسئولٌ عن رَعِيَّتِهِ). فلا تَرضَوا بتَهَوِّرهِنَّ بالسَّيَّاراتِ أو الدَّراجاتِ النَّاريَّةِ فإنَّ هذا واللهِ سَفَهٌ وَعَبَثٌ وَفَسَادٌ. وَالأَمَرُّ أنْ يوجدَ فَتياتٌ يَعبَثنَ وَهُنَّ كَاشِفَاتٌ بِحُجَّةِ التَّمْشِيَةِ حولَ الْمُخيَّماتِ وهذا مالا يُقبلُ عقلاً ولا شَرْعاً! وفي الحديثِ أنَّ النَّبِيِّ قَالَ:(مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ). حَمانا اللهُ وإيَّاكم وذَرَارِينا والْمسلمينَ أجمعينَ. أيُّها الأولياءُ الكرامُ: يُعلَنُ بينَ الفينَةِ والأخرى عن إقامةِ مِهرَجَانَاتٍ وفَعَاليَّاتٍ مع الأسفِ يَختَلِطُ فيها الرِّجالُ بالنِّساءِ! وَيَقِلُّ فيها الْحِشمَةُ والْحَياءُ! فَاحْفَظُوا نِسَائَكُم وَأَهْلِيكُم حَفِظَكمُ اللهُ، وَلْتَكُونُوا مِن الْمُفْلِحينَ الذينَ قَالَ اللهُ عَنْهُمْ: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . عِبَادَ اللهِ: بِلادُنا بِحَاجَةٍ إلى الأمْطَارِ والبَرَكَاتِ. فارْفَعُوا أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ لِمَولَاكُمْ، فَالَّلهُمَ أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم اسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين. اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاءٍ ولا هدم وغرق. اللهم أغث قُلُوبَنا بالعلمِ والإيمانِ، وبلادنا بالخير والأمطار. اللهم زيِّنا بزينة الإيمان والتقوى، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم وفِّق ولاةَ أمورنا لما تحبُّ وترضى وأصلح لهم البِطانةَ وأعنهم على أداء الأمانةِ. اللهم وفِّق وسدِّد الآمرينَ بالمعروف والناهينَ عن المنكر وقوِّى عزائِمَهم وأهدهم سبل السلام. اللهم أصلح شبابَ المسلمين واحفظهم من كلِّ سوءٍ ومكروهٍ. اللهم احفظ نسائنا من كلِّ سوءٍ وارزقهنَّ الحشمة والحياءِ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء. عباد الله: اذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.