إكْمَالا إنَّهَا رُقْيةٌ 3/2/1443ه ـ الحمدُ للهِ امتَنَّ علينا بِنَبِيِّهِ الْمُرْسَلِ وَكِتَابِهِ الْمُنزَّلِ، أَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَفَّقَ ذَوي الأَبْصَارِ للاعْتِبَارِ بما في الكتَابِ العَزِيزِ مِنَ الحِكَمِ وَالأحْكَامِ وَالقَصَصِ وَالأَخْبَارِ، وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، المُصْطَفى الْمُخْتَارُ، الَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِكْ وأَنْعِم عَليهِ وعلى آلِهِ الأطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يَومِ القَرار. أَمَّا بَعْدُ. فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم وَاعْمُروا أَوقَاتَكُمْ وَبُيُوتَكُمْ بِالقُرْآنِ الكَرِيمِ، تِلاوَةً وَتَدَبُّرًا وَدِرَاسَةً وَتَفَهُّمًا، فَمَا أُنْزِلَ: (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى). وَعَتَبَ رَبُّنَا على مَن انْشَغَلَ عَنْهُ فَقَال:)أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) وَبَشَّرَ سُبْحَانَهُ مَنْ أَقْبَلَ عَليهِ فَقَالَ: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ .( أَيُّها المُؤمِنُونَ: حينَ تَحدَّثْنَا في الجُمُعَةِ المَاضِيَةِ عَنْ بعْضِ فَضَائِلِ سُورَةِ الفَاتِحَةِ وَبَعْضِ أَحْكَامِهَا، وَذَكَرْنَا أَنَّهَا سَبْعَ آيَاتٍ مِن غير البَسْمَلَةِ. أَشْكَلَ على البَعْضِ أَنَّ البَسْمَلَةَ مَكْتُوبَةٌ في المَصَاحِفِ على أَنَّها الآيَةُ الأُولى مِن الفَاتِحَةِ! وَإليكُمْ جَوَابَ العَلاَّمَةِ ابنُ العُثَيمِينَ عَليهِ رَحْمَةُ اللهِ بِمَا مَفَادُهُ: حينَ سُئِلَ: هَلْ البَسْمَلةُ آيَةٌ مِن الفَاتِحَةِ؟ قَالَ: في هذا خِلافٌ بينَ العُلَمَاءِ؛ مِنْهُم مَنْ يقُولُ: آيَةٌ مِن الفَاتِحَةِ، وَمِنْهُم مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ؛ وَهَذا هُوَ الْحَقُّ؛ الذي دَلَّ عليهِ النَّصُّ، وَالسِّيَاقُ. أَمَّا النَّصُ: فَعَنْ أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، إلى آخِرِ الحَدِيثِ وهذا نَصٌّ أَنَّ البَسْمَلَةَ لَيسَتْ مِن الفَاتِحَةِ؛ وفي الصَّحِيحِ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:(صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَلَمْ يَكُونُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أَوَّلِ قِرَاءَةٍ، وَلا في آخِرِهَا). وَعَدَمُ الْجَهْرِ بِهَا يَدُلُّ أَنَّهَا لَيسَتْ مِنْهَا. أَمَّا مِن جِهَةِ السِّيَاقِ فَإذا أَرَدتَ أنْ تُوزِعَ السَّبْعَ الآياتِ على مَوضُوعِ السُّورَةِ وَجَدَّتَ أَنَّ نِصْفَها قُولُهُ تَعَالى: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. فَالثَّلاثُ الآيَاتِ الأُولى للهِ؛ وَالثَّلاثُ الأَخِيرَةُ لِلعَبْدِ. وَالرَّابِعَةُ هِيَ الوُسْطَى بَينَ العَبْدِ وَرَبِّهِ. فَالصَّوَابُ الذي لا شَكَّ فِيهِ أنَّ البَسْمَلَةَ لَيسَت مِن الفَاتِحَةِ. انْتِهى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ. عِبَادَ اللهِ: ومِن أَحْكَامِ سُورَةِ الفَاتِحَةِ: أَنَّ الخَطَأَ فِي قِرَاءَتِهَا الذي يُغيِّرُ المعنى فَإنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلاةَ، وَلا تَجُوزُ إِمَامَةُ مَنْ يَلْحَنُ فِيهَا ولا الإتِمَامُ بِهِ، وَإنْ كَانَ الخَطَأُ لا يُغيِّرُ المَعْنَى فَإنَّهُ يُنْقِصُ ثَوَابَهَا. وَمِنْ أَحْكَامِها: أَنَّهُ يُسَنُّ الجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ لِمَنْ أَنْهَاهَا أَو اسْتَمَعَ إليهَا. لِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ:أَمَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً. عِبَادَ اللهِ: اعْتَادَ بَعْضُ إخْوانِنَا قِرَاءَةَ الفَاتِحَةِ بَعْدَ كُلِّ صَلاةٍ، أَو بَعْدَ دَفْنِ مَيِّتٍ، أَو عِنْدَ عَقْدِ نِكَاحٍ، وَهَذِهِ وَغَيرُهَا بِدَعٌ مُحَرَّمَةٌ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، إذْ لَمْ تُنْقَلْ سُنَّةٌ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلا عَنْ أَصْحَابِهِ، ولا عَنْ أَهْلِ العِلْمِ الْمُعْتَبَرِينَ! و(مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)، هَكَذَا صَحَّ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا إلا أَنَّهَا رُقْيَةٌ وَشِفَاءٌ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَالقُرَآنُ كُلُّهُ شِفَاءٌ، وَالفَاتِحَةُ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِيهِ، فَلَهَا مِن خُصُوصِيَةِ الشِّفَاءِ مَا لَيسَ لِغَيرِهَا، وَلَم يَزْلْ العَارِفُونَ يتَداوَونَ بِهَا مِن أَسْقَامِهِم، وَيَجدُونَ تَأثِيرِهَا في البُرْءِ وَالشِّفَاءِ عَاجِلًا.اهـ فَالحمْدُ للهِ على نِعْمَةِ سُورَةِ الفَاتِحَةِ. فالَّلهُمَّ انْفَعْنَا بِهَا وَبِالقُرْآنِ العَظِيمِ وَبِهدْيِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ وَاسْتَغْفِرُ اللهَ فاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. الخطبة الثانية الْحَمدُ للهِ جَلَّ مِنْ رَبٍّ وَعَلا، أَشْهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ العَلِيُّ الأعْلى، الْمُأَمَّلُ لِكَشْفِ كُلِّ بَلْوَى، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ تُرْفَعُ إليهِ الشَّكْوَى. وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِينَّا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّداً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ النَّبِيُّ الْمُصطَفَى، وَالْحَبِيبُ الْمُرْتَضَى، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ فَمَا ضَلَّ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنَطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ بِهُدَهُمُ اهْتَدَى. أَمَّا بَعدُ. فَاتَّقُوا اللهَ يَا مُؤمِنُونَ وَانْعَمُوا وَاسْعَدُوا وَتَعَرَّفُوا عَلى فَضَائِلِ سُورَةِ الفَاتِحَةِ فَقَدْ مَرَّ عَلينَا بِحَمْدِ اللهِ عَدَدٌ مِنْ فَضَائِهَا. وَكَيفَ يُمْكِنُ أَنْ نَذْكُرَ الفَضَائِلَ وَنَتْرَكَ حَدِيثًا قُدْسِيًّا عَظِيمًا رَواهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللهُ بِسَنَدِهِ عَنْ أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " عِبَادَ اللهِ: مَنْ تَأَمَّلَ هذَا الحَديثَ أَدْرَكَ لِمَ سُمِّيتْ سُورَةُ الفَاتِحَةِ بِسُورَةِ الصَّلاةِ فَقَدْ قَالَ اللهُ: (قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ). وَأَنَّ سُورَةَ الفَاتِحَةِ نِصْفَانِ، نِصْفٌ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالثَّنَاءُ وَالتَّمْجِيدُ، وَالعَبْدُ لَهُ النِّصْفُ الأَخِيرُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالطَّلَبِ, فَمِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَينَا أَنْ عَلَّمَنَا هَذا الدُّعَاءَ والطَّلَبَ وَأَمَرَنَا أَنْ نُكَرِّرَ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ, وَضَمِنَ لَنَا إجَابَةَ دُعَائِنَا إذا كَانَ بِإخْلاصٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ، فَحَاجَةُ العَبْدِ إلى أَنْ يَهدِيَهُ اللهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، أَعظَمُ مِن حَاجتِهِ إلى الطَّعَامِ والشَّرَابِ والنَّفَسِ، قَالَ الإمِامُ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ عَن دُعَاءِ الفَاتِحَةِ: وَهُوَ أَجَلُّ مَطلُوبٍ، وَأَعظَمُ مَسؤولٍ، ولو عَرَفَ الدَّاعِي قَدْرَ هَذا السُّؤَالَ لَجَعَلَهُ هِجِّيرَاهُ يعني مُلازِمًا لَهُ، فَإنَّهُ لَمْ يَدَعْ شَيئاً مِن خَيرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ إلَّا تَضَمَّنَهُ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمينَ وأذلَّ الكُفرَ والكافِرينَ ودمِّر أعداءَ الدينَ واجعل هذا البلد آمنا مُطمئنَّاً وسائِر بلادِ المسلمين، وَفِّقْ ولاتَنَا وولاةَ المسلمينَ لِما تُحِبُّ وترضى وأعنهم على البر والتقوى،اللهم انصر جنودنا واحفظ حدُودَنا.واغفر لنا ولِوالِدينا وللمسلمينَ ياربَّ العالمينَ. عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزكم ولذكر الله أكبر واللهُ يَعلمُ ما تَصنعُونَ.