عَامُ أَمْنٍ وَأَمَانٍ وَتعْليمٍ واطْمِئنَانٍ 18/1/1443ه ـ الحمدُ لله منَّ علينا بالإسلامِ، ونوَّرَ قُلُوبَنا بالإيمانِ، أَشهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا الله وحده لا شريكَ لهُ رَبُّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنا وَحَبِيبَنا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، المُصْطَفى الأَمِينُ، عليهِ وعلى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَفْضَلُ صَّلاةٍ وَأَتَمُّ تَسلِيمٍ. ومن سَارَ عَلى نَهْجِهِم إلى يومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ. أوصيكم ونفسي بِتَقْوَى اللهِ وطاعتِهِ، وأُحذِّرُكم وإيِّايَّ من عصيانِهِ ومخالفةِ أَمرِهِ. عبادَ اللهِ: احمَدُوا اللهَ على نِعَمِهِ العَظِيمَةِ، فَهَا نَحْنُ نَعُودُ لِلدِّرَاسَةِ والعَمَلِ والأَمَلِ والحَيَاةِ بَعْدَ غَيبَةٍ طَويلَةٍ، وَوَبَاءٍ ضَرَبَ أَطْنَابَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ, وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللهِ نَنْعَمُ بِعِيشَةٍ هَنِيئَةٍ، وَمَواسِمَ طَاعَةٍ جَمِيلَةٍ، عُدْنَا بِصِحَّةٍ في أَجْسَامِنَا، وَوَفْرَةٍ في أَرْزَاقِنَا، وَسَلامَةٍ لأبْنَائِنا، وَأَمْنٍ في بِلادِنَا فَللهِ الحَمْدُ والفَضْلُ والمِنَّةُ حَقَّاً كَمَا قَالَ رَبُّنَا: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ). فَمَنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِنِعْمِ اللهِ علينا فَهُو إنْسَانٌ كَنُودٌ! وَمَنْ نَسَبَ النِّعَمَ لِغَيرِ اللهِ تَعَالى فَهُوَ ظَلُومٌ كَفُورٌ: فَاللهُ يَقُولُ:(وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ).فَكُلُّ نِعْمَةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ لا أَحَدَ يُشَارِكُهُ فِيهَا. في حَدِيثٍ حَسَّنَهُ ابنُ حَجَرٍ عليه رَحْمَةُ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَنَّامٍ الْبَيَاضِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ». فاحْمَدُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ واشْكُرُوهُ ليلاً وَنَهَارَاً فاللهُ تَعَالى يَسْمَعُ لِمَنْ حَمِدَهُ. عِبَادَ اللهِ: نَعِيشُ في بِلادِنَا بِحَمْدِ اللهِ تَعَالى فِي أمْنٍ وَأمَانٍ، وَرَاحَةٍ وَقَرَارٍ، بَينَمَا فِتَنٌ مِنْ حَولِنا تَعْصِفُ بالبِلادِ والعِبَادِ نَسْألُ اللهَ العَفْوَ والعَافِيةَ لَنَا وَلَهُمْ. وَلْتَعْلَمُوا أنَّ سَلامَةَ بُلدَانِنا، وَأَمْنَ أَوطَانِنا، مَسْؤُولِيَّةُ الجَمِيعِ، وَنَفْعُهُ وَخَيرُهُ لِلْجَمِيعِ، فَالأمْنُ قِوَامُ الحَياةِ والدِّينِ، فِي ظِلِّهِ تُحْفَظُ الأَنْفُسُ، وتُصَانُ الأعْرَاضُ والأمْوَالُ، وتَأْمَنُ السُّبُلُ وتُقَامُ الحُدُودُ، وَفي ظِلِّ الأمْنِ تَقُومُ الدَّعْوَةُ إلى اللهِ وتُعمَرُ المسَاجِدُ، ويَسُودُ الشَّرْعُ ويَفْشُو المَعْروفُ ويَقِلُّ المُنْكَرُ. والأمْنُ والدِّينُ مُتَلازِمانِ، فلا يَسْتَقيمُ أحَدُهُما إلاَّ بِوُجُودِ الآخَرِ:(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ*الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ). والأَمْنُ يَحْتَاجُ إلى رِجَالٍ مُخلِصينَ مُتَعَاوِنِينَ. عبادَ اللهِ: وَلِوُجُودِ الأَمنِ أَسبَابٌ، متى تَحقَّقَتْ كانَ الأَمْنُ وَالأَمَانُ! وَبِاخْتِلالِهَا يَكُونُ الشَّرُّ والفَسَادُ! فَأَوَّلُ الوَاجِبَاتِ لِتَحقِيقِ الأَمْنِ التَّامِّ: البُعدُ عن الشِّركِ باللهِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وأُلوهِيَّتِهِ، وحُكمِهِ، وَأسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالى:(ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ). أيُّها المؤمنونَ: وحتى نُحقِّقَ الأَمنَ فَلا بُدَّ مِن العِنَايَةِ بالعلمِ الشَّرعي وَأهْلِهِ، المبنيِّ على الكتابِ والسُّنَّةِ، فالعلمُ عِصْمَةٌ مِن الفِتَنِ، فَإذا ظَهَرَ في بَلَدٍ قَلَّ الشَّرُّ فيها، وإذا خَفِيَ العلمُ والعُلَمَاءُ ظَهَرَ الشرُّ والفَسَادُ! عبادَ اللهِ: وحتى نَصلَ إلى الأَمْنِ التَّامِّ، فَعَلَينَا بِالأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ، والنُّصحِ للهِ ولِرَسولِهِ ولِكتَابِهِ ولأَئِمَّةِ المسلمينَ وعامَّتِهم بِصِدْقٍ وَإخْلاصٍ. أيُّها المُؤمِنُونَ: والمعاصي والأمنُ لا يجتمِعانِ، فالذُّنُوبُ مُزيلةٌ للنِّعمِ، وتُحِلُّ الفَوضى والنِّقَم، والطَّاعةُ حِصنُ اللهِ الأَعظَمُ وَمَن دَخَلَ طَرِيقَها كانَ مِن الآمِنِينَ. بَاركَ اللهُ لنا في القُرآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنا بما فيه من الآيات والذِّكر الحَكِيم، أقولُ ما تَسمَعُونَ، وأستغفرُ اللهَ لي وَلَكم ولِسائِرِ المُسلمينَ من كلِّ ذنبٍّ فاستغفروه، إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ. الخطبة الثانية: الحمدُ للهِ اتَّصفَ بالعلمِ والحِلمِ، أَشْهدُ ألاَّ إله إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، نَفَعَنا بِعُلُومٍ نَافِعاتٍ، وَأَشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله وَرَسُولُهُ، بُعِثَ بالعلمِ والأَخلاقِ، صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه والتَّابِعينَ لَهُم بإحسَانٍ إلى يَومِ الْمَمَاتِ. أمَّا بعدُ: فالسَّعيدُ من اتَّقى اللهَ، وأَخَذَ من دُنياهُ لأُخَراهُ، أيُّها المعلِّمونَ الأفاضِلُ: عَرَفْنَا واللهِ قَدْرَكُمْ وَفَضْلَكُمْ حِينَ جَاهَدْنَا أَبْنَاءنَا على التَّعَلُّمِ عَنْ بُعْدٍ! فَهَا هُم أَبنَاؤنا مُقبلونَ عليكم ينتَظِرُونَ مِنْكُم عُلوماً نافعةً، فَخُذُوا بِمَجَامِعِ قُلُوبِهم، ودُلُّوها على مَحَبَّةِ اللهِ ومَرْضَاتِهِ، واغرِسُوا فيها الإيمَانَ والإحسانَ، وَأبْشِرُوا بِقَولِ اللهِ تَعَالى:(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا). فَأَخلِصُوا للهِ في القولِ والعَمَلِ، فَمَا كانَ للهِ دامَ، ومَا كانَ لِغيرِ اللهِ ذَهَبَ وانقطعَ. وَاعلموا أنَّ رسالةَ التَّعليم اتِّسَاءٌ، بِأَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ، فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: حَلِيمَاً رَحِيمَاً، رَفِيقاً شَفِيقَاً، فييسِّروا ولا تعسِّروا، وَبشِّروا وَلا تُنَفِرُوا، وَهُمْ أَمَانةٌ في أَعْنَاقِكُم، مِنْ كُلِّ النَّواحِي حَتى مِنْ النَّاحِيَةِ الصِّحِيَّةِ فَاعْمَلُوا على الاحْتِرازاتِ وَخُذُوا بِكُلِّ النَّصَائِحِ والتَّوجِيهَاتِ. فاقْدُرُوا لِلكَلِمَةِ قَدْرَها، وزِنُوا لِلحرَكَةِ وزنَها فَطُلابُنَا يَعقِلُون بِأَعيُنِهم أكثرَ من آذانِهم، فَلِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ! يا رجالَ التَّربِيَةِ والتَّعلِيمِ، سَيَتَوَافَدُ عليكم طلابٌ مُتَبايِنُونَ! فَعَامِلُوا كلاًّ بِحَسْبِهِ، واصْبِروا أَعَانَكُمُ اللهُ عليهم. فَهَنِيئاً لَكَ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الفَاضِلُ:(فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْر). أبنَائَنا الطُّلابَ: هَا هِيَ أَيَّامُ العِلمِ أَقبَلَتْ بَعْدَ غَيَابٍ طَويلٍ فَأَقْبِلُوا عليها بجدٍّ وإخلاصٍ. واعلموا أنَّ جهودًا كبيرةً عُمَلت من أجلِكم، فَكُونُوا عند حُسْنِ الظَّنِ بكم، وَاحْرِصُوا على كُلِّ النَّصَائِحِ الصِّحِيَّةِ، واحذروا الإهمالَ والكَسَلَ فلا يَنالُ العلمَ كَسُولٌ ولا عَاجِزٌ، ولقد كانَ نَبيُّنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يَستَعِيذُ باللهِ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ. وَاحتَرِمُوا العلمَ وكُتُبَهُ، وَأَتْقِنُوا ما تَتَعلَّمون وطبِّقوا ما تَأْخذونَ، وَأَحْسِنُوا المَظْهَرَ مِنْ مَلْبَسٍ وَتَفَقُّدٍ للشَّعْرِ والأظْفَارِ، وَنَظَافَةٍ لأجْسَامِكُمْ فَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» كَمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. عَلَينا مَعَاشِرَ الأَولِياءِ أَنْ نَزْرَعَ في قُلُوبِ أَبْنَائِنا حُبَّ العلمِ والتَّعلُّمِ والمعلِّمينَ وَاحْتِرَامَهم، فَالأَدَبُ والاحْتِرَامُ مِفتاحُ العلمِ وَأَسَاسُ الطَّلبِ. يَا مُؤمِنونَ: الزَمُوا شُكْرَ اللهِ تَعَالى فَإِنَّهُ قَيدٌ للنِّعمِ، وَسَبَبٌ لازدِيَادِهَا، فَاللهُمَّ أعنِّا جَمِيعَاً على أداءِ الأمانةِ، اللهمَّ نعوذُ بك من السُّوءِ والمَكْرِ والخيانةِ. اللهم اجعل عامَنَا عامَ خيرٍ وهدىً، وفلاحٍ وتُقى، وَصِحَّةٍ وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ. اللهم إنَّا نعوذُ برضاكَ من سخطِكَ وبمعافاتِكَ من عقوبتكَ وبكَ منكَ لا نحصي ثناءً عليكَ. اللهم اجعلنا لِنِعمِكَ من الشَّاكرينَ ولكَ من الذَّاكرينَ. وَأصلح شباب الإسلام والمسلمين, اللهم احفَظْ حُدُودَنَا وانْصُرْ جُنُودَنَا على الحَوثِيِّنَ الظَّالِمينَ. اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر ياربَّ العالمين. اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنا لِمَا تُحِبُّهُ وترضاهُ، اجمَعهُم على الهُدى والدِّينِ، واجْعَلْهُم رَحمَةً على رَعَايَاهُمْ، رَبَّنا اغفِرْ لنا وَلِوالِدِينَا والمُسلِمينَ أجمَعِينَ. (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).