الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ 2/4/1441هـ
الحَمْدُ للهِ خَلَقَنا فِي أَحْسَنِ تَقويمٍ، أَشْهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ العَلِيمُ الحَكِيمُ, وَأَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ الله وَرَسُولُهُ أرْشَدَنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ, صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ، وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ إلى يَومِ الدِّينِ,
أمَّا بعدُ: فَأُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوىَ اللهِ وَطَاعَتِهِ: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا . عِبَادَ اللهِ: الرِّجَالُ هُمُ الأساسُ الذينَ تَحيَا بِوُجُودِهِمُ الأُمَمُ وَالمُجتَمَعَاتُ؟! وَبِهْمْ تُدفْعُ الشُّرُورُ والفِتَنُ والمُهْلِكَاتُ! وإِنَّ رَجُلاً صَالِحَاً تَامَّ الرَّجُولَةِ, لَهُوَ عِمَادُ الأُمَّةِ وَرُوحُ نَهضَتِهَا, وَمُنطَلَقُ صَلاحِها وإِصلاحِهَا. والرُّجُولَةُ سِمَةٌ عَظِيمَةٌ كُلٌّ يَتَمَنَّاها,لأنَّ اللهَ تَعَالى مَدَحَهَا وَأَثنى عَلَى أَهلِهَا، اقرَؤُوا إِنْ شِئتُم قَولَهُ تَعَالى: في بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ .
اللهُ أكبَرُ: هُنَا في المَسَاجِدِ في بُيُوتِ اللهِ تجِدُ أَمَاكِنَ الرِّجَالِ، فَمنها انطَلَقَوا, وفيها ترَبَّوا, وبِها تَعَلَّقَتْ قُلُوبُهم! فَلا تُشغِلُهُمْ الدُّنيا عن الآخِرَةِ بِأيِّ حَالٍ من الأَحوالِ.
الرِّجَالُ حَقَّاً: مَهَمَّتُهُمْ كَالمُرسَلِينَ, فَهُم أَهلُ الحَقِّ والدِّينِ, الآمرينَ بالمعروفِ النَّاصحينَ للخلقِ قَالَ اللهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: وَجَاءَ مِن أَقصَى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسعَى قَالَ يَا قَومِ اتَّبِعُوا المُرسَلِينَ . ولهذا كان النَّبِيُّ يَتَطَلَّعُ إلى رَجُلٍ يُناصِرُهُ وَيُعِزُّ دَعوَتَهُ، فَكَانَ يَقُولُ:(اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ بَأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ؛ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَوْ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ, فَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ). عبادَ اللهِ: لَمْ تَكُن رُجُولَةُ عُمرَ في قوةِ بدنِه، ورِفعَةِ نَسَبِهِ, ولكنَّها بِقُوَّةِ إيمَانِهِ, وَصَدْعِهِ بِالحَقِّ! أيُّهَا المُؤمِنُونَ: مِن صِفَاتِ الرِّجَالِ: صِدقُ الحَدِيثِ, والوَفَاءُ بالعَهدِ, وردُّ الحُقُوقِ إلى أهلِها! وَمِنْ صِفَاتِهمْ: الثَّبَاتُ عَلَى المَنهَجِ الحَقِّ وَعَدَمُ التَّلَوُّنِ وَالنُّكُوصِ، فقد مَدَحَ اللهُ صِنفَاً كَرِيمَاً مِنَ الرِّجَالِ فَقَالَ: مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً . فَمَا أَجمَلَ المُسلِمَ إِذْ عَرَفَ الحَقَّ أَن يَلزَمَ ويَستَقِيمَ! فَقَدْ قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لِمَنِ استَوصَاهُ بِحَدِيثٍ يَنْتَفِعُ بِهِ قَالَ لَهُ:(قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ). أيُّها المُؤمِنُونَ: وَمِن صِفَاتِ الرِّجَالِ في القُرآنِ أنَّهم قَوَّامُونَ عَلَى مَن وَلاَّهُمُ اللهُ أَمرَهُم مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ، قَالَ اللهُ سُبحَانَهُ: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم . قَالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: القيِّمُ هُوَ الرَّئِيسُ، الذي يَحْكـُمُ أَهلَهُ وَيُقَوِّمُ اعْوَجَاجَهُم إذا اعْوَجُّوا، وهو المَسئُولُ عنهم يومَ القيامةِ، قالَ :(كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
أيُّها الكِرامُ: وَإِنَّ اطِّلاعًا عَلَى حَالِ بَعضِ البُيُوتِ والأُسَرِ, وَجَولَةً في الأَسوَاقِ والمُتَنَزَّهاتِ والمِهْرَجَانَاتِ والمُدَرَّجَاتِ, وَمَحَلاَّتِ المَشْرُوبَاتِ, لَتُرِيكَ كَم تُقتَلُ الرُّجُولَةُ وَتُذبَحُ عَلَى أَيدِي أُنَاسٍ أَسلَمُوا القِيَادَ لِنِسَائِهِمُ! وتَخَلَّوا عن قَوَامَتِهم! وَتَرَكُوا لَهُنَّ الحَبلَ عَلَى الغَارِبِ، يَطُفنَ في تِلْكَ الأمَاكِنِ كَالهَمَلِ، ويَلبَسنَ مَلابِسَ الفِتنَةِ بلا حَيَاءٍ ولا خَجَلٍ! لا يَترُكنَ دُكَّانًا إِلاَّ دَخَلنَهُ، وَلا بَائِعًا إِلاَّ فَتَنَّهُ، وَلا شَابَّاً إلاَّ مَازَحْنَهُ وَصَوَّرْنَهُ! وَمَنْ تَابَعَ بَعْضَ المَقَاطِعِ المُنْتَشِرَةِ! قَالَ: ذَاكَ مُحالٌ! وَضَرْبٌ مِن الخَيالِ! وَالحَقُّ أنَّهُنَّ بَنَاتُ مُسْلِمينَ! فَهَل هَذا مِنْ مُقتَضَياتِ الرُّجُولَةِ والقِوامَةِ والدِّينِ؟ فَالَّلهُمَّ أَعِنَّا جَمِيعَاً عَلى أَدَاءِ الأَمَانَةِ وَحَقِّ القِوامَةِ, أقولُ مَا سَمَعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِلمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍّ فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية /
الحَمْدُ للهِ وَسِعَ كلَّ شَيءٍ بِرحمَتِهِ، وَعمَّ كُلَّ حَيِّ بِنعمَتِهِ، أَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شريك له في رُبُوبِيَّتِهِ وأُلُوهِيَّتِهِ، وَأَشهدً أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداً عبدُ الله وَرَسُولُهُ خِيرتُه من بَرِيَّتِهِ، صلَّى اللهُ وسلَّم وَبَارَكَ عَليهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحاَبَتِهِ، والتَّابعينَ لَهُمْ وَمَنْ تَبِعهُمْ على سُنَّتِهِ.
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ, وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ، قِفُوا عِندَ حُدُودِهِ، وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ. في الصَّحِيحِ أنَّ النَّبيَّ قالَ:(إِنَّهُ لَيَأتي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَومَ القِيَامَةِ فَلا يَزِنُ عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئتُمْ: فَلاَ نُقِيمُ لَهُم يَومَ القِيَامَةِ وَزنًا ).
نَعَمْ يَا كِرامُ: الرِّجالُ لا يُقَاسُونَ بِأَحسَابِهم وَلا بِحسَابَاتِهِم ولا بِأجْسَامِهِمْ, وَإِنَّمَا بِمَا وَقَرَ فِي قُلُوبِهم من الإِيمَانِ, وَبِمَا حَقَّقُوهُ من عَمَلٍ صَالِحٍ. حَقَّاً وَصِدْقَاً كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ .
وَلَقَدْ مَرَّ بِالنَّاسِ رِجَالٌ مَغْمُورُونَ بالإعْلامِ, قَلِيلُوا الكَلامِ, نِحِيلُوا الأَجْسَامِ , عَيشُهُمْ كَفَافٌ, وَلَكِنَّهُمْ رِجَالٌ بِأفْعَالِهِمْ وَإنْجَازَاتِهِمْ وَأَمْرِهِمْ بالمَعْرُوفِ وَنَهَيهِمْ عن المُنْكَرِ وَحُبِّ الخَيرِ للغَيرْ!
أيُّها الكِرَامُ: العَجِيبُ فِي بَعْضِ الأُمُورِ أَنَّكَ تَرَى بعضَ النَّاسِ يُبَرِّرونَ أخْطَائَهُمْ! بَلْ يَعُدُّونَهَا مِن مُقتَضَياتِ الرُّجُولَةِ! فالكَذِبُ والتَّدليسُ, يَعُدُّونَها رُجولَةً! وَالتَّهَوُّرُ في القِيَادَةِ ومُخالفةُ الطُّرُقاتِ يَعُدُّونَها مَفخَرةً! والأَدْهى والأمَرُّ, والمُحزِنُ والمُخْزِي أنْ يكُونَ الزَّوجُ مُتَسَلِّطَاً على زَوجتِهِ وَأَولادِهِ سَبَّاً وَشَتْمَاً, وَضَرْبَاً وَإهَانَةً, ويَعُدُّ ذلِكَ مَفخَرةً ورُجُولَةً! وَمَا عَلِمَ أنَّها الحَمَاقَةُ وَالسَّفهُ بِعَينِها! قالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ مَا مَفَادُهُ: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بإلزامِهِنَّ بِحقوقِ اللهِ، مِن المُحافَظَةِ على الفَرَائِضِ, وَكَفِّهِنَّ عن المَفَاسِدِ، وأنْ يُلزِمُوهُنَّ بِذَلِكَ، وَقَوَّامُونَ عَليهِنَّ بِالإنفَاقِ والكُسوَةِ والمَسكَنِ، فَهِيَ عِندَهُ عَانِيَةٌ أَسِيرَةٌ خَادِمَةٌ, فاتْرُكُوا مُعاتَبَتَها على الأُمُورِ المَاضِيَةِ، والتَّنقِيبِ عن العُيوبِ التي تَضُرُّ وتُحْدِثُ الشَّرَّ! فَوَظِيفَتُهُ أنْ يَقُومَ بِما استَرعَاهُ اللهُ بِهِ. انتهى.
يا مُؤمِنُونَ: الرِّجَالُ حَقَّاً: لا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ! فَأَينَ مَن يتَهَاوَنُونَ عنِ الجَمَاعَةِ وَيتَشَاغَلُونَ عَنْهَا لأدْنَى سَبَبٍ؟ هَلْ عَرَفَ الرُّجُولَةَ مَن غَلَبَهُ الفِرَاشُ عَن الفَجرِ مع الجَمَاعَةِ؟ سُبْحَانَ اللهِ: صِنْفٌ مِن النَّاسِ تَشغَلُهُم عَنِ الصَّلاةِ قَنَاةٌ مَاجِنَةٌ، وَتُلهِيهِم عَن المَسَاجِدِ مَسرَحِيَّةٌ فَاجِرَةٌ، أو مُبَارَاةٌ سَاذِجَةٌ, وَيُنسِيهِمْ عَنْ الذِّكْرِ مَقْطَعٌ سَافِلٌ! فَمَا أَبْعَدَهُم عَن رِجَالٍ لا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ.
مَعَاشِرَ الشَّبابِ: أَنْتُمْ رِجَالُ المُسْتَقْبَلِ فَلا يَكُنْ أَحَدُكُمْ إمَّعَةً إنْ أَسَاءَ غَيرُهُ تَبِعَهُ وإنْ جَاءَت مَوضَةٌ أخَذَها, ألم يَلْعَنَ رَسُولُ اللهِ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، بل قَالَ:(أَخرِجُوهُم مِن بُيُوتِكُم).
الرُّجُولَةُ الحَقَّةُ يا كِرامُ: رأَيٌ سَدِيدٌ، وعَمَلٌ رَشِيدٌ, ومُروءُةٌ وَشَهَامَةٌ، وَتَعاونٌ وَتَضَامُنٌ، فَعلى كُلٍّ منَّا أنْ يُعِدَّ عُدَّتهُ لِلتَّحَلِّي بها، فَعَاقِبَتُها جَمِيلَةٌ وَثَمَراتُها عَاجِلَةٌ وآجِلَةٌ.
فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا جَمِيعَاً مِن الرِّجَالِ التَّوابِينَ المُتَطَهِّرينَ القَائِمَينَ لِلذِّكرِ والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ, وَمِنْ القَوَّاَمِينَ عَلَى نِسَائِهِمْ, اللهمَّ وفقنا لِمَا تُحبُّ وَترضى وأَعنا على البِرِّ والتقوى, وأهدنا وأهد بنا ويسر الهدى لنا, أصلح نياتنا وذُرِّيَاتِنا وأقر أعيننا بصلاحهم, اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين خذ بنواصيهم للبر والتقوى ومن العمل ما ترضى ياربَّ العالمين, اللهم اغفر لنا ولوالدينا والمسلمين أجمعينَ, اللهم لا تدع لنا ذنبا الا غفرته ولا كربا الا نفسته ولا مريضا الا شفيته ولا دينا الا قضيته ولا مبتلى الا عافيته. اللهم أعز الإسلامَ والمُسلمين وَدَمِّرْ أعداء الدين, وانصر جُنُودَنا المُرابطين, وُكن للمستضعفين في كلِّ مَكَانٍ, اللهم إنا نَعُوذُ بكَ من الغلا والوبا والرِّبا وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. وفق ولاة أمور المسلمين عامَّةً وولاةَ أمورنا خاصَّةَ لما تحبه وترضاه. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذابَ النَّارِ. عباد الله: أذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.