خطبة جمعة من إعداد الشيخ عبدالله الطريف 09--01-1434 بعنوان غزة انتصار يكسر الحصار
منذ بزغ فجر هذا الدين قبل ما يزيد على أربعة عشر قرناً واليهود يناصبونه العداء مع علمهم التام بأنه الدين الحق.. ولم يتحدث القرآن عن أمة كما تحدث عنهم.. فجَلَّا حقيقتهم أعظمَ جلاءٍ.. وبين عداوتهم للإسلام وأهله أوضح بيان.. وقد أثبت الله تعالى هذه الحقيقة في كتابه فقال: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا. [المائدة:82] قال الشيخ السعدي رحمه الله: فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم، وذلك لشدة بغضهم لهم، بغيا وحسدا وعنادا وكفرا..
روى ابن إسحاق بسنده عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ أَنّهَا قَالَتْ: كُنْت أَحَبّ وَلَدِ أَبِي إلَيْهِ وَإِلَى عَمّي أَبِي يَاسِرٍ لَمْ أَلْقَهُمَا قَطّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا إلّا أَخَذَانِي دُونَهُ.. قَالَتْ: فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، وَنَزَلَ قُبَاءً، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ غَدَا عَلَيْهِ أَبِي، حُيَيُّ بْنُ أَخْطَب، وَعَمّي أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَب مُغَلّسِينَ.. قَالَتْ: فَلَمْ يَرْجِعَا حَتّى كَانَا مَعَ غُرُوبِ الشّمْسِ.. قَالَتْ: فَأَتَيَا كَالّيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى.. قَالَتْ فَهَشَشْت إلَيْهِمَا كَمَا كُنْت أَصْنَعُ فَوَاَللّهِ مَا الْتَفَتَ إلَيّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، مَعَ مَا بِهِمَا مِنْ الْغَمّ.. قَالَتْ: وَسَمِعْت عَمّي أَبَا يَاسِرٍ وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي: حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ أَهُوَ هُوَ.؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَللّهِ. قَالَ: أَتَعْرِفُهُ وَتُثْبِتُهُ.؟ قَالَ: نَعَمْ.. قَالَ: فَمَا فِي نَفْسِك مِنْهُ.؟ قَالَ عَدَاوَتُهُ وَاَللّهِ مَا بَقِيت..!!
أيها الإخوة: كأنما كانت كلمته هذه أول يوم للهجرة، إيذانا بفتح جبهة جديدة، أخطر وأضرى من الجبهة المكشوفة مع المشركين من قريش.. كان هَمُ يهود، أن يوادعهم الإسلام إلى أن يفيقوا من صدمة الهجرة، ويتدبروا وسيلة الخلاص من هذا الدين الذي لا يمكن أن يسالموه.. فوقعوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العهود والمواثيق فكان أول من نقضه بنو قينقاع وكان بين بدر وأحد..
قال ابن هشام: كَانَ مِنْ حَدِيثِ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمَعَهُمْ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ بعد بدر ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ احْذَرُوا مِنْ اللّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنْ النّقْمَةِ وَأَسْلِمُوا، فَإِنّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنّي نَبِيّ مُرْسَلٌ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللّهِ إلَيْكُمْ قَالُوا: يَا مُحَمّدُ إنّك تَرَى أَنّا قَوْمُك.. لَا يَغُرّنّكَ أَنّك لَقِيت قَوْمًا (يعنون قريشاً في بدر) لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ فَأَصَبْتَ مِنْهُمْ فُرْصَةً إنّا وَاَللّهِ لَئِنْ حَارَبْنَاك لَتَعْلَمَنّ أَنّا نَحْنُ النّاسَ..
وذكر ابْنُ إسْحَاقَ: عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إلّا فِيهِمْ (قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا) أَيْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقُرَيْشٍ (فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)
وكَانُوا أَوّلَ يَهُودٍ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَارَبُوا فِيمَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ.. وكَانَ مِنْ أَمْرِهم أَنّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ لَهَا، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا، فَأَبَتْ فَعَمِدَ الصّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا، فَلَمّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا، فَضَحِكُوا بِهَا، فَصَاحَتْ.. فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصّائِغِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ يَهُودِيّا، وَشَدّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ فَوَقَعَ الشّرّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ..
فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ.. فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ حِينَ أَمْكَنَهُ اللّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيّ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، وألح على النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه وزاد في إلحاحه فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسِلْنِي، وَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى رَأَوْا ذلك في وَجْهِهِ ثُمّ قَالَ وَيْحَك أَرْسِلْنِي، قَالَ لَا وَاَللّهِ لَا أُرْسِلْك حَتّى تُحْسِنَ فِي مُوَالِيّ قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إنّي وَاَللّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ قَالَ فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُمْ لَك.. وتتابعت قبائل يهود بالغدر والخيانه ومكن الله منهم وأجلاهم عن المدينة.. وفي عهد عمر رضي الله عنه أجلاهم من جزيرة العرب..
أيها الإخوة: وعاد كثير من اليهود بعد الشتات إلى فلسطين بعد وعد بلفور النكد في القرن الماضي واستحلوا فلسطين وجثموا على صدر الأمة عشرات السنين دارت خلالها حروب كثيرة.. ووقعت معهم عدة معاهدات كلها تمكنهم من بلاد المسلمين وتضفي الحق على اغتصابهم الأراضي الإسلامية..
وقبل أيام قليلة شنت طائراتهم وبارجاتهم من البر والبحر هجوماً شرساً على قطاع غزة تلكم الأرض الصغيرة المكتظة بالسكان التي تبلغ مساحتها 360 كم مربعا ويبلغ عدد سكانها قرابة المليون ونصف نسمة وتعتبر من أكثر مناطق العالم اكتظاظا بالسكان.. فسقط فيها مائة وستين قتيلاً من الفلسطينيين نحسبهم من الشهداء وأكثر من ألف جريح أكثرهم من النساء والأطفال.. وكانوا يراهنون على وأد المقاومة والقضاء عليها، شفاءً لحقدهم ومظهراً من مظاهر عداوتهم، وحرصاً على كسب انتخابي لدى بني جلدتهم، ومؤازرة للقاتل البشع لأهل السنة النصيري النتن في سوريا.
وراهنوا على تحطيم القوة العسكرية للمقاومة وخاصة الصاروخية منذ الأيام الأولى لهذا العدوان.. ولكن الله خذلهم فاختلت حساباتهم.. ووئدت أمانيهم.. وفشلت خططهم..
ومع أنه سقط عدد قليل من القتلى الإسرائيليين إلا أن الصهاينة شعروا داخل هذا الكيان بالذعر والخطر.. رغم الاحتياطات الأمنية المشددة التي تقوم بها إسرائيل، وبناء الجدار العازل، والقبة الحديدية وهو نظام دفاع جوي متحرك مطور، الهدف منه اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية، أرادوه حلاً دفاعياً لإبعاد خطر الصواريخ قصيرة المدى عنهم، وقد كلفهم مئات الملايين من الدولارات.. إلا أنها لم تمنع الصواريخ الفلسطينية المسلمة من السقوط في تل أبيب وغيرها من مدن العمق.. قال الله تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) [الأنفال:17]
أيها الإخوة: يقف العالم مشدوهاً أمام مشهدٍ مهيب: فئة قليلة، تقاتل في سبيل الله، تحتمي ببقعة صغيرة، مكشوفة من الأرض، ضئيلة العدد والعتاد، أمام فئة كثيرة، تقاتل في سبيل الطاغوت، تحتمي بدولة تملك ترسانةً من الأسلحة المتقدمة، ومن ورائها دول كبرى تمدها بالسلاح، والعتاد، والرجال، والدعم السياسي، فتضطرها إلى البحث عن التهدئة، والتذرع بوسيط للصلح، وكأنهما ندان متكافئان.! قال تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [آل عمران:13].
أيها الإخوة: وينص اتفاق التهدئة على أن تقوم إسرائيل بوقف كافة الأعمال العدائية العسكرية والإجراءات على قطاع غزة برا بحرا وجوا بما في ذلك الاجتياحات وعمليات استهداف الأشخاص، وفتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان أو استهدافهم في المناطق الحدودية.. على أن تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كافة العمليات من قطاع غزة باتجاه الجانب (الأراضي المحتلة) بما ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات على خط الحدود...
وتعتبر هذه التهدئة هزيمة مدوية لليهود خلال هذا العدوان، إذا لم تحقق أيا من أهدافها.. وباءوا بالذلة والخسران قال الله تعالى عنهم: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[آل عمران:112].. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: «قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، فرأى اليهودَ تصومُ عاشوراء فقال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه.؟ قالوا: هذا يوم عظيم، أنْجَى اللهُ فيه موسى وقومه، وغرَّق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومُهُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه» حديث صحيح.
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل صيامه فقال: وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ َأحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ. رواه مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه. ثم أمر صلى الله عليه وسلم بمخالفة اليهود، بأن يصام العاشر ويوماً قبله أو يوماً بعده.
ومخالفة اليهود تكون إما بصوم اليوم التاسع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع». يعني مع العاشر، وتكون بصوم يوم بعده، لأن اليهود كانوا يفردون اليوم العاشر، فتحصل مخالفتهم بصيام يوم قبله أو يوم بعده، وقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد أن صيام عاشوراء أربعة أنواع: إما أن يصوم اليوم العاشر وحده. أو مع التاسع. أو مع الحادي عشر. أو يصوم الثلاثة.
قال شيخنا محمد بن عثيمين: وصوم الثلاثة يكون فيه فائدة أيضاً، وهي الحصول على صيام ثلاثة أيام من الشهر.. وعليه فالأفضل أن يصوم يوم العاشر ويضيف إليه يوماً قبله أو يوماً بعده. وإضافة اليوم التاسع إليه أفضل من الحادي عشر.
0
0
3.1K
01-15-1434 07:00 مساءً