كَرَمُ اللهِ عَلينا بِالأَمْنِ وَالأَمَانِ 10/2/1443هـ الحمدُ لله منَّ علينا بالإسلامِ، ونوَّرَ قُلُوبَنا بالإيمانِ، أَشهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا الله وحده لا شريكَ لهُ رَبُّ الرِّحِيمُ الرِّحمَانُ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنا وَحَبِيبَنا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، عليهِ وعلى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَتَمُّ صَّلاةٍ وَسَلامٍ. ومن سَارَ عَلى نَهْجِهِم إلى يومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ. عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسي بِتَقْوَى اللهِ وطاعتِهِ، فَاللهُ تَعَالى يَقُولُ:(مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ .( عبادَ اللهِ: إنِّنا مُطالبونَ بالتَّمسُّكِ بِشَرِيعَتِنَا الغَرَّاءِ والعَضِّ عليها بالنَّواجذِ وَحِمَايَتِهَا مِنْ الرَّوافِضِ الخَائِبينَ، أو الغُلاةِ الخَارِجينَ، أو المُتَطَرِّفينَ الهَالِكينَ، فَاللهُ تَعَالى يَقُولُ:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). عِبَادَ اللهِ: مَنْ لَمْ يَعْرِفْ نِعْمَةَ اللهِ عليهِ في أمْنِنا في أَوطَانِنَا، وَرَخَاءِ أَرْزَاقِنَا، وَصِحَّةِ أبْدَانِنا، فَهُو إنْسَانٌ كَنُودٌ! وَمَنْ نَسَبَ النِّعَمَ لِغَيرِ اللهِ تَعَالى فَهُوَ ظَلُومٌ كَفُورٌ! فَاللهُ يَقُولُ:(وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ). فَكُلُّ نِعْمَةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ لا أَحَدَ يُشَارِكُهُ فِيهَا! أَيُّها المُسْلِمُونَ: نَعِيشُ في بِلادِنَا بِحَمْدِ اللهِ تَعَالى فِي أمْنٍ وَأمَانٍ، وَرَاحَةٍ وَقَرَارٍ، بَينَمَا فِتَنٌ مِنْ حَولِنا تَعْصِفُ بالبِلادِ والعِبَادِ نَسْألُ اللهَ العَفْوَ والعَافِيةَ لَنَا وَلَهُمْ. عِبَادَ اللهِ: إنَّ سَلامَةَ بُلدَانِنا، وَأَمْنَ أَوطَانِنا، مَسْؤُولِيَّةُ الجَمِيعِ، وَنَفْعُهُ وَخَيرُهُ لِلْجَمِيعِ، فَالأمْنُ هُوَ الكَنْزُ الثَّمِينُ، وَهُوَ قِوَامُ الحَياةِ والدِّينِ، والأمْنُ والدِّينُ مُتَلازِمانِ، فلا يَسْتَقيمُ أحَدُهُما إلاَّ بِوُجُودِ الآخَرِ:(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ*الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ). عبادَ اللهِ: وَلِوُجُودِ الأَمنِ أَسبَابٌ، متى تَحقَّقَتْ كانَ الأَمْنُ وَالأَمَانُ! وَبِاخْتِلالِهَا يَكُونُ الشَّرُّ والفَسَادُ! فَأَوَّلُ الوَاجِبَاتِ لِتَحقِيقِ الأَمْنِ التَّامِّ: البُعدُ عن الشِّركِ باللهِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وأُلوهِيَّتِهِ، وحُكمِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالى:(ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ). أيُّها المؤمنونَ: وحتى نَصلَ إلى الأمنِ التَّامِّ، فَعَلَينَا بِالأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ، والنُّصحِ للهِ ولِرَسولِهِ ولِكتَابِهِ ولأَئِمَّةِ المسلمينَ وعامَّتِهم بِصِدْقٍ وَإخْلاصٍ. فالذُّنُوبُ مُزيلةٌ للنِّعمِ، وتُحِلُّ الفَوضى والنِّقَم، والطَّاعةُ حِصنُ اللهِ الأَعظَمُ وَمَن دَخَلَ طَرِيقَها كانَ مِن الآمِنِينَ. يا مؤمنونَ: مَن يُحِبُّ بَلَدَهُ بِصدْقٍ وَيُرِيدُ لَهُ الخَيرَ وَالنَّمَاءَ، والأَمْنَ والأمانَ فَلا تَرَاهُ إِلاَّ مُطِيعًا لِرَبِّهِ، مُتَّبِعَاُ لِرَسُولِهِ، مُطِيعَاً لِوُلاةِ أَمرِهِ، نَاصِحًا لِقَادَتِهِ، لا يُحدِثُ بَلبَلَةً وَلا يَبعَثُ فَوضَى، وَلا يُفسِدُ صَالِحًا، وَلا يُخَرِّبُ عَامِرًا. ألا وإنَّ المُحَافَظَةَ على جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ مِن أُصُولِ الإسلام، وَهِيَ وصيةُ اللهِ بِقَولِهِ:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا). وَوَصِيَّةُ نَبِيِّا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ: "يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ". وَاللَّهُ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا. يَا شَبَابَ الإسلامِ: الزَمُوا غَرْزَ عُلمَائِكم النَّاصِحينَ، وتَشبَّثوا بِجَمَاعَةِ المُسلمينَ، وَاسْأَلُوا اللهَ العَفْوَ والعَافِيَةَ مَن عَمَلٍ غَيرِ صَالِحٍ, أو فِكْرٍ شَاذٍّ, أَو فِتَنٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ, فقد قالَ نَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(وَمَا سُئلَ اللهُ شيئاً يُعطى أَحَبَّ إليه مِنْ أَنْ يُسألَ العَافِيَةَ).فاللهمَّ إنَّا نَسأَلُكَ العَفْوَ والعَافِيَةَ في الدِّين والعقلِ, والدُّنيا والآخرةِ, بَاركَ اللهُ لنا في القُرآنِ العَظِيمِ، وَبِهَدْيِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ, وأستغفرُ اللهَ لي وَلَكم ولِسائِرِ المُسلمينَ من كلِّ ذنبٍّ فَاستَغفِرُوهُ، إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ. الخطبةُ الثانيةُ: الحَمدُ للهِ، تَعَاظَمَ وَاقْتَدَرَ، نَحْمَدُهُ كَثِيراً كَمَا أَمَرَ، ونَشكُرُهُ وقد تَأَذَّن بالزِّيادة لِمَن شَكَرَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَيرِ البَشَرِ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الْمُستَقَرْ. أمَّا بعدُ: فاتَّقوا الله يا مؤمنونِ وأطيعُوه، واتَّبعوا أمرَه ولا تعصُوه. يَا مُسْلِمُونَ: حينَ يُولَدُ إنسانٌ في أرضٍ وَينْشَأُ فيها، فإنَّ فِطرَتَهُ تَربِطُهُ بِحُبِّها! فهذا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُعلِن عن حُبِّه لوطَنِه مكَّةَ، وهو يُغادِرها مُهاجرَاً فيقولُ: «واللهِ، إنَّكِ لأَحَبُّ البقاعِ إلى اللهِ وَأَحَبُّ البقاعِ إليَّ، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منكِ ما خَرَجتُ». وَلَمَّا عَلِمَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنَّه سَيَبْقَى في المدينةِ دَعَا اللهَ أنْ يُحَبِّبَهَا إليه. قالَ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: "وفيه دلالةٌ على فَضْلِ المدينةِ، وعلى مَشرُوعيةِ حُبِّ الوَطَنِ والْحَنِينِ إليه". أيُّها المُسلِمُونَ: وإذا كان هذا المعنى في كلِّ البُلدَانِ! فما بالُكم بِبَلَدِ التَّوحيدِ والعَقِيدةِ، وَمَهْبِطِ الوحيِ والقُرآنِ، أَرضِ الْحَرَمَينِ وقِبلَةِ الثَّقَلَينِ! فَالوَطَنِيَّةُ بهذا المَفهومِ الطَّبِيعيِّ أَمْرٌ غَيرُ مُستَغرَبٍ، وَلا اعتِرَاضَ عليها، كما لا يَجُوزُ أنْ تَكونَ مَفهومَاً مُشَوَّهَاً يُعارَضُ بِهِ الوَلاءُ لِلدِّينِ، فالإِسلامُ لا يُغيِّرُ انتِمَاءَاتِ النَّاس إلى أَراضِيهم ولا شُعُوبِهم ولا قَبَائِلِهم، إنَّما يُرشِدُها، ويُوجِّهُهَا الوِجْهَةَ الشَّرعِيَّةَ. عِبَادَ اللهِ: حُبُّ الْوَطَنِ لا يحمِلُنا على عصبِيَّةٍ لِلتُّرابِ والطِّينِ، والجِنْسِ والُّلغةِ، على حِسَابِ العقيدةِ والدِّينِ، ولا يحمِلُنا على غَمْطٍ للِأُخوُّةِ الإسلاميَّةِ التي تَتَسَامَى عن الْحُدودِ الْجُغرَافِيَّةِ والنَّظراتِ الإقليميَّة، حَاشا وكلاَّ. فقد قالَ أصدقُ القائِلينِ:(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ). وَقالَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عَيْبَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، النَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْخَرُونَ بِرِجَالٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تُدْفَعُ». ولا يَحمِلُنا كذلكَ أن نُجَسِّدَ حُبَّ الوَطَنِ في زَمَنٍ مَحدُودٍ أو بِطُقوسٍ مُعَيَّنةٍ فذالِكُم الْمَحذُورُ! عبادَ الله: مِن حقِّ أوطانِنِا علينا أنْ نكونَ لِتحقيقِ مَصالِحها سُعاةً، ولِدَرءِ الْمَفَاسِدِ عنها دُعاةً، ولأمنِها واستقرارِها حُماةً، فما عُمِرتِ الأَوطَانُ بِمِثْلِ تَحكِيمِ الشَّريعةِ، قالَ اللهُ تعالى:(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ). يَا مُؤمِنُونَ: مَن يُحِبُّ الوَطَنَ حَقِيقَةً، لا تَرَاهُ إِلاَّ حَرِيصًا عَلَى أَمنِهِ، مُطِيعًا لِوُلاةِ أَمرِهِ، نَاصِحًا لِقَادَتِهِ، حَرِيصًا عَلى أَنظِمَةِ بَلَدِهِ، فَنحنُ مُجتَمَعٌ كَسَّفِينَةٍ واحدَةٍ، فَلْنَلزَمِ شُكْرَ اللهِ فَإِنَّهُ قَيدٌ للنِّعمِ، وَسَبَبٌ لازدِيَادِهَا:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لم يَكُ مُغَيِّرَاً نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم). فَاللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. اللَّهُمَّ اجعلنا لِنِعمِكَ من الشَّاكرينَ ولكَ من الذَّاكرينَ. اللَّهُمَّ أَصْلح شَبَابَ الإسْلامِ وَالْمُسلِمِينَ وَاجعلهُم هُدَاةً مُهتَدِينَ، اللَّهُمَّ حبِّب إليهم الإيمانَ وزَيِّنْهُ في قلوبِهم وكرِّه إليهم الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ واجعلهم من الرَّاشِدينَ. اللَّهُمَّ احفَظْ حُدُودَنَا وانْصُرْ جُنُودَنَا على الحَوثِيِّنَ الظَّالِمينَ. اللَّهُمَّ أبرم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر. اللَّهُمَّ وفِّق ولاةَ أمورِنا لِمَا تُحِبُّهُ وترضاهُ، واجْعَلْهُم رَحمَةً على رَعَايَاهُمْ، رَبَّنا اغفِرْ لنا وَلِوالِدِينَا والمُسلِمينَ أجمَعِينَ. (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).